في أحد أحياء مدينة بعلبك، لا يجمع فناء أحد المنازل عائلتين لبنانيتين وأخرى سورية نازحة فحسب، بل يجمعهما الفقر أيضاً. العائلة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص، ثمة من يهتم بوهبها حصة غذائية في نهاية كل شهر، وأخرى لادوات ومواد النظافة. ولدى هذه العائلة وعد بتسليم أولادها الثلاثة قرطاسيتهم قبل بدء العام الدراسي.
هكذا يشرح ابو احمد حال العائلتين اللبنانيتين اللتين تستضيفان عائلة سورية نازحة «لا احد يسأل عنّا».
صاحب عربة بيع اللعب والإكسسوارات، ورب العائلة المؤلفة من أربعة أولاد، لا يضع كلامه في باب الحسد: «الله بيعطي الجميع، ولكن شو بدي قول لإبني؟ يمكن ما إقدر على تسجيله بالمدرسة وتوفير الكتب والقرطاسية الجديدة له؟ كيف سينظر الى رفيقه بالصف النازح السوري؟».
لا يحتاج ابو احمد الى كلام كثير ليُثبت ان اوضاع معظم الاسر اللبنانية في بعلبك والهرمل قد تكون اسوأ من اوضاع الاسر السورية النازحة. الجميع يعلم هذه الحقيقة. سؤال آخر هو بمثابة لسان حال العائلات الفقيرة في بعلبك. ولكنه يحتاج بإلحاح الى من يجيب عن سؤاله: «لماذا لسنا في دائرة الدعم والمساعدات من قبل المؤسسات المانحة؟ تتوفر فينا شروط الفقر والعوز والبطالة تماما كالعائلات السورية النازحة؟».
تحركت جمعية الدراسات والتدريب مطلع الربيع الماضي مع نحو 50 هيئة مدنية محلية ودينية في بعلبك ــ الهرمل، للتواصل «على الأرض» مع العائلات اللبنانية الفقيرة ومع المؤسسات المانحة. شمل هذا التحرّك عائلات تعيش تحت خط الفقر في الأزقة والأحياء في مدينة بعلبك وقرى وبلدات المنطقة، بحسب توضيحات مؤسس الجمعية رامي اللقيس، الذي حذّر من أن «التأخير في دعم العائلات اللبنانية الفقيرة في المنطقة، سيزيد من حالة النفور بين البيئة الحاضنة والعائلات السورية النازحة بالنظر للفارق الذي يتسع بينهما».
أزمة النزوح السورية الكبيرة، وهي «حالة إنسانية بحتة»، لا جدال فيها، ولكنها بدأت تخلق جوا تنافسيا مع العائلات اللبنانية الحاضنة، ولا سيما على صعيد فرص العمل والاجور في الزراعة والبناء، وفقا للنتائج التي استعرضها اللقيس، فالأزمة السورية «انعكست أضراراً اقتصادية وتوترات أمنية وجموداً في النشاطات ونقلا للمهرجانات الى مناطق اخرى... وهو ما يصيب العائلات الفقيرة باعباء هائلة في ظل غياب اي تعويض».
انطلاقا من هذا الواقع الخطير، اعيد تفعيل حملة «... واللبنانية كمان»، في محاولة للتذكير بأن ثمة عائلات لبنانية فقيرة أيضاً تستحق مد يد العون والمساعدة لها من قبل الجهات المانحة.
نحو 50 هيئة محلية ومدنية إلى جانب دار الفتوى في بعلبك ـ الهرمل وعدد من بلديات ومخاتير المنطقة عقدوا لقاءهم الأول لإطلاق الحملة والطلب من الهيئات المانحة «زيادة دعم الأسر اللبنانية الفقيرة»، خصوصاً أن الدعم السابق لم يكن عبارة عن «مساعدات ملموسة وحقيقية، وإنما أشبه بالفلكلور الرمزي وكان إدراجه من أجل الصورة فقط» بحسب اللقيس، الذي شدد على أن الدعم لا بد من أن يكون «ممنهجاً ووفق برامج لتقديم معالجة فعلية لمشكلة العائلات اللبنانية الفقيرة والمتضررة من الأزمة السورية، مع مناقشة جديّة للشروط المسبقة التي تضعها المؤسسات المانحة والتخفيف من قيودها». وتشدد الحملة على «دعم برامج تخفف من حدة التوتر بين اللبنانيين والسوريين، والتي من الممكن أن تكون برامج بيئية أو حتى رياضية يشارك فيها الطرفان في قرى المنطقة ومدنها.
حملة «... واللبنانية كمان» تعدّ دراسة شاملة وواقعية عن العائلات اللبنانية الفقيرة، بغية إبراز حاجاتهم أمام الجهات المانحة، فضلاً عن الشروع في توجيه رسائل إلى مؤسسات دولية مانحة، «بدأ بعضها بالتجاوب السريع لوضوح المشكلة»، بحسب اللقيس، الذي لفت إلى أن ثمة تواصلاً سينطلق بداية الأسبوع المقبل مع مؤسسات حكومية ومنها وزارة الشؤون الأجتماعية، بغية «توحيد حركتنا للحصول على نتائج فعلية وسريعة خصوصاً وان فصل الشتاء أحد الأسباب الضاغطة بمتطلباته واحتياجاته الكثيرة».
تجدر الإشارة إلى أن جمعية الدراسات والتدريب وضمن إطار مبادرتها لزيادة دخل الأسر الفقيرة في بعلبك ــ الهرمل المتضررة من الأزمة السورية أقدمت على توزيع «ثلاثين دجاجة بلدية بيّاضة، مع مئة كيلو من العلف»، على 50 عائلة في مدينة بعلبك، على أن يستكمل التوزيع على 200 عائلة في قرى من بعلبك ــ الهرمل، مع شرط أساسي ببيع وتسويق البيض وفق خطة تضعها الجمعية لضمان الحصول على نتائج أفضل.