من حديقة مارون الرّاس العامة، الى متنزهات الليطاني، من الوزّاني، المتاخم للحدود، الى القاسمية في صور، مروراً بالطيبة وقعقعية الجسر وغيرها من متنزهات النهر المنتشرة في الجنوب، الحياة لم تتغيّر، الناس بالمئات، جميعهم يودعون الصيف، ويهربون من أخبار الموت أيضاً.
«نحن اعتدنا على ذلك»، هكذا يقولون. بشيء من التسليم و«الثقة بالنفس» يعيش أبناء القرى الحدودية اليوم. هم في دائرة النار اصلا، من كلّ حدب وصوب، ولكن الحياة تغلي في قراهم. كل شيء يبدو طبيعياً، أو أكثر من ذلك أيضاً، الكزدورة، والتسوّق، وقصد المتنزهات «في أحسن حالاته»، وكأن الأوضاع الأمنية بعيدة منهم.
عاد بعضهم للتوّ من الاغتراب، استأجروا السيارات الفخمة وبدأوا يجولون بها بين القرى، الأخبار المقلقة تصلهم، فالكلّ يحمل الهواتف الذكية، لكن الحياة عندهم لن تتوقف.
على وقع أصوات القذائف والانفجارات التي تسمع، بين يوم وآخر، من داخل الحدود، بسبب المناورات الاسرائيلية المستمرّة، تزدحم القرى بالأهالي صيفاً، كالعادة، عجقة خانقة في سوق الخميس في بنت جبيل، رغم أن معظم المتسوقين شاركوا في تشييع الشهيد المؤهل أول صالح عباس وطفلتيه قبل أيام في بلدة حانين المجاورة، وعجقة سير خانقة على طريق عام بلدة شقرا بسبب «الكزدورة»، رغم أن 4 شهداء شيّعتهم البلدة خلال الأشهر الماضية، كان آخرهم شهيد مجزرة «الرويس» العريس حسين غملوش. أما في بلدة رميش فلا تخلوا متنزهاتها من الحفلات الصيفية المستمرّة، فالحياة مستمرّة على الرغم من استشهاد الملازم أول سامر طانيوس. أخبار كمين «اللبّونة» أضاء شعلة من الحياة والقوّة، «هو يؤكد قدرتنا على الصمود والمواجهة، وعدم قدرة العدوّ على الهجوم»، أكثر ما يعني الأهالي هناك هو الأوضاع الاقتصادية، لكن «الله بدبّر. واجهنا أوضاعاً أكثر قساوة، لن نموت من الجوع».
الحواجز الأمنية المستجدة في بعض المناطق، خوفاً من عبور السيارات المفخّخة، قد تغيّر مسار التنقل فقط، «هناك أماكن أخرى يمكن أن نقصدها، أو على الأقل نعبر الحواجز ونكمل الطريق»، لا يعنيهم كثيراً خبر اجتياز العدوّ، قبل أيام، الخطّ التقني، مقابل بلدة عيترون، «اذا تقدّموا أمتاراً اضافية واجتازوا الخطّ الأزرق، فسيقعون في كمين آخر»، يتحدث الأهالي هناك عن ضرورات اضافية، تتعلّق بالاستعداد لأي حرب مقبلة، أو مواجهة غير متوقعة، «علينا فقط أن نحمل السلاح، ونعرف استخدامه جيداً».
«معظم شركات تأجير السيارات نفد ما عندها من السيارات المعروضة للايجار»، يقول محمد وزنة (تبنين)، مؤكداً أن «حركة الحياة في المنطقة في أفضل حالاتها، رغم الأحزان والأوضاع الأمنية، فأبناء المنطقة اعتادوا على كلّ شيء، وهذا سرّ من أسرار قوتهم ومنعتهم».
على طريق عام وادي الحجير ــ قعقعية الجسر، المتنزهون بالمئات، جميع المتنزهات تعجّ بالزبائن. هناك، قبل سبع سنوات تحطّمت أسطورة «الميركافا»، هناك حلم العدوّ يوماً أن تطأ قدمه مياه النهر، لكن «الحياة بالمرصاد»، أطفال شهداء الحجير قد يكونون من أوائل المتنزهين، أما صاحب أحد المتنزهات الجديدة، محمد أحمد عباس، الذي فقد شهيدين من أبنائه في حرب تموز، فيشرف مع أولاده الأربعة على استقبال الزوار، بعد أن بنى مسجداً ملاصقاً لمتنزهه عن روحي ولديه. يشارك حسان كغيره من أبناء بلدته، في اليوم نفسه، في تشييع شهيد من بلدته سقط في مجزرة «الرويس»، وفي عرس أقيم في البلدة بعد ساعات من التشييع، كما لا مشكلة عند زميل له، في أن يخرج ما ادخّره من أموال من أحد البنوك، لبناء مسكن جديد، داخل حيّ سكني، لتأجيره الى بعض العمال السوريين، رغم علم أبناء الحيّ أن من بين هؤلاء من يحارب النظام في سوريا؟.
لا يعني ذلك أن الأوضاع المستجدة، لم تؤثّر سلباً في نفوس الأهالي هناك، بعضهم يعدّ الشهداء الذين سقطوا من بلداتهم خلال أشهر في سوريا وفي الضاحية الجنوبية، وغيره يتحدث عن «أخبار السيارات المفخخة ومعارك سوريا، والخروقات الإسرائيلية والفتن الطائفية التي تستهدف جميعها المقاومة وأهلها في الجنوب»، لكن هؤلاء يتذكرون الماضي القريب، الذي لم يكن يوماً أفضل حالا، يؤكد على ذلك احدهم قائلاً: «هل تذكرون مجزرة حولا وأيام الاحتلال ومرارة الذلّ والسجون؟، هل تذكرون أيام حصار المقاومة في إقليم التفاح؟، هل تذكرون مجازر حرب عناقيد الغضب ومجزرة قانا؟..»، ويتذكّر فادي، ابن بلدة شقرا ( بنت جبيل)، «قبل التحرير بسنوات كان أحد أحياء البلدة يتعرّض للقصف الاسرائيلي بعد عملية شنتها المقاومة على أحد المواقع القريبة، في الوقت الذي كان فيه بعض أبناء البلدة في الأحياء الأخرى يسيرون على الطرقات ويمارسون هواية «الكزدورة» وكأن شيئاً لا يحدث!».