«لن ندع الإهمال يضرب مرة أخرى ويمنع تطبيق العدالة وإحقاق الحق». بهذا الإصرار تعهد كمال، ابن عم النقابي الراحل كامل شيا، متابعة الدعوى «حتى النفس الأخير» ضد من سبب قتله في ذاك الأحد المشؤوم. الزوجة رولا وولداها بهاء وغرايس وكل العائلة ينتظرون محاسبة «القاتل». لا يطمئنون لقرار القاضية بإخلاء سبيل المتهم، صاحب المطعم في الجاهلية حيث وقعت الحادثة، متوجسين من تأجيل جلسة المحاكمة إلى السابع والعشرين من آذار المقبل. يخشون تحديداً استمرار التدخلات السياسية والتلاعب بالأدلة الجنائية.
يحكي كمال شيا أنّه «وصل إلى مسامعنا أنّ الأدلة والصور متوافرة، لكن القاضية لم تتسلمها حتى الآن، مع أننا نشك في أن القوى الأمنية زارت المكان». ويقول شيا في الاحتفال التأبيني في ذكرى أربعين كامل أن «لا عداوة لنا مع أحد، ولا ثأر لنا عند أحد، ولا نريد أن ننصب المشانق، لكن الفساد لن يقتل كامل مرتين». يجزم بأننا «لن نكل حتى يصلنا الحق، الذي لن يصرف منه فلس واحد في البيت، بل سينفذ به مشروع للفقراء الذين أحبهم كامل وناضل من أجلهم وكان دائماً يقول: أعتز بنفسي لأني من عامة الناس وقريب من الفقراء».

من عرفوا النقابي يروون عنه أنّه «جمع في شخصيته بين التواضع والكبرياء، عاش مع الناس وتحسس آلامهم وآمن ببساطة عيشهم وكان عنيداً يغلّب العمل النقابي على الحزبي».
«خرج المارد من القمم»، قالها كامل أكثر من مرة حين صدر قرار توحيد روابط التعليم الأساسي الرسمي في رابطة واحدة. وكامل أسهم في هذا الإنجاز. في التظاهرات، يتذكر محبوه أنّه كان مقلاً بالكلام، متعمداً أخذ التحرك باتجاه تعبوي عبر عبارته الشهيرة «ارفعوا قبضاتكم».
ردّد في المعركة الأخيرة لسلسلة الرواتب أمام أقرانه النقابيين: «للمرة الأولى يمرّ عليّ مسؤولون على هذه الشاكلة، وأنا الذي عايشت أكثر من معركة لإقرار سلسلة رواتب. في الماضي كان المسؤول يحسم الأمر في غضون 3 أيام، أما مسؤولو اليوم فبارعون بالطمطمة وعدم الصدق».
«السلسلة ستكون وسامك الحقيقي، ولن نتراجع حتى نقلدك هذا الوسام»، هذا ما قاله له رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي محمود أيوب.
لم يتعرف المعلمون بكامل شيا في المكاتب والصالونات، بل في أرض المعركة، وكان دوماً فصلاً من فصول كل حكاية من حكايات النضال بحلوها ومرها وإنجازاتها، بحسب رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب. الأخير يتعهد للراحل تحقيق وصيته بتحويل الروابط إلى نقابات حرة ومستقلة للقطاع العام ومتابعة معركة السلسلة «وما توصيتنا بتنفيذ الإضراب إلّا تثبيت لهذا العهد واستمرار لموقفك الرافض للتراجع عن الاتفاقات».
ويؤكد غريب أن «ما رفضناه في الحكومة لا يمكن أن نقبل به في المجلس النيابي، وستبقى التوصية قائمة، ما لم يتم إشراكنا في إعادة صياغة السلسلة ومعايير جداول الرواتب ومضمون التقرير المزمع إنجازه الاثنين في اللجنة الفرعية، وما دامت المؤشرات لا تدعو للاطمئنان».
برأيه، لا تتحقق العدالة بين القطاعات الوظيفية إلا بالحفاظ على الحقوق المكتسبة، ولن «نقبل بوضع معايير لقطاع ما وهدر حق قطاع آخر، إذ لا يجوز تصحيح أوضاع أناس على حساب أناس آخرين، نحن نريد الحقوق لجميع القطاعات من دون استثناء وعدم تحويلها إلى مجرد حصص لافتعال الخلافات بين القطاعات وضربها وضرب وحدة هيئة التنسيق النقابية وقطع الطريق على قيام حركة ديموقراطية».
هذه الحركة بدأت أخيراً بإطلاق أكبر تحرك نقابي منذ سبعينيات القرن الماضي لم يشهد له لبنان مثيلاً، على حد تعبير غريب، الذي قال إنه كان لكامل إسهامه الكبير والمميز فيه. لم تغالب الأخير السياسة، فأتقن المعادلة الذهبية بتمثيل حزبه التقدمي الاشتراكي في الأوساط النقابية، واستطاع أيضاً تمثيل المطلب النقابي داخل الحزب، يقول وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. ويرى أنّ المصالح لم تُقص شيا عن مطلب العدالة الاجتماعية والدولة ــ الرعاية لا دولة المنحة والدولة ــ الوظيفة لا الدولة المنّة.
ويسأل أبو فاعور: «ماذا تملك الدولة لتقول للمواطن عندما يرى الصفقات والسرقات في أكثر من هيئة وقطاع؟ ماذا تقول للموظف والمعلم عندما تقف عاجزة عن منع التهريب؟ كيف تبرر الطبقة السياسية بصغيرها وكبيرها نهب الشواطئ والأملاك البحرية وحجم رفاهية التبذير في المؤسسات الرسمية؟». يجيب: «لا تملك إلا أن تتلعثم وتصمت»، داعياً إلى تكريس «وحدة هيئة التنسيق التي استعصت على الطوائف والأحزاب والمصالح والأهواء وتجاوزت حدود المطلب النقابي إلى اعادة الاعتبار إلى وعي اجتماعي مفقود ووعي طبقي تناسيناه لفترة طويلة لمصلحة الوعي الطائفي والمذهبي الذي يفسد القضايا والحقوق وينشئ حقوقاً وهمية».