المؤمنون أيضاً يخافون. خلت المساجد، يوم أمس، من كثير منهم. بعد انفجاري طرابلس أمام مسجدي التقوى والسلام، يوم الجمعة الفائت، أصبحت كل المساجد أماكن استهداف محتملة. لم تفرغ المساجد يوم أمس تماماً، كما لا يمكن إحصاء عدد الذين فضّلوا الصلاة في المنزل، لكن المؤكد أن الذعر لا يعرف مكاناً لا يدخل إليه. من طرابلس إلى بيروت فصيدا، كانت الإجراءات الأمنية عند مداخل المساجد أمس كما لم تكن من قبل.
بدا بعضها وكأنه ثكنة عسكرية. عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، حواجز اسمنتية، منشورات تنصح بالتوجه إلى المسجد الأقرب من منزل كل مصلّ، إرشادات تدعو إلى خروج المصلين من المسجد فرادى، لا جماعات، وكل ذلك لا هدف منه سوى «الحد من الخسائر في الأرواح». يدرك مسؤول أمني أن «لا أمن مطلقاً، ولا يمكن لأحد الزعم أنه قادر على منع كل الخروقات، وبالتالي تبقى فرضية حصول انفجارات قائمة... لكن ما نفعله هو للتخفيف قدر الإمكان من تلك الاحتمالات». المصلون ككل الناس، يخشون على حياتهم، فـ«لا يمكن أن تجد شخصاً، مؤمناً مصلياً أو غير ذلك يود أن يموت بتفجير سيارة مفخخة. ربما يود بعضهم الصعود إلى السماء ولكن حتماً ليس بهذه الطريقة». وحده الانتحاري التكفيري، من بين صنوف البشر، إذا صح التصنيف، لديه استعداد للصعود إلى السماء أشلاء، آخذاً معه أشلاء آخرين، من المصلين أنفسهم. هذه الاحتمالات، بحسب أحد مرتادي المساجد كل جمعة، تجعل المصلي لا يخاطر «لأن الصلاة في المنزل في هذه الحالة مقبولة ايضاً، ولكن طبعاً لن تصبح هذه قاعدة، بل في ظل الحالات الخاصة والتي يجب أيضاً ألّا تجعلنا نعيش في الخوف إلى الأبد».
في صيدا، بادرت بلدية المدينة إلى اتخاذ تدابير اجراءات احترازية داخل السوق التجاري قرب أحد المساجد. وضعت الإشارات الصفراء والعوائق الاسمنتية، كما شُكلت «لجان شعبية» من المواطنين لتنظيم حركة ركن السيارات أمام المساجد والأسواق. الحال نفسه حصل في طرابلس، حيث لا يزال أبناء المدينة يعيشون هاجس ما حصل الأسبوع الفائت، إلى حد أن كثيراً من الأهالي ما عادوا يخرجون من منازلهم إلا في حال الضرورة.
في بيروت كانت الاجراءات الأمنية أقل ظهوراً، لكنها لم تغب تماماً، إلا أن ما كان لافتاً هو تراجع نسبة أعداد المصلين في يوم جمعة. الأمر نفسه ينسحب على الضاحية الجنوبية لبيروت، التي ما زالت الحركة فيها على تراجعها منذ انفجار الرويس قبل أكثر من أسبوعين. هكذا، يبدو أن الخوف يوحّد، المؤمن وغير المؤمن. لقد نجح الموت الآتي من «المجهول» ببث الذعر في كل مكان، على مساحة لبنان، وبالتالي ربما يستحق مدبّره، في مشهد درامي، لقب صانع «وحدة الخوف الوطني».