لم ينتبه العديد من مروّجي أفلام الكيماوي على وسائل الاتصال الاجتماعي الى أنهم بلعوا الطعم، وجرى استخدامهم للترويج لقصة مفبركة حول مجزرة غامضة ارتكبها الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية، ولم يدقق أحد، باستثناء موقع سورية الحقيقة المعارض، إلى أنه تم بثّ تلك الأفلام على اليوتيوب، قبل 19 ساعة من حدوث المجزرة المروّعة، بحيث كانت جاهزة بين أيدي جمهور الفسابكة (من فيس بوك) لحظة وقوعها بالذات.
هناك، بالطبع، شبكة مؤجّرة للبدء في الترويج، لكن مهمتها تنتهي حالما يبدأ الجمهور الأعمى، بصراً وبصيرة، بالتداول المشفوع بالحس المأساوي في لحظة جنون أخرى من لحظات الجنون التي عشناها منذ انطلاق «الربيع العربي». الجنون سوف يشمل المحايدين، وحتى قسماً من أنصار النظام السوري، سوف يرتبكون، ويفتقدون الحس النقدي أمام جلال المشهد المفبرَك، وحتى التقارير الصحافية المكتوبة من موقع معاد للإرهابيين، تتلكأ بالحياد، وتشكو الموت من أي مصدر جاء! تاركةً المزيد من ظلال الشك التي تمنح القصة الإرهابية، شيئاً من الهيبة.
لكن «مجهولاً» من قرّاء «الأخبار»، ضجر من كل ذلك، فذهب نحو السخرية: «ينفرد السلاح الكيماوي السوري بالميزات التالية :1 - يقتل الأطفال والنساء فقط ولا يصيب الإرهابيين والمسعفين والمصورين بأي ضرر،2 - يحتوي على فيتامينات خاصة بالجيش السوري بحيث يستطيع هذا الجيش اقتحام المنطقة المستهدفة كيماوياً مباشرة بعد قصفها بدون أن يلحق أي ضرر بجنوده، 3- يستخدم فقط، وحصرياً، لدى وصول مفتشي الامم المتحدة حول السلاح الكيماوي، 4 - يستخدم بشكل تلقائي من قبل النظام ليغطي على خبر تشييع مئات المدنيين مقطوعي الرأس والأطراف نتيجة دخول الحرية الى ريف اللاذقية».
بالفعل، أشلاء مئات النساء والأطفال والشيوخ والرجال من قرى ريف اللاذقية، دُفنَتْ، حفاظا على الوحدة الوطنية، بصمت، يوازي الصمت الذي رافق مذابح المرتزقة الوهابيين التكفيريين، منذ مطلع شهر آب الدامي، «للنصيرية الكفرة» غيرةً على الدين. لكن الصمت لا يخدم الوحدة الوطنية، وإنما يخدم سفّاحي «المعارضة» الذين زوّدتهم تركيا بغاز السارين، لارتكاب جرائم موقوتة، سياسياً وإعلامياً، ونسبتها إلى الجيش العربي السوري، إمعاناً في تشويه صورته، وتبرير مواصلة الحرب ضده، وإحراج حلفائه الإقليميين والدوليين.
قلْ في النظام السوري ما شئتَ، لكنه يتمتع بذلك الحس بالمسؤولية الذي يمنعه من السماح بتصوير جثث الأسر الفلاحية المسالمة في قرى ريف اللاذقية، تلك التي مزّقتها ميليشيات بندر بن سلطان، التكفيرية، إرباً؛ إنما بات على أصحاب الضمائر الحيّة أن يعلنوا الحقائق حول المذابح المذهبية والطائفية، التي تهدف القيادة السعودية، من ورائها، إلى كسب الحرب، بالسكاكين وغاز السارين والإعلام والتحشيد الظلاميّ والنفاق الغربي الأميركي الجاهز للضلوع في مؤامرات من كل صنف.
يشنّ الجيش العربي السوري، مدعوماً بمقاتلي المقاومة «حيث يجب»، حملة عسكرية مصممة لاقتلاع الإرهابيين من أوكارهم السوداء في البلاد. ويلاحظ المراقب المحايد أن هذه الحملة الناجحة، تبدو أكثر نجاحاً في تحييد المدنيين، وتخفيض الخسائر في صفوفهم. في المقابل، تتصاعد نزعات الإجرام نحو الأغلبية المسالمة، لدى الميليشيات التكفيرية. ومن المؤسف أن هذه اللوحة الواقعية تظل مطموسة، كلياً أو جزئياً، لدى قسم أساسي من الرأي العام العربي. والسبب واضح؛ فنحن، في خندق المقاومة، نخوض المواجهة الفكرية والسياسية والإعلامية، إما بأفكار وكليشيهات متحجّرة وإما بعقل حيي وسياسات غامضة ولسان يتأتئ، مع أن اللعبة باتت مكشوفة حتى بلا ورقة تين! ألم يبلغ أمير الظلام، بندر، الرئيس الروسيّ، فلاديمير بوتين، أن الجماعات الإرهابية الشيشانية، «عنده»؟ أغلب الجماعات الإرهابية من كل صنف ولون، هي أدوات لدى الاستخبارات السعودية التي تستخدم الإرهاب، بصورة منظّمة، لتحقيق أغراضها السياسية. وهو ما يستلزم منها، حكماً، تفعيل السياق العقدي النفسي للوهابية، سواء لإنتاج الإرهابيين أو لتحفيزهم أو لتبرير أعمالهم.
لا يمكن لمحور المقاومة، مهما كانت المكاسب، أن ينجرّ إلى ممارسة الصراع على أرضية أعدائه، أي الأرضية الطائفية والمذهبية والإرهابية؛ إنما أتحدّث عن وضوح في الرؤية يطوي الدفاتر القديمة وما تهرّأ من أفكارها وتحالفاتها، واستعداد غير ملتبس لردّ العدوان، أيا كان مصدره، وكشف للحقيقة غير منقوص مهما كانت ومهما كان ثمنها؛ فمَن يظنّها حربا تنتهي، بانتصار سهل قريب أو بتسوية، واهم. حرب الإمبرياليين والرجعيين هذه، حرب كبرى مفتوحة على كل المستويات، غير أننا نخوض المعارك، من دون أن نفكر، بعد، بالشروط اللازمة لخوض الحرب وكسبها، بل أن أهم كتائبنا، كتيبة الإعلام، لم يجر، بعد، تنظيمها.