«التداعيات السياسية من الصراع السوري، إضافة إلى تدفق اللاجئين، سيكملان عوامل زعزعة الثقة وتأخير تدفق السياح والنمو. هذا الوضع يؤدي إلى إرهاق المالية العامّة ويزيد الضغوط على ميزان التعامل مع الخارج». لم تعد غريبة على سمع اللبنانيين تلك التوقعات الخاصة بأداء اقتصاد بلادهم في زمن الصراع السوري. ها هو صندوق النقد الدولي يكررها – وإن باختصار، ومن دون توسّع في الشرح – في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي. اليوم يتوقع الصندوق أن يبلغ النمو الاقتصادي هذا العام 1.5%، أي إنه مطابق لما كان عليه العام الماضي، ويتوقع المعدّل نفسه لعام 2014، لتجد في بيانات الصندوق كأنه علق عند هذا الرقم منذ عام 2011!
اللافت في التقديرات الحديثة أنها تأتي مخالفة على نحو كبير لما كانت عليه في الربيع الماضي. حينها توقع الصندوق أن يتحسن النمو في عام 2013 بواقع نصف نقطة إلى 2%، على أن يتضاعف بنحو ملحوظ في عام 2014 ليبلغ 4%.
ترتبط هذه التقديرات أساساً بوضعية الصراع المستمر في سوريا منذ ربيع عام 2011، وكذلك بطبيعة العوامل التي تُعدّ تقليدية في تحفيز النمو اللبناني مثل العلاقة مع البلدان الخليجية التي تُعد حيوية في تأمين البترو دولار الذي يغذي شرايين البلاد عبر القطاع السياحي. هناك قنوات أخرى يمرّ بها هذا المال مثل الاستثمارات المباشرة، المصارف إضافة إلى «المال السياسي».
وربما استسهل خبراء الصندوق إبقاء هذا الرقم، نظراً إلى الضبابية السائدة في لبنان وصعوبة استخراج بيانات واضحة وصريحة من بيئة النمو اللبناني المشوه! في جميع الأحوال، لن يعود لبنان قريباً إلى سنوات النمو التي عاشها قبل الاضطرابات العربية. ففي الأعوام بين 2007 و2010 سجّل معدلات نمو فاقت 7% وقاربت عتبة 10%.
النقاش في منافع النمو وكيفية توزّع ثماره هو أوسع وأكثر تعقيداً من تحديد معدلاته المتوقعة. ولكن عادة ما يكتفي صندوق النقد الدولي بالتوقعات الكمية السائدة لتلمّس مستقبل قريب.
عام 2014 لن يكون عام الانفراجات إذاً. ولكن هل تستمر فيه الانفجارات؟ إنه السؤال الأكبر في منطقة تتقدم بخجل صوب انفراج مطلوب، بعدما جرى التفاوض حول السلاح الكيميائي السوري، ويُتوقع أن يُعقد مؤتمر «جنيف 2» قريباً.
في البلدان المستوردة للنفط في المنطقة (ولبنان منها)، أدى تزايد حدة الصراع السوري، مترافقاً مع التطورات في مصر، إلى توقع مزيد من الاضطراب، ما يعقد أكثر الإدارة الاقتصادية. «في الإجمال، من المتوقع أن يبقى النمو عند 3% تقريباً بين عامي 2013 و2014، وفي معظم البلدان يؤدي هذا الأمر إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة وعدم تحسن مستويات العيش، ما يساهم في تغذية الغضب الاجتماعي»، بحسب ما ورد في تقرير الصندوق.
هكذا سيكون معدل نمو الاقتصاد اللبناني الأول في ضعف النمو ضمن لائحة البلدان المستوردة للنفط، والثاني عربياً هذا العام حيث تتأخّر عنه الكويت فقط، وهي بلد منتج ومصدر للنفط. أما في العام المقبل، فسيكون لبنان الأسوأ أداءً بين المحيط والخليج، حيث ستتخطاه جميع بلدان الضاد أكانت مشرقية، خليجية أم مغربية.
لدى مقارنته ببلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يكون ثالث أضعف اقتصاد حيث من المتوقع أن يُسجّل الاقتصاد الإيراني أسوأ أداء بتقلّصه 1.5%.
الخبر الجيد نسبياً هو أنّ من المتوقع أن يهدأ معدل التضخم قليلاً هذا العام إلى 6.3% بعدما كان 6.6% في العام الماضي، على أن ينخفض إلى 3.1% في عام 2014.
أما على مستوى العلاقة مع الخارج التي تعكسها نتيجة الحساب الجاري – صافي التداول مع الخارج – فيتوقع الصندوق عجزاً بنسبة 16.7% هذا العام والمعدل السلبي نفسه المسجل في العام المقبل.
وللصراع السوري تأثير أبعد من خفض معدلات النمو في لبنان والبلدان المجاورة، وتحديداً على مستوى السلعة الأكثر استراتيجية في العالم حالياً. يقول تقرير الصندوق: «أخيراً، تصاعدت المخاطر من إمكان ارتفاع أسعار النفط بسبب إمكان انقطاع الإمدادات نتيجة التأزم والاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». بحسب التقرير، ثمة «ثلاثة سيناريوات» تبرز في هذا السياق. أولاً، اختلال قصير المدى في إنتاج النفط، حيث ترتفع الأسعار بنسبة بين 10% و20% لبضعة أسابيع. ثانياً، انقطاع أكبر في الإمدادت حيث يؤثر الصراع السوري على صادرات الخام العراقي وتتمكن السعودية من تغطية النقص في السوق، لكن بتباطؤ، ما يؤدي إلى صعود سعر برميل النفط إلى حدود 150 دولاراً لفصلين متتالين. هذه الفرضية تخفض نمو الاقتصاد العالمي بواقع 0.13 نقطة مئوية في عام 2014، ويُمكن أن تؤدي إلى مخاطر أخرى. ثالثاً، انقطاع الإمدادات مثل السيناريو الثاني وبلوغ سعر البرميل 150 دولاراً، ولكن يترافق ذلك مع تأثيرات معاكسة أكبر على الثقة، حيث تعود الرساميل إلى الملاجئ الآمنة وتنخفض أسعار الأسهم. هنا يتراجع النمو العالمي نصف نقطة مئوية.
النفط هو عامل مؤثر بأداء الاقتصاد العالمي الذي يقول الصندوق إنه يشهد حالياً مرحلة انتقالية جديدة، حيث تستعيد الاقتصادات المتقدمة قوتها تدريجاً، فيما يتباطأ النمو في البلدان النامية. يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.9% هذا العام، على أن يتحسن الأداء إلى 3.6% في عام 2014.