«المعارضة» السورية المرتبطة بالاستخبارات الإقليمية والدولية، مثل «الائتلاف» و«المجلس الوطني» وقيادة الجيش الحر وعدد من الشخصيات من الصنف نفسه، هي، في النهاية، تعبير عن قوى غير سورية، ومعادية لسوريا/ الدولة من الأميركيين والغربيين والخلايجة والأتراك. ونحن لا نتهمها بالتعامل مع العدو الصهيوني، إلا أنها تتقاطع معه في مقاتلة الجيش العربي السوري والسعي إلى إسقاط النظام بالقوة، حتى بالتعاون مع الإرهابيين واستجلاب العدوان العسكري الأميركي الأطلسي على البلاد.
خسرت هذه القوى، في الآونة الأخيرة، رهانها على الحرب الأميركية، بعدما خسرت رهانها على إسقاط النظام بالعنف. وهي لا تستطيع تمييز نفسها عن الجماعات الإرهابية ميدانياً، لا من حيث الوجود العسكري الفاعل، ولا من حيث برنامجها المفتقر إلى ادراك موقع سوريا الاستراتيجي واحتياجات التقدم الاجتماعي السوري.
بعد التفاهم الروسي الأميركي حول سوريا، تحولت هذه «المعارضة» إلى مجرد يافطة، خصوصا مع سيطرة جناحيّ القاعدة (داعش والنصرة) على التمرد المسلح، وتقلّص فعالية الجيش الحر الذي تنفرط صفوفه بين مفاوضات الانضمام للدولة، والاستقطاب الحاصل بين جناحيّ القاعدة المذكورين. وما يجعل الائتلاف ــــ وأمثاله ـــــ باقياً على قيد الحياة ليس سوى كمّامة التنفس الاصطناعي السعودية الإماراتية الأردنية.
التطورات الواقعية المتسارعة، ستنقشع، سريعاً، عن ثلاث قوى هي قوة النظام السياسية والعسكرية، وقوة المعارضة الوطنية ـــــ وهي لم تستطع بعد أن تبلور نفسها ـــــ وقوة التكفيريين الإرهابيين الذين ليس لهم مكان في جنيف 2، هم لا يريدونه أيضاً.
تتألف المعارضة الوطنية السورية، من تلك القوى والشخصيات المعارضة للنظام أو سياساته، ولكنها ترفض تغييره أو حتى اسقاطه بالقوة، سواء أكان ذلك بوساطة الجماعات المسلحة والعنف والإرهاب أم بوساطة العدوان الإمبريالي، ومنها «الحزب الديموقراطي الكردي» و«جبهة التغيير والتحرير» المتحالفان مع النظام من موقع مستقل، و«هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة» و«الطريق السلمي». وهي قوى تطالب بإسقاط النظام أو تغيير سياساته بصورة سلمية.
لكن، إلى هذه التعبيرات المسيّسة، تشتمل المعارضة السورية الوطنية، على (1)عشرات التجمعات والفعاليات الأصغر التي لها مواقف وآراء وطموحات في التغيير، (2) والفعاليات الاجتماعية والصناعية والزراعية والجهوية التي تنحصر مطالبها في التغيير في الشأن الاقتصادي الاجتماعي (3) وأخيراً، لا آخراً، هنالك قوة جديدة بازغة، ولها حضورها الميداني الفاعل، وتتكوّن من عشرات المجموعات الشبابية المستقلة من مختلف الاهتمامات التي نشطت في الحرب السورية، من منطلق الوطنية الصافية والدفاع عن الجمهورية والانخراط في مساعدة المجتمع، لا من منطلق تأييد النظام نفسه. ويشكّل هؤلاء نواة تيار واسع من الوطنيين الطامحين إلى دمقرطة الدولة واستعادة الفضاء السياسي الحر ومكافحة الفساد وتنشيط دور الدولة والمجتمع في الإدارة والاقتصاد والثقافة. ومن استطلاعي لخطاب هذه القوة الشبابية الجديدة، ولقاءاتي مع بعض الناشطين فيها، فقد وجدت أنها جادة في استقلالها عن النظام، بينما تحسب نفسها على الرئيس بشار الأسد، وتؤيده، وتؤمن، بغض النظر عن صوابية تقييمها، بأن الرئيس والجيش رمزيتان وطنيتان مستقلتان عن النظام «الفاسد والقمعي».
تشكّل هذه القوة المتشكلة من آلاف الشباب المفعم بالوطنية والطاقات والميول الديموقراطية والمدنية، ما يمكننا أن نسميه: حزب الرئيس. وفي رأيي أن تجميع عناصر هذه القوة في حزب سياسي معلن، سيجرّ إلى صفوفه مئات الآلاف من الشباب والصبايا الأكثر وطنية وبراءة واستعداداً للعمل في مرحلة إعادة البناء. لكن ولادة هذا الحزب، تتطلب استقالة الرئيس من حزب البعث، وتحوله رمزاً لهذا الحزب على طريقة فلاديمير بوتين.
أخيراً، هناك مجموعات صغيرة من المسلحين المحليين الذين انجرّوا إلى الحرب، ولكنهم ما زالوا مستقلين، نسبياً، عن المتآمرين الخارجيين، ومن هؤلاء أشخاص حملوا السلاح على سبيل الانتقام الخ... وهؤلاء لم يعد لهم، موضوعياً، مكان في صفوف الجماعات المسلحة.
آن الأوان لاجتماع قوى المعارضة الوطنية، كلها، في جبهة متحدة على أساس الدعم غير المشروط للجيش العربي السوري في مكافحة الإرهاب، ربطاً ببرنامج تغيير جذري يتم التوافق عليه، ويركّز ــــ بالإضافة إلى التغييرات الديموقراطية في ظل ثوابت التحرر الوطني ومكانة سوريا الجيوسياسية ــــ على تصفية الفساد والنيوليبرالية، والمبادرة إلى توافق وطني على مشروع لإعادة الإعمار في خط وطني اجتماعي، ومن منظور تنموي تشاركي يكفل مصالح الكادحين السوريين في كل المناطق.
الوطنية السورية تفرض على قوى المعارضة الوطنية، اليوم، تناسي خلافاتها، وتشكيل وفد موحد إلى جنيف 2، والتفاهم مع النظام على أسس سوريا الجديدة.