إذا ثبت الوارد في شكوى وليد جنبلاط، المقدّمة أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت، على تاجر العقارات حسين إبراهيم بدير، فهذا يعني أن جنبلاط «أكل مقلباً» لن ينساه في حياته؛ فجنبلاط يقول إنه كان ضحية عملية احتيال شارك فيها مدير أعماله «الموثوق» جداً، وأدت إلى بيعه عقارات بمساحات أقل من المسجّلة في الصحف العقارية، وبقيمة أعلى من قيمتها الحقيقية. يبدو أن هاجس جنبلاط «الديموغرافي» جعله يوظّف نفوذه ليستدين من المصارف، بحسب شكواه، ويشتري هذه العقارات ليتخلّص من «خطر» الاختلاط المذهبي في الشوف. «الأخبار» حصلت على نص الشكوى القضائية التي رفعها جنبلاط، واللافت أنه يتهم فيها بهيج أبو حمزة بالتواطؤ عليه، لكنه لا يدّعي عليه مباشرة، ويكتفي بطلب تجريم المدّعى عليه حسين بدير بجرم «الاحتيال» ومن يظهره التحقيق.
جاء في نص الشكوى أنه في نهاية عام 2010 اشترى جنبلاط، بواسطة مدير شؤون أملاكه بهيج أبو حمزة، عقاراً على حدود منطقة «وادي أبو يوسف» عند مدخل الشوف. عملية الشراء سببها، بحسب الشكوى، «إيقاف عملية حفر الجبل وتشويهه، التي أحدثها صاحب العقار هادي. ز. ب. فاشترى جنبلاط العقار بسعر مرتفع، ذلك لأنه يرغب في الحفاظ على منطقة الشوق وجمال طبيعتها الحرجية».

تقول الشكوى إن المدّعى عليه، حسين بدير، يعمل في مجال شراء بيع العقارات والأبنية وإنشائها. وقد يكون علم من أبو حمزة بشراء جنبلاط لذاك العقار، فبادر إلى شراء مساحات شاسعة من الأراضي تبلغ مساحتها مئات الآلاف من الأمتار، في منطقة «وادي أبو يوسف» تحديداً، وذلك «بأسعار منخفضة جداً... مستغلاً انتقال ملكية تلك العقارات إلى عدد كبير من الورثة». دفع بدير، بحسب الجهة المدّعية، مبلغ 10 دولارت أميركية مقابل المتر المربع الواحد على أساس مساحة تبلغ 571.130 متراً مربعاً.
هنا تبدأ اللعبة التي ستُدخل جنبلاط في متاهة. اللعبة التي يبدو أن «رادارات البيك» لم تلتقطها (ودائماً بحسب نص الشكوى القضائية). فبناءً على «خطة مدبرة ومحكمة، بدأ المدّعى عليه بدير يشيع أنه سيُنشئ ويبني مجمّعات سكنية على العقارات التي اشتراها، وطلب من صديقه الشيخ بهيج أبو حمزة إقناع جنبلاط بشراء تلك العقارات لوقف المشروع، طامعاً بتحقيق المنفعة المادية». وبالفعل، نجح أبو حمزة بإقناع جنبلاط، «مستغلاً الثقة التي كان قد منحها له». أكثر من ذلك، يقول المدّعي (جنبلاط) إن أبو حمزة أقنعه، من منطلق علاقته الوطيدة ببدير، بقدرته على جعل الأخير يبيعه العقارات بالثمن نفسه الذي اشتراها به دون أيّ أرباح. اللافت أن جنبلاط، في نص شكواه، يدّعي بالاسم على حسين بدير فقط، من دون الادعاء على مدير أعماله أبو حمزة، علماً أنه يرد في النص العبارة الآتية: «لكن المدّعي لم يكن يدرك ماذا يُخبّئ له المدّعى عليه (بدير) ومدير أعماله (أبو حمزة)، ونيتهما تتجه إلى الإيقاع به والاحتيال عليه والاستيلاء على أمواله، مستغلين مشاغله السياسية والاجتماعية».
اتصلت «الأخبار» بوكيل جنبلاط، المحامي حسام راسبيه، وسألته عن سبب عدم شمول أبو حمزة بالدعوى عليه. لكنه رفض الحديث في القضية إطلاقاً. اكتفى بالقول: «هذا الملف ملك القضاء، وهو يبته... الموضوع ليس له علاقة بالسياسة، بل هو قضائي بحت».
يتحدّث نص الشكوى عن أن العقارات التي اشتراها جنبلاط من بدير، بمعية أبو حمزة، هي ذات الأرقام 1/2/3/4/5/6/10 وأن مساحتها الإجمالية 837505 م2. وتقول إن بدير أبرز أمام جنبلاط خريطة تحديد اختيار منظمة من الدوائر العقارية في بعبدا بتاريخ 25/6/1966 كان قد استحصل عليها بتاريخ 8/3/2010. لكن «أخفى بدير وأبو حمزة عن جنبلاط ـ عن قصد ـ الخريطة المنظمة بتاريخ 4/6/1969 التي تظهر أن العقار رقم 2 أصبحت مساحته بعد الفرز 232900 م2، بينما الأولى تظهر أن مساحة هذا العقار هي 499240 م2»، ويخلص جنبلاط إلى أن المدعى عليه وأبو حمزة «باعاه من طريق الاحتيال ما مجموعه 266340 متراً مربعاً لم تكن مشمولة بالشراء، بل هي غير موجودة أصلاً في المساحة الحالية للعقار رقم 2 المشمول في عملية البيع». إذاً، لقد اشترى جنبلاط أرضاً ناقصة بقيمة 8 ملايين دولار، بحسب تقديراته، ما عدّه احتيالاً منظماً تعرّض له.
يقول جنبلاط في شكواه إن «بدير وأبو حمزة أعلما جنبلاط أن الأول اشترى تلك العقارات على أساس هذه المساحة، وأن ثمن المتر قد تحدد بـ 30 دولاراً أميركياً، ما يجعل ثمن تلك الأمتار 25 مليون دولار».
إذاً، هذه هي قيمة الصفقة الإجمالية، التي جعلت جنبلاط ـ حتى يسدد ثمنها ـ يأخذ على عاتقه ديون شركة بدير (وادي أبو يوسف للسياحة والبناء والإعمار ش. م. ا) المستحقة على مصلحة البنك اللبناني الكندي، والبالغة 10 ملايين دولار، مقدماً «ضمانات شخصية وعقارية تضمن هذا الدين». أما بقية المبلغ، فقد استحصل جنبلاط، لسداده، على قرض شخصي بقيمة 15 مليون دولار من بنك سوسيته جنرال في لبنان، وذلك بفائدة 6.5 في المئة، مقدّماً «ضمانات شخصية وعقارية تضمن القرض الأول». كان لافتاً أن يرد في نص الشكوى أن جنبلاط «استخدم رصيده الشخصي والإرث العائلي والثقة الشخصية الممنوحة له من سائر المصارف لدفع هذا الثمن وشراء العقارات». ها هو يقرّ في شكواه بأنه بنفوذه الشخصي يستدين من المصارف، مبالغ طائلة، وكل هدفه «الحفاظ على بيئة الشوف». بالتأكيد، يمكن البعض أن يحصر «البيئة» هنا بالطبيعة والأحراج، لكن ثمة من يفهمها، من منطلق تعبير جنبلاط نفسه عن هواجسه، على أنها «البيئة الديموغرافية» أو المذهبية التي يحرص عليها كثيراً.
ثمّة مقطع في نص شكوى جنبلاط القضائية، يظهر مدى الشرخ الحاصل بينه وبين أبو حمزة، وإلى أي مدى يشعر بـ«الجرح» من وكيل أعماله، فيورد ما حرفيته: «انطلت تلك الأساليب والمناورات الاحتيالية التي مارسها بدير، وأيّدها بهيج أبو حمزة، الذي كان يثق جنبلاط به كل الثقة، بعد تأكيده للمدّعي أنه اطلع على المستندات وتأكد من مساحة العقارات المشمولة بالبيع».
إذاً، اشترى جنبلاط عقارات «وهمية» و«بلع الطعم»، وكل ذلك انطلاقاً من «الخوف على وضعية مدخل منطقة الشوف». اكتشف جنبلاط ما حصل له منتصف العام الجاري، أثناء قيامه بمكننة وتنظيم أملاكه وعقاراته؛ إذ «تبيّن للمكلفين تلك العملية أن مساحة العقارات المشتراة تختلف عن واقع الأرض وحقيقتها». استدعى «البيك» مدير أعماله، أبو حمزة، وطلب إليه تبيان مساحة كل عقار، فـ«حاول الأخير تبرير الفرق في مساحة العقار رقم 2، زاعماً أنه فُرز إلى عقارات عدة، هي أيضاً بملكية بدير، لكن في جردتين كانت المساحة تختلف».
الوارد آنفاً كلّه «حكي فاضي» يقول المدّعى عليه حسين بدير (أبو علي). ففي اتصال مع «الأخبار» قال: «ما يقوله جنبلاط غير صحيح، أملاكي مسجلة في الدوائر العقارية والمساحة، وهي معي في خريطة مفصلة، وجنبلاط وافق على تلك المساحة بعد اجتماعات مباشرة معه في منزله على مدى 3 أيام. كان جنبلاط حاضراً فيها شخصياً، ومعه أبو حمزة ومحامون وشهود». وعن علاقته بأبو حمزة، يستغرب بدير ما أورده جنبلاط في شكواه؛ إذ «قبل عملية البيع لم أكن أعرف أبو حمزة إطلاقاً، ولا أملك حتى رقم هاتفه، ويمكن من يشاء أن يراجع حركة الاتصالات، وأنا واثق مما أقول. أبو حمزة هو من اتصل بي، ولم يكن يملك رقم هاتفي، فاستحصل عليه من هيثم الجردي الذي تجمعني به فعلاً علاقة صداقة قديمة». وعن الهاجس الديموغرافي _ المذهبي عند جنبلاط، يقول بدير: «لا أتصور أن هذا في مكانه الصحيح. صحيح أنني شيعي، لكن لا أمت بأي صلة لحزب الله. على العكس، كنت سابقاً في حركة أمل، وأنا الآن تاجر بناء معروف، وهذا عملي الوحيد، وأعمل في البناء وأبيع للجميع دون استثناء». يذكر بدير أن جنبلاط كان قد «وضع إشارة قيد الدرس في الدوائر الرسمية على أملاكي، مستخدماً نفوذه، وربما عبر وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، رغم إعطائي له بيان كيل شرعي، صادراً عن الدوائر الحكومية».
حسناً، أين أصبحت الشكوى قضائياً؟ مصادر متابعة نقلت لـ«الأخبار» أن قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، استدعى المدّعى عليه مباشرة في القضية، حسين بدير، لكن الأخير استمهل لتوكيل محام. وكان له ذلك. الآن يعكف محاموه على دراسة الشكوى، علماً أن الملفات الآتية من جهة جنبلاط ضد بدير وأبو حمزة أصبح عددها أربعة. اثنان منها قُدمت فيها دفوع شكلية، لكن القاضي ردها، والآن ينتظر القاضي مطالعة النيابة العامة في الدفوع لتحديد موقفه منها. عموماً، هذه المرحلة تسمى قضائياً «دفوع واستمهال»، وهذه يمكن أن تأخذ وقتاً طويلا، نظراً إلى طبيعتها الروتينية. لكن، في المقابل، نقل قانونيون متابعون للقضية، أنه «من منطلق الخبرة في حالات مماثلة سيُعجل في بت الملف، وبالتأكيد سيُستدعى بهيج أبو حمزة للمثول أمام القاضي، ومسألة تجريمه في القضية ليست بعيدة».

يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | @Nazzal_Mohammad