«مصنع الجعة المجهري الوحيد في الشرق الأوسط». هكذا تُعرَّف «961» في أوساط الخبراء. يعني هذا التعريف أنّ القيمين على المصنع يعتمدون الحرفية العالية لإعداد مشروبهم مقارنة بالإنتاج الصناعي الضخم الذي يرتبط بالطلب الاستهلاكي العام. أخيراً دخلت هذه البيرة بقوة إلى السوق الأميركية. في تلك المناسبة نقلت النشرة الإلكترونية المختصة، «The Craft Chronicle»، عن مؤسسها مازن الحجار، «إذا نجح المرء في نيويورك يُمكن النجاح في أي مكان آخر».

لا يعني الكلام أن الشركة لم تحقق نجاحاً حتّى الآن غير أنّها تبقى غير مربحة «لأن كل المدخول يُستثمر مباشرة في المعدات والتجهيز وتأمين المواد الأولية لتنويع إنتاجنا».
في الواقع يتحدّث العارفون في قطاع الضيافة اللبناني ــ وتحديداً في الحانات ــ عن أن منافسي 961 الثابتين مالياً يعمدون إلى إغراء أصحاب الحانات باستبدال ماكينات البيرة الطازجة (Draft Machines) التابعة للبيرة الفتية، ببيرتهم الخاصة؛ إنها المنافسة المفتوحة!
غير أنّ تلك المنافسة تبقى إلى حد ما ضيقة وخصوصاً في السوق اللبنانية التي لا تزال تكتنز إمكانات كثيرة مع العلم أنّ نصف المجتمع هنا يرى بشكل أو بآخر أن استهلاك المشروبات الكحولية مخالف للتعاليم الدينية.
اليوم يبلغ حجم السوق اللبنانية 29 مليون ليتر سنوياً، وفقاً للبيانات التي يعتمدها فريق الأبحاث في بنك لبنان والمهجر في تقرير نشره أخيراً عن سوق البيرة وإنتاجها في لبنان؛ وهذا الرقم يعكس نمواً لا بأس به خلال السنوات الأخيرة. وباعتماد النمط المسجّل سيصل الاستهلاك إلى 30 مليون ليتر برمشة عين.
حصّة «ألماسة» من تلك السوق تبلغ 74%، وهي مسألة غير مستغربة نظراً لوجود هذا المصنّع منذ 80 عاماً. متّن خلال وجوده بالتحالف مع عمالقة أوروبيين في إطار شراكة ترسخت باستحواذ شركة «هاينيكن» (Heineken) عليه في عام 2002 والسيطرة أيضاً على بيرة «Laziza» وتخصيصها بالنوع الخالي من الكحول.
وبناءً على بيانات التقرير فإنّ حصّة البيرة المستوردة ــ (Budweiser, Corona, Heineken...) تبلغ 21%.
أمّا حصّة 961 فهي 5%. تُنتج هذه الشركة حالياً مليوني ليتر من البيرة سنوياً ويعمل لديها 15 موظف فقط. ووفقاً لما ينقله التقرير عن مازن الحجار، فإنّ كلفة الإنتاج لديها ــ ولدى الخمارات الصغيرة المستقلّة إجمالاً ــ قد يصل إلى عشرة أضعاف المسجّل لدى المنتجين الكبار الذين يتمتعون بأفضلية اقتصاد الحجم. يوضح أن معظم المواد الأولية الممتازة يجب أن تُستورد من الخارج وتحديداً من بلدان مثل ألمانيا، تشيكيا والولايات المتّحدة؛ وهي الحال نفسها مع «ألماسة» مثلاً التي تحضر مكونات مشروباتها من هولندا ولكن تأثير تلك الكلفة على دفاترها هو أقل بكثير مما هو الأمر عليه لدى 961.
رغم الانطباع الأول، فإنّ هذه البيرة ــ وقد تأسست عام 2006 بناءً على رؤية طورها مؤسّسها وعاد من الخليج لتطبيقها ــ ليست البيرة عالية الجودة الوحيدة في السوق. أخيراً أطلق إميل شترانك (Emile Strunc) ــ وهو لبناني متحدر من أصول ألمانية ــ بيرته الخاصة، «Schtrunz».
عمد هذا الاستشاري المخضرم في مجال المال والأعمال إلى تحضير البيرة منذ عام 1995، وأخيراً قرّر توسيع قطر التخمير إلى 100 ليتر في كلّ طبخة. يطمح إلى نقل منتجه إلى السوق الاستهلاكية مقارنة بسوقها المحدودة حالياً، غير أنّه يُشدّد، وفقاً لما ينقله التقرير، على أنّه لا يريد رفع إنتاجه فوق 500 ليتر في كل طبخة ــ أي 75 ألف ليتر سنوياً ــ لكي يضمن بقاءه قريباً من عملية الإنتاج للإشراف على كافة تفاصيلها والحفاظ على نكهة منتجه كما يريده. (ولكن لا أحد يعرف ما يحدث عندما تتحوّل الأضواء إلى هذا المنتج ويُصبح آلة استهلاكية لتوليد الأرباح!)
على أي حال، بوجود 961 والسيد شترانك، وإن على مستوى متواضع، في هذه الصناعة يُمكن الحديث عن تنوّع في الإنتاج المحلي، والاهم عن نوعيّة معينة كان يفتقدها المستهلك الذي يحب البيرة خارج حالة العطش فقط! أما المنافسة فهي بعيدة إلى حد ما؛ فالزجاجة الواحدة من بيرة رجل الأعمال ألماني الأصل سعرها 5 آلاف ليرة مقارنة بـ1500 ليرة سعر التجزئة الذي تسوّق «ألماسة» بيرتها الأساسية ذات الزجاجة الخضراء على أساسه.
أما 961 وهي الأقرب إلى المنافسة، فيبدو أنّها تصبو اليوم إلى كسب حصص في الاسواق الخارجية، وهي مهمة تقوم بها بدليل انتقالها إلى نيويورك حيث النقاد اللاذعون والذواقة. أما الازدهار في السوق المحلية فيعتمد على تنوع ذوق المستهلك اللبناني وجرأته على تجربة الجديد.