غصت قاعة المركز الثقافي العراقي في فردان بكاميرات الفضائيات العراقية واللبنانية والعربية، التي أتت لتصوّر الحدث: ندوة حول واقع الآثار العراقية وعملية استردادها، الا أن معظّم الذين لبّوا الدعوة جاؤوا ليصوّروا القطع الاثرية الست التي اعلنت وزارة الثقافة اللبنانية تسليمها للسلطات العراقية قبل ساعات من هذه الندوة، لكن، القطع في حوزة السفير العراقي، والندوة علمية هدفها عرض واقع المتحف العراقي وعمل مكتب الاسترداد، وواقع الفن العراقي التشكيلي... عندها غادر العدد الاكبر من وسائل الاعلام، فالندوة لن تتطرق الى اوجاع العراق، والمحاضرون الثلاثة يحاولون ابراز بعض الإيجابيات، لا تلبية الطلب على ارشفة صور عن سرقة الآثار العراقية.
ما بقي من الحضور كان مهتما بمتابعة المواضيع الاكاديمية. فجلس عشرات من أساتذة الجامعات اللبنانيين والعراقيين في القاعة، وكل منهم يعرف العراق وتاريخه وله في ارضه ذكريات.
الفريق العلمي العراقي، الذي شارك في الندوة البيروتية، كان قد وصل الى لبنان ليتسلّم من غابي ليون وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال 6 قطع اثرية عراقية المصدر، كانت المديرية العامة للآثار قد حصلت عليها بعد ضبطها سنة 2012 مع مواطن عراقي اعترف بتهريبها لبيعها. فجرى وضع اليد عليها، وإبقاؤها في مخازن المديرية حتى تسليمها الى السلطات العراقية، بعدما كانت قد كشفت عليها لجنة من وزارة الثقافة العراقية. وهذه ليست المرة الاولى التي يعيد فيها لبنان آثاراً الى العراق. وكان الوزير ليون قد ذكّر بعملية «التسليم التي جرت قبل سنة في قاعات المتحف الوطني، حيث سلم لبنان خلالها العراق 87 قطعة». ويقول ليون إن ذلك يؤكد اولاً على العلاقة الطيبة التي تربط لبنان بالعراق، ويدلّ على التزام لبنان بالاتفاقات الدولية، ومكافحة تخريب وتهريب وبيع الآثار.
بداية الندوة كانت مع الدكتورة اميرة عيدان، مديرة المتاحف العراقية، التي شرحت طرق عمل المتحف العراقي في بغداد منذ عشر سنوات، ومحاولات التصدي لعمليات السرقة التي اجتاحته سنة 2003، فهم تعبوا من استعادة هذا الماضي المؤلم، وباتوا يعملون للسير قدماً. تذكر عيدان بمأساة السرقة، فتؤكد «أن مأساة السرقة سحابة ومرت، واستعاد المتحف عافيته اليوم ونهض أفضل مما كان. فقد أُعيد تأهيل القاعات بالكامل، وأتى عرض القطع ليتماشى اليوم مع آخر التقنيات المتحفية في العالم، التي يرقى اليها متحف بغداد». وتقول عيدان «إن عملية التأهيل والترميم لم تستخدم أي عامل من خارج الملاك، بل قامت بجهود موظفي الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وذلك لأسباب امنية، وتفادياً لإدخال اي شخص من خارج الملاك الى قاعات العرض». وتتغاضى عيدان عن دور الجامعات الغربية والهبات من المؤسسات العالمية ومراكز الابحاث في عملية تأهيل المتحف، فتسلط الضوء على الجهود العراقية فقط. وتؤكد أنه في غضون الاشهر المقبلة، سيجري تأهيل مدخل المتحف، ومن بعدها ستفتح الابواب لاستقبال الزوار. وفي عملية توسيع العمل المتحفي، فقد أقامت الهيئة العامة للآثار متاحف إسلامية في العتبات المقدسة تضع امام الزائر تاريخ العراق الاسلامي. تشرح عيدان بأن الاحصائيات الاخيرة تؤكد أن المتحف خسر في 2003 15.000 قطعة اثرية من اصل 134.000 مسجلة في مخازنه، وتمكن حتى اليوم من استرداد 5000 قطعة، عدد منها سرق من المتحف، اما الباقي، فمصدره العراق، وسُرق من المواقع الاثرية.
يقول عباس قريشي إن مكتب الاسترداد تأسس في وزارة الثقافة العراقية سنة 1983، وكان في حينها يعمل على استرداد الآثار العراقية التي سرقت في بداية القرن، لكنّ عمليات السرقة التي اجتاحت العراق خلال الحصار، غيرت مجرى العمل وبدأت ملاحقة المزادات العلنية لمعرفة اماكن بيع الآثار العراقية. واتى الغزو الاميركي ليزيد من النهب في المواقع الاثرية التي يصعب جداً تأكيد مصدر القطع المسروقة منها، لذا، يطلب قريشي أن تعدل منظمة اليونسكو اتفاقية 1970 التي تمنع بيع القطع الاثرية من دون ان تضع آلية عمل لإيقاف نزف القطع المسروقة من المواقع، بالتالي هي لا تفي بالغرض للدول التي تتعرض آثارها للنهب. لذا، فكل قطعة مستردة تعدّ انتصاراً على السوق، لكنّ الواقع يقول إن الدول، مثل الولايات المتحدة، التي تعيد الى العراق مئات القطع، لا تزال تحتفظ في جامعاتها بآلاف القطع».