يفكّر الجنرال ميشال عون في مستقبل التيار الوطني الحرّ من بعده، وكيف ستكون القيادة. هل سيكون الإرث عائلياً؟ وهل يمكن أن تنضج قيادة مركزية مؤسسية في ظل الجنرال؟ أسئلة لبنانية كثيرة طُرحتْ وستطرح، لكنّ السؤالين الأساسيين هما: هل سيتمكن من تحقيق شيء ما في نهج التغيير الدولتي؟ وهل سيواصل التيار نهج التحالف الاستراتيجي مع خط المقاومة وسوريا؟
في الإجابة عن السؤال الأول، تتملّكني مرارة الخيبة، إلا إذا جيء بالوزير شربل نحاس وصحبه إلى قلب القرار، وتمت إعادة هيكلة التيار حزباً له هوية صريحة، قولاً وفعلاً، كحزب ديموقراطي اجتماعي يساري ـــ أقله بالمعنى المضاد للنيوليبرالية ـــ.
وفي الإجابة عن السؤال الثاني، لديّ ما هو أكثر من الخيبة؛ فحين انتقلت قضية المقاومة إلى الدفاع عن سوريا في مواجهة الغزو التكفيري الإرهابي، لم يستطع التيار أن يخرج من دوائره المحلية الضيقة ونزعته اللبنانية ويرتقي إلى مستوى التحدي التاريخي للحفاظ على أمن المشرق وتعدّديته الثقافية والدينية والمذهبية والاتنية. ومع أن ذلك الغزو الهمجي اقترب كثيراً من لبنان نفسه، ومن الوجود المسيحي في لبنان، فإن التيار لم يجرؤ على خوض المعركة المشرقية في سوريا، وبقي أسير أيديولوجيته الكيانية. لم يمنح التيار حتى الغطاء السياسي الكافي لحزب الله الذي قدّم ـــ ويقدم ـــ التضحيات الجسام دفاعاً عن المشرق، ودفاعاً عن هوية لبنان الحضارية، بل ودفاعاً عن مسيحيي لبنان. في لحظة ذروة الأزمة، وجدنا حزب الله أكثر إخلاصاً لقضية المسيحية المشرقية من التيار الذي اكتفى بالتأييد الخجول للدولة السورية.
أساس هذا الفشل الاستراتيجي يكمن في الخضوع الماضوي للكيانية المسيحية اللبنانية الغربية الهوى، والتي تقيّد نفسها بلبنانيتها وبمستبقات العداء للدولة القومية المعادية للغرب والليبرالية في سوريا، فتضطرب في مواجهة زحف الجراد الإرهابي الآتي من صحراء الجزيرة العربية ليحرق خضرة المشرق العظيم.
مأساة المسيحية الكيانية اللبنانية أنها تظن أنها هي التي تمثّل مسيحيي المشرق، وأنها أكثر وعياً واستقلالية وقوة منهم، مع أن جميع الوقائع أثبتت وتثبت العكس؛ تسلّم زعماء مسيحيي لبنان دولة كاملة حوّلوها إلى خراب دولة، وباسم الدفاع عن كيان المسيحيين اللبنانيين، حوّلوا هؤلاء إلى فقراء ومهمّشين ومهاجرين، ونقلوا، بالتعاون مع الانتداب ثم الغرب في ظل الرأسمالية الليبرالية الكمبرادورية، أكثر الفئات حيوية وإنتاجية وتقدمية في المشرق العربي، أقصد مسيحيي لبنان، إلى «فلول».
في المقابل، لم يرتهن مسيحيّو سوريا لوضع كياني أقلوي، بل اندمجوا في المجتمع التعددي والدولة القومية، وتحرّروا من وضع الأقلية إلى وضع المواطنة والشراكة القومية. وفي الأردن، حيث المسيحيون ينتمون إلى عشائر عربية غسانية، لم ينظروا إلى أنفسهم يوماً إلا كأردنيين عرب، وحققوا لأنفسهم، رغم أنهم أقلية عددية، مواقع قيادية في الثقافة والمجتمع لا تقل عمّا حققه نظراؤهم السوريون، لكن مع حدود في مناصب الدولة ليست موجودة في سوريا. وأخيراً، فإن مسيحيي فلسطين، أحدثوا، بالاندماج في الحركة الوطنية، حضوراً يتجاوز مؤامرة التهجير الصهيونية التي طالما استهدفتهم منذ 1948.
كل هؤلاء يمكنهم أن يقدموا النصائح الاجتماعية والسياسية والثقافية التاريخية للمسيحية الكيانية اللبنانية، لأجل القول بإيجاز إن الوجود المسيحي يتحقق ويزدهر، فقط، بالتخلي عن الكيانية المسيحية والاندماج القومي وتفعيل طاقاتهم المعروفة والمختزنة من أجل الدولة العلمانية.
في الحرب الأميركية الغربية الخليجية التركية ضد سوريا هناك استهداف لوجود المسيحية المشرقية ودورها في بلاد الشام كلها، ومعركة الدفاع عن ذينك الوجود والدور غير ممكنة إلا بتجاوز الحدود، وخوضها على المستوى المشرقي، مثلما يفعل حزب الله؛ هل يظن أحد ـــ إلا الواهم ـــ أن تنجو المسيحية الكيانية اللبنانية بينما تُدمّر المسيحية السورية؟
هنا، أنظر إلى خروج الجنرال عون من زعامة «التيار» وقيوده اللبنانية كفرصة من أجل اندراج العماد في مشروع مسيحي مشرقي علماني يتجاوز الحدود القطرية والكيانات، ويفكر ويعمل، ليس فقط من أجل الحفاظ على المسيحية المشرقية من الدمار والتهميش والهجرة، بل، أيضاً، من أجل استرداد دورها القومي التنموي الثقافي الذي أبدعته منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
نأمل بدور إضافي للجنرال عون في صنع التاريخ الجديد للمشرق العربي، ليكون قادراً على قيادة المسيحية المشرقية نحو تجديد الحضور والروح والمشروع القومي؛ فهل يستطيع؟ نعم، لكن، فقط، حين يتحول من لبناني إلى مشرقي.
5 تعليق
التعليقات
-
الله يثبت فينا العقلالله يثبت فينا العقل والدين الحمدلله عيش كثير تشوف كثير من الخزعبلات
-
تحالف الصهيونية و الوهابية التكفريةبعد مرور هذه الفترة الزمنية الطويلة منذ اندلاع الأزمة المفتعلة في سوريا ، أظنّ أن الكثيرين أصبحوا مقتنعين - بقطع النظر عن موقفهم من النظام -بأنّ ما يجري في سوريا ليس إلاّ مؤامرة خارجية نسجتها الصّهيونية العالميّة لإسقاط الدولة السورية في أتون الصّراعات المذهبيّة و الطّائفيّة و العرقيّة كمقدّمة لتفتيتها و شرذمتها إلى كانتونات طائفية صغيرة . وهو ما سيؤدّي إلى تحقيق حلم الدّولة الصهيونية بإعلان يهوديّتها و تهجير غلسطينيّي 48أوّلا ثمّ ضمان تفوّقها و ريادتها في المنطقة ثانيا .و القضاء على أعدائها اللّدودين الثّلاثة ( سوريا و حزب الله و إيران ) بضربة واحدة ، و دون أن تدخل في حرب مدمّرة معهم ثالثا. هذه الأهداف الثّلاثة لن تتحقق إلاّ بالقضاء على الدولة السورية العلمانية التي تسود فيها قيمة المواطنة لا المذهب و الدين و الطائفة .و لعل المضحك المبكي في الأمر - و إن كان ليس غريبا - تماهي هذه الأهداف الصهيونية مع الأهداف الوهابية السعودية إن قليلا أو كثيرا . فالسعودية تريد القضاء على حزب الله لأنه يقوض زعامة حلفائها في لبنان كما تظن ، و بالتالي يقوّض نفوذها . و تريد القضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة الذي حاصر نفوذها و قلّصه و ذلك لن يتحقق إلاّ بالقضاء على حليفي إيران سوريا و حزب الله . كما ترغب الدولة السعودية في نشر مذهبها في المنطقة و ذلك لن يتحقق في ضلّ بيئة تعددية متسامحةالجميع فيها مواطنون متساوون.لكن المحزن في الأمر هو تغافل أهل الحكم في السعودية عن أن نجاح مشروع التقسيم في سوريا ستمتد تداعياته إليهم . فوفق الأحلام الصهيونية يجب القضاء على جميع الدول العربية المركزية الكبرى حتى يضمنوا بقاء كيانهم على المدى البعيد .
-
الجنرالالاستقبال الذي حظي به الجنرال عون في معلولا كان تاريخياً بكل ما للكلمة من معنى و معلولا هذه هي التي قام المصلون في احدى كنائسها بطرد السفيرين الامريكي و الفرنسي عند حضورهما المفاجئ الى هذه الكنيسة لمعاداة دولتهما للدولة السورية . =لذلك استغربنا موقف التيار وأنا لست في موضع تعليم احد ما يفعل و لكن كان على التيار الوقوف العلني و بحزمٍ الى جانب سوريا = الموقف المؤيد بفتور ماكنا نرضاه للتيار .. والنقطة الاساسية بالنسبة لنا ليس المسيحيون في سوريا بل كل السوريين في سوريا =نعم شعرت بالخيبة من التيار كما شعرت بالخيبة من ايران في الرد على التهديد بضرب سوريا مؤخراً . =مستشهداً بسفر الرؤية (أريد أن أتقيأ هذا الفاتر ) .
-
السعوديه والتكفيريين ممثلين بفارسهم بندرمن المؤسف أن الجميع لا يريد أن يذكر أو يتذكر أن عشرات الملايين من مسيحيي الهلال الخصيب فقط قد هجروا طوعا أو كراهيه منذ بدايات القرن الماضي وفي موجات كان تصعد أحيانا وتهبط أحيانا أخرى. الهجمة الحاليه التي تقودها السعوديه والتكفيريين ممثلين بفارسهم بندر بلغت الآن أوجها ويخطئ من يظن أن في المهادنة سبيل للنجاه. علينا أن نقرأ التاريخ ونتعلم الدرس الذي يقتضي التعامل مع الهجمة المسعورة بحكمة والوقوف وقفة الرجال .