يكاد يخلو شارع الجميزة ليل السبت من السيارات. وحدهم ثلاثة شبان وفتاتان يفتعلون زحمة بقهقهات الخمرة أمام أحد الملاهي. سريعاً تترصد عيون حراس الملهى المحتفلين، تتراقص على وقع خطواتهم المتمايلة بحثاً عن أي حركة مشبوهة للانقضاض عليهم. لا يمكن هؤلاء أن يشيحوا بأنظارهم عن تفاصيل الشارع الصغيرة، فكل مارّ مشتبه فيه وكل سيارة جانبية لا تبرر سبب ركنها بمثابة قنبلة موقوتة. تقودك السيارة من الجميزة باتجاه الحمرا، فتصلها سريعاً في خمس دقائق. الشارع هنا أيضاً شبه خال، فيما جرت العادة أن تستمر زحمة سير الساهرين حتى منتصف الليل. ما كان ينقص الجميزة والحمرا سوى توقعات ليلى عبد اللطيف بانفجارات فيها حتى يزيد الهلع هلعاً. طرقات بيروت الخالية لا يقابلها صخب في جونية وجبيل اللتين يعدّ قاصديهما على أصابع اليد. حال تلك المناطق واحدة، والذعر يتنقل بخفة من قضاء الى آخر.
صباح أمس، استفاق قضاء كسروان على خبر التلفزيونات العاجل: «الاشتباه بسيارة قرب ثكنة صربا». لم يفد إلحاق تلك التلفزيونات خبرها بعد نحو ثلاثين دقيقة بآخر ينفي وجود أي متفجرات في السيارة المشتبه فيها. كان الرعب قد تسلل الى قلوب الكسروانيين، فباشروا الاتصال بالمسؤولين للاطمئنان الى سلامة مناطقهم. ما هي الا بضع دقائق حتى بدأ أهالي جبيل يتناقلون هم أيضاً خبراً كاذباً عن ملاحقة قوى الأمن لسيارة في القضاء. لا أحد يدري كيف انتشرت تلك الشائعة ولا من أطلقها. ولكن هاجس المتفجرات ساهم في تصديق الغالبية للخبر وترك بعضهم لمنازلهم على وجه السرعة. التعليمات هنا واضحة: «كل مواطن خفير»، مع ما تحمله المقولة من إيجابيات وسلبيات. المسؤولية تلك رتّبت على سكان أحد المباني في جل الديب (قضاء المتن الشمالي) الابلاغ عن سيارة غريبة مركونة في مرأبهم الخاص. لم ينتظر هؤلاء وصول القوى الأمنية التي تأخرت ما يزيد على أربعين دقيقة، فأخلوا المبنى بأكمله وساد هرج ومرج في البلدة بأكملها. وعلى طريقة القوى الأمنية، بادر أحدهم، بعد إخلاء المبنى والتأكد من ابتعاد الجميع، الى التوجه نحو السيارة ذات اللوحة غير اللبنانية حيث وضع صاحبها رقمه الخاص، فقام بالاتصال به طالباً منه القدوم فوراً. وهكذا كان... بعدها وصلت القوى الأمنية. أما في منطقة السبتية، فقد أثار جسم غريب قلق الأهالي الذين ازدحموا وسط الشارع. عمدوا الى الاتصال بوزارة الداخلية التي أرسلت دورية من قوى الأمن، ليتبين أن الجسم الغريب هو جسم، ولكن لأحد العمّال الهنود، ومثل هذه الأجسام لا تُقلق اللبنانيين عادة.
وعلى ذكر وزارة الداخلية، فهي ليست في منأى عن هواجس العبوات، بل شأنها شأن باقي اللبنانيين، إذ كان كافياً لأحدهم أن يركن سيارته من نوع كيا أمام الوزارة لتتوجس قوى الأمن الداخلي وتفجّر فوراً باب السائق لفتح السيارة والتأكد من عدم احتوائها على مواد متفجرة.
دفع الوضع الأمني بعض بلديات المتن الشمالي، الأسبوع الماضي، الى المبادرة بنحو فردي إلى زيادة عدد سيارات البلدية وتسيير دوريات ليلاً ونهاراً، خصوصاً بعد تلقيها معلومات من الأجهزة الأمنية تفيد عن سرقة أكثر من خمسين سيارة من القضاء خلال أسبوع واحد، فيما أوصى أصحاب الشركات والأوتيلات في كسروان وجبيل حراسهم الإبلاغ عن أي حركة مشبوهة. وأيضاً جرى انتشار كثيف للقوى الأمنية في صيدا بعد أن أعرب بعض المواطنين عن رصدهم لحركة مشبوهة في مدينتهم. وفي الأشرفية، باشر مكتب كل من وزير الاتصالات نقولا الصحناوي والمرشح زياد عبس توزيع برنامج إلكتروني على بعض الشبان المتطوعين من مختلف الأحزاب، يكشف أسماء أصحاب السيارات عبر رقم اللوحة. يجري هؤلاء مسحاً شاملاً على السيارات المركونة بطريقة مريبة ليلاً للتأكد من مالكيها، وإذا ما كانوا من سكان المنطقة أو خارجها. أما في قضاء بعبدا، فقد سبّب نشر خبر على موقع القوات اللبنانية نهار السبت الماضي توجس أهالي عين الرمانة ومحيطها. يتحدث الخبر الذي لا يزال منشوراً على الموقع تحت عنوان «خاص بالصور: إيرانيان يركنان سيارة في عين الرمانة ويعمدان الى الفرار»، عن شابين «ركنا سيارتهما المستأجرة من نوع نيسان تيدا أمام مكتب المختار روبير حنا في شارع جان غصن (قرب ثكنة كسرجيان) في عين الرمانة». يضيف: «ترجل الشابان من السيارة وعمدا الى الهرولة، ما لفت نظر المختار الذي سارع الى ملاحقتهما، وتمكن من توقيف أحدهما تبين أنه إيراني الجنسية، فاتصل المختار وأبناء المحلة بالجيش وقوى الأمن الذين حضروا الى المكان وفتشوا السيارة قبل نقلها والإيراني الى أحد مراكز التحقيق». لاحقاً، بحسب المصادر العسكرية، تبين أن السيارة كانت تجول في الشارع عندما قام بعض عناصر شرطة البلدية بتعقبها، فأصيب السائق بالهلع واصطدم بسيارة أخرى. وعندما رأى الشابان عناصر شرطة البلدية يهرولون نحوهما، ذعر أحدهما وهرب، إلا أن شباب المنطقة المستنفرين تمكنوا من اعتقاله بعد اعتقال صديقه. بعد التحقيق معهما تبين أن الشابين إيرانيان وسيارتهما المستأجرة خالية من المتفجرات ولا يوجد في حوزتهما إلا خريطة للمناطق اللبنانية كأي سائح في دولة غريبة، ولا يتعدّى سبب هروبهما المضايقات التي تعرضا لها من قبل بعض الشبان وخوفهما من التعدّي عليهما بالضرب. ورغم براءتهما، لا يزال موقع القوات مصراً على إبقاء الخبر على «خاص» صفحته، ربما للفت نظر شباب معراب الى «الخطر الإيراني» المتسلل نحو عرينهم! فضلاً عن نشر الذعر في نفوس القاطنين في المنطقة وجوارها. كل تلك الأحداث المتلاحقة، دفعت وزير الداخلية الى تكليف بعض المسؤولين في الوزارة بإعداد دراسة لتفعيل دور الشرطة البلدية وسبل التعاون مع كل الأجهزة الأمنية والتنسيق معهم منعاً لأي التباس. يعقب ذلك، وفقاً لمصادر الداخلية، اجتماع بلدي موسع يوم غد للتعميم على رؤساء البلديات ضرورة أخذ أعلى درجات الحيطة وتشديد الإجراءات الأمنية.
بات الموت هاجس اللبناني اليومي نتيجة لكل تلك الشائعات والأخبار الكاذبة من جهة والتفجيرات الإرهابية في الضاحية الجنوبية وطرابلس من جهة أخرى. على مواقع التواصل الاجتماعي، كلّ يعبر عن خوفه على طريقته، بعد ما باتت كل المناطق عرضة لأعمال التفجير. بعضهم يرى في كل سائق مجاور لسيارته انتحارياً، وينتظر كل سيارة مركونة على جانب الطريق أن تنفجر، ويبتعد عن كل الأماكن الشعبية. والبعض الآخر يعيش يومه كأنه الأخير، متمنياً أن يقضي الانفجار ــ إذا ما أصابه ــ عليه بسرعة من دون أي معاناة، فيما يوصي آخرون بأن يُمنع أي سياسي من زيارة مكان الحادثة، متسائلين كيف يمكن «مفتعل التفجير، ولو بطريقة غير مباشرة، أن يتباكى لاحقاً على ما ارتكبه بنفسه؟ هل سيقتلوننا ويمشون في جنازاتنا؟».