آن الأوان لكي نضع مناورات الكتابة السياسية جانباً، ونسمي الأشياء بمسمياتها؛ فقد أمسى المشهد، في بلادنا، واضحاً ودامياً وفاقداً للحياء: السعودية تشنّ حرب إبادة، بالمعنى الاصطلاحي الفعلي، ضد الشيعة والعلويين في العراق وسوريا، وتلوّح بتوسيع هذه الحرب البشعة، لتشمل لبنان، أيضاً. وفي الأثناء، تكبس الشيعة في الجزيرة العربية والبحرين، بكل صنوف القمع والإلغاء. وتحدث هذه الجريمة المؤدلجة المصممة المموّلة بالمليارات، علناً، وسط صمت شامل ينمّ عن انحطاط أخلاقي غير مسبوق، وتواطؤ مفضوح من قبل الغرب والعرب والترك والكرد، دولاً ومجتمعات ومنظمات وحركات وأحزاباً ومثقفين.
الشيعة أنفسهم يصمتون. وفي هذا الصمت حياء من الإعلان عن الذات، وكأنّ في هذا الإعلان فضيحة، أو كأن في قلب الانتماء الشيعي أو العلوي، شعور مضمَرٌ بالذنب، لا يفكّه سوى خطاب يقرن بين التشيّع بالكفاح من أجل فلسطين على نحو ما فعل حسن نصرالله... يعني، بالخلاصة، كأنّ المبرّر الوحيد الذي يمسح الخطيئة الأصلية للتشيّع هو فلسطين!
طيّب... سأمشي مع هذا المنطق حتى نهايته: أيحلّ ذبح الشيعي إذا لم يكن قد كرّس حياته من أجل تحرير القدس؟ أليس له، في حد ذاته الإنسانية والاجتماعية والقومية، الحق في الحياة والاعتقاد والعروبة والشراكة الوطنية؟
المصدر الرئيس لمعاداة الشيعة، بالطبع، هو السياسة الإيرانية المعادية لإسرائيل، وهيمنة خط المقاومة لدى شيعة لبنان، لكن ماذا بشأن الشيعة العراقيين؟ وقد مشى كثير منهم في منهج التحالف مع الولايات المتحدة، وغطّى العديد من ساستهم غزوها للعراق؛ فكانوا، في السياسة الإقليمية والدولية، في خندق السعودية والأنظمة الخليجية التي طالما هدّدها صدّام حسين؟ الفلاّحون المسالمون في بلدتي نبّل والزهراء الشيعيتين السوريتين، لم يكونوا، يوماً، شركاء في أي معادلة سياسية، ولا مؤثرين في أي اتجاه؛ فأين يمكن، إذاً، أن نبحث عن دوافع فرق الموت التكفيرية للإصرار على محاصرتهم واستباحتهم وذبحهم؟ وإذا كان تكتيك الجماعات المسلحة للتوغل في ريف اللاذقية مفهوماً من الناحية العسكرية، ففي أي فهم يمكننا أن نضع حفلات الذبح والاغتصاب وخطف السبايا؟ إنها جريمة تطهير عرقي موصوفة في القانون الدولي الغائب، كلياً، في هذه المذبحة التي ترتكبها السعودية ضد الطوائف الشيعية.
في العراق نظام سياسي يستحق انبثاق معارضة وطنية شعبية واسعة تصارع المحاصصة والفشل التنموي والفساد؛ ولكن، في أي تصنيف للصراع يمكن أن نضع المَقْتَلَة اليومية لعشرات آلاف المواطنين البسطاء، تمزّق الانفجارات حيواتهم عقاباً لهم على ولادتهم في أسر شيعية؟ سوف يدفعهم ذلك، بالطبع، إلى منح نظام يسحقهم اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ولاء مذهبياً يمنع المعارضة والسياسة والتغيير.
دعونا نواجه الحقيقة المطموسة تحت ركام التعصّب والملَق والانتهازية والمخاوف والتعلّق الواهم بـ «الصحوة الإسلامية»؛ نحن، بلا رتوش، في مواجهة نازية سعودية سوداء، ولكن موضوعها الشيعة وليس اليهود. وهي، بالطبع، نازية رثّة متخلّفة لا تخوض حروب إبادة لبناء امبراطورية قومية، كما كان حال النازية الهتلرية، وإنما تلغ في دماء الشيعة، لدوام سيطرة نظام قروسطيّ يحظى بالدعم الإمبريالي ليس، فقط، للنهب ــــ فهو ممكن في ظل نظام حديث ــــ بل، بالأساس، كمركز عمليات ضد حركات التحرر والتنمية والتقدم الاجتماعي في العالم العربي.
لن أتوقّف عند النفاق الأميركي الذي يدين «جبهة النصرة» في سوريا، و«القاعدة» في العراق، بينما تغطيهما الولايات المتحدة، سياسياً وأمنياً، والأهمّ أنها تغطي المراكز التي تجنّدهما وتموّلهما وتسلّحهما، بقيادة السعودية؛ بل سأتوقّف عند الاتجاهات الانتهازية المتواطئة مع حرب الإبادة النازية السعودية ضد الشيعة. وأبدأ بالجماعات الموضوعة على قائمة الإبادة من الجماعات المدنية السنية ـــ وهي تشكل الأغلبية ـــ والمسيحيين والدروز والعلمانيين... أنتم، جميعاً، أهداف أسهل للنازية السعودية، فارفعوا أصواتكم اليوم؛ إنني لا أفهمك يا رفيقي في التيار المدني المصري، كيف تصمت على مذبحة الشيعة، وتتخذ السعودية نصيراً، وأنت تواجه الإرهاب نفسه! ولا أفهمك يا رفيقي اليساري كيف تغرق في تحليلاتك ولا يدفعك ضميرك لكي تصرخ في وجه القَتَلة! ولا أفهمك أيها المسيحي اللبناني كيف تتحسس من شيعيّة نصرالله المعلنة تحت القصف، ولا ترى السكاكين المعدّة لرقاب بنيك، يصدّها عنهم رجال نصر الله بالذات! أتظنّ، كبعض الدروز، أنك خارج المذبحة؟ طيّب! دعك من هذا كله، فأين هو الضمير المسيحي؟ أين هو الضمير اليساري؟ أين هو الضمير الليبرالي، ضمير المواطنة والشراكة والإنسانية؟
تعالوا نسمّي الأشياء بأسمائها. تعالوا نصرخ: إنها حرب إبادة! إنها نازية جديدة! إنها السعودية، عدوّة العروبة والتحرر والتقدم، وصنو إسرائيل!
13 تعليق
التعليقات
-
واقع أليمكلام سليم ينقح في الصميم... تحية إجلال لك من شمال فلسطين سيدي كاتب المقال
-
قليل من الانتباههكذا وبكل بساطة يحوّل الأستاذ ناهض, إيمان السيد حسن نصرالله, و أهل المقاومة بقضية العرب الأولى وأساس معظم المآسي في بلادنا العربية, والخطر الدائم والداهم على مستقبل كل أبيّ حرّ شريف في هذه المنطقة خصوصاً, إلى مجرّد تقيّة!! أودّ تذكير الأستاذ ناهض أن هذا الموقف هو الموقف (الطبيعي), وحتى لو أن قسماً من المحسوبين على السنّة وغيرهم قد سقطت قضية فلسطين من اعتباراتهم أو لنقل "أولوياتهم" بالحدّ الأدنى. يبدو أن هناك من ظنّه بالآخرين ينطلق من معرفته بنفسه! اذ يوجد من لا يزال يذكر قضية فلسطين, (فقط) لخوفه من هاجسٍ يؤرقه أشد الأرق, وربما ينطلق من نفس هذا الهاجس بموقفه مما يحدث في سورية.
-
ردسوف لن اتحدث كثيرا ولكن يبدو انك تفهم الوضع حتى افضل من اغلب شيعة العراق
-
نحنا كلبنانيين يجب الوقوف ضدنحنا كلبنانيين يجب الوقوف ضد مسعى السعودية في تدمير لبنان. واول ما نفعله هو رفض مساعاداتها لِلبنان. علينا بناء لبنان بانفسنا. كل مسلم وكل مسيحي في لبنان هو اخي في المواطنة وعليّ ان احافظ عليه. تسلم سيد حتر على مقالاتك
-
بهدوء: أنت الحقيقة الناصعة,بهدوء: أنت الحقيقة الناصعة, التي يخجل المظلومون فيها من الكلام المشفّر!
-
شكراً لك أستاذ ناهضشكراً لك أستاذ ناهض
-
اذا هيك وبهدوء!!اذا هيك وبهدوء!!
-
أحسن مقال قرأته عن النازيةأحسن مقال قرأته عن النازية الحقيقية التي تواجه العالم العربي من المحيط إلى الخليج وخصوصا عندما نسمع عن الذبح مع التكبير من هذه الجماعات النازية التي لا تعرف سو القتل والكفر وعبادة الدينار ....
-
شكرًا على هذا المقال أستاذشكرًا على هذا المقال أستاذ ناهض. انت الوحيد الذي يسمي الأشياء بأسمائها. قد لا يتفق معي الكثير، لكنني أرى أن جزء كبير من المواجهة هو بين الأمة السورية، العراق، سوريا، لبنان و الأمة الخليجية. بين حضارتنا، حضارة ٧،٠٠٠ من التنوع؛ ووهابية لا حضارة ولا تاريخ ولا جغرافية لها.
-
الابادة الجماعيةالف شكر على قول الحقيقة بدون تزيف انه الواقع المرير الذي نعيشه انه الضلال المبين الاتي من السعودية ويوهمون الضعفاء بأنهم على الصراط المستقيم وللاسف الشديد من وضع الفكر السلفي التكفيري في وجه الحركات اليسارية في 73 ومن حاك الدسائس لعبد الناصر ومن دفع تكاليف الاجتياح الاسرائيلي للبنان اعتقد الجميع اكثريتنا كسنة لا نأمن لمن يستخدم شباب المسلمين في تضليل منظم لابعادنا عن الوقوف بوجه اسرائيل واختراع عدو جديد هو ايران خدمة لاميركا واسرائيل.. الجريمة الكبرى تقع على عاتق نوابنا نحن اهل السنة اللذين باعوا نفسهم للشيطان وقبضوا بالبترودولار تاركين مصلحة العباد والبلاد تلعب بهم دعاة الفتن وامراء الحروب الجدد تحت العباءة السعودية والاميركية والاسرائيلية كل هذا يدمرنا كعرب عامة وكمسلمين خاصة لانه ان ابتدأ سيفني المسلمين بعضهم بعضا والاسرائيلي يضحك ويتفرج
-
السيد حتر أقرأ كتاباتك بكثيرالسيد حتر أقرأ كتاباتك بكثير من الامتنان، للصدق فقط وليس للرأي الذي تجاهر به -وهو ما يجب أن أعلن إعجابي به- وعن هذا أريد أن أخاطبك. ألم يحن الوقت للإعلان بشكل واضح بأن الأديان والطوائف ليست إلا جماعات رأي، بمعنى أن الدين كما ينص بذاته هو إيمان، وهو ما يعني في كل اللغات: التصديق من دون دليل. (وفي المسيحية -دين أهلي- يعطى لهذا الفعل قيمة كبرى حيث تحتل جملة "أن تؤمن دون أن ترى" مكانا مفصليا في صلب الإيمان المسيحي، وهي كذلك في كل العقائد الأخرى ولكن ربما دون إشارة واضحة) يجب شرح الايمان كمعنى وليس كطريقة، بحيث لا يمكن أن يكون هناك أي تمييز بين العقائد، من حيث طبيعتها، فكلها بالمطلق "تصديق من دون دليل". هناك في اللغة العربية مئات الأمثال التي تجسد هذه الفكرة وتشدد على تأثيرها، ولعل المثل البسيط " من شب على شيء شاب عليه" يخبرنا بأن أفكارنا وتوجهاتنا وأدياننا ليس إلا ما شربناه في بدايات وجودنا، وليس لها أي علاقة بالواقع إلا ضمن الدائرة الصغيرة التي نشأنا ضمنها.
-
عافاك الله لوضوح الروءيا وعافاك الله لوضوح الروءيا و حسن القول.
-
زمن شح فيه الرجالفي زمن شح فيه الرجال تحية اكبار لك على رجولتك وشجاعتك- سؤالي بهذا الصدد لماذا لا نسعي لغقد مؤتمر اممي للمثقفين والحقوقيين للتحقيق في الدور السعود ي في نشاة ورعاية الارهاب