كان يجب أن يكون عنوان منتدى الإعلام الاقتصادي أمس «إبعاد تأثيرات المصارف والقطاع المالي عن الإعلام الاقتصادي»، إلا أن المنظمين ارتأوا أن يكون عنوانه: «تأثير الإعلام الاقتصادي على القطاع المصرفي والمالي العربي». المنتدى بحد ذاته كان مفاجئاً، وكان يرتقب أن يكون جدياً ومهنياً وأن يسبر غور جدليات تعيشها الصحافة الاقتصادية يومياً. لكن جدول الجلسات وما عقد منها في اليوم الأول كان مخيباً لهذه الآمال.
كان لافتاً أن يكون ممثلو هيئات أصحاب الرساميل على رأس منتدى من هذا النوع، لا بوصفها معنية بوضع أطر للعلاقة التفاعلية مع الصحافة الاقتصادية، بل بوصفها راعياً لهذا النوع من العلاقات. رعاية هذه الشريحة لمنتدى بهذا العنوان ليست أمراً عابراً، وليست صدفة لا يحتمل تكرارها في منتديات ثانية، بل هي رعاية مقصودة وممنهجة. حجم الاهتمام والإنفاق على هذا المنتدى يكشف عن أهداف هذه الرعاية. في الشكل، كان المنتدى برعاية وزير الإعلام وليد الداعوق. كلمته في هذا المجال كشفت عن انعدام خبرته الإعلامية ورؤيته لمستقبل الإعلام في لبنان، وخصوصاً أنه ركّز حديثه على مديح بعض رموز الاقتصاد الذين ينفقون الكثير للحصول على المديح اليومي من الإعلاميين.
إذا كانت هذه الرعاية الرسمية الشكلية للمنتدى، فماذا عن الرعاية الحقيقية؟ خلفية منصّة المتحدثين التي وضعت في قاعة السفراء في فندق كورال بيتش ذي النجوم الخمسة، وفق التصنيفات السياحية اللبنانية «البالية»، كافية للتعبير عن الرعاية الحقيقية. 12 راعياً ألصق على هذه الخلفية هم: مصرف قطر الوطني، البنك العربي، المصرف التجاري الوطني في ليبيا، بنك عوده، بنك مصر لبنان، فرنسبنك، مصرف الخليج التجاري، مصرف التنمية، مصرف أشور الدولي، مجلس اتحاد المصارف العربية، مجلة «Executive»، و«The Banking Executive».
المنظمون هم: الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، جمعية مصارف لبنان، اتحاد المصارف العربية. أما الذين افتتحوا المؤتمر فمن بينهم ثلاثة من كبار المصرفيين في لبنان، هم: فرنسوا باسيل، جوزف طربيه وعدنان القصار.
مع اكتمال مشهد الرعاية، تصبح هوية المنتدى وأهدافه واضحة. كان يفترض أن تناقش الجلسة الأولى من المنتدى أهم قضية تعاني منها الصحافة الاقتصادية، وهي كيف يمكن إبعادها عن تأثيرات أصحاب الرساميل الذين يدرسون مصالحهم بدقّة ويقومون بما يلزم للحفاظ عليها ولتحسين سمعتهم، وخصوصاً أن الكثيرين بينهم لديهم مشروع سياسي أو أمل بالانضمام إلى النادي السياسي، فيقدمون خدمات نقدية لتحقيق غاياتهم.
وكان يفترض أن تكون الجلسة الثانية مخصصة لرسم الحدود بين علاقة الصحافي الاقتصادي بمختلف الهيئات الفاعلة اقتصادياً مثل أصحاب العمل والعمال وجمعيات رجال الأعمال والنقابات العمالية ... كيف يمكن أن تقارب الصحافة الاقتصادية برامج الدولة وموازناتها ... ثمة الكثير من المواضيع التي غابت عن هذا المنتدى وحضرت عناوين براقة هدفها التعمية على القضايا الحقيقية التي يعاني منها الإعلام الاقتصادي في العالم العربي. وفق بعض الروايات التي لا ينكر وجودها العديد من المصرفيين، فإن الكثير من الإعلاميين العاملين في الصفحات الاقتصادية في لبنان يتقاضون رواتب دورية من بعض المصارف، وأسماؤهم تأتي على جداول المكافآت الشهرية بصفتهم مستخدمين، رغم أنهم يعملون بصفة دائمة لدى صحف أو مجلات معروفة. أيضاً، يؤكد بعض المسؤولين المصرفيين السابقين والحاليين أن كثيراً من الصحافيين الاقتصاديين استفادوا من خدمات أصحاب السلطة والنفوذ في لبنان مثل مصرف لبنان ومكاتب الوزراء وغيرهم.
ومن المواضيع الجدلية التي غابت عن هذا المؤتمر، تلك المتصلة بالتعريف المناسب والمهني لموضوع الصحافة الاقتصادية التي يجب أن تؤدي دوراً في خدمة المجتمع من خلال رصد القضايا الاقتصادية. فأين تقع حدود هذه المهنية، وأين يقف رأي الصحافة الاقتصادية في هذه القضية أو تلك؟
ثمة الكثير من القضايا الجدية التي كان يجب معالجتها، لكنها غابت لمصلحة عناوين مختلفة. الجلسة الأولى بعنوان «التحولات السياسية وقدرة الإعلام الاقتصادي على المواكبة»، الجلسة الثانية بعنوان «الإعلام الاقتصادي ودوره في دفع عجلة الاقتصاد»، والجلسة الثالثة بعنوان «واقع الإعلام الاقتصادي في العالم العربي»، والجلسة الرابعة بعنوان «التسويق المصرفي ومتطلبات السوق في ظل القدرة التنافسية». أما المحاضرون في هذه الجلسات، فمن بينهم مديرو أقسام تسويقية في مصارف راعية للمنتدى، ومديرو شركات عقارية أيضاً (!) ومديرو مصارف خليجية (!) وخبراء في التسويق المصرفي، ومديرو علاقات عامة في المصارف، وزملاء يعملون في إنتاج مجلات تسويقية للمصارف.