في مثل هذا الموسم من كل عام، يحبس أساتذة الجغرافيا أنفاسهم على نبأ غير سار يأتيهم من مركز إصدار نتائج الامتحانات الرسمية: رسوب 85% وربما 90% من الطلاب. النغمة هي نفسها تتكرر، وإن بوتيرة أعلى أو أقل انخفاضاً لجهة المعدلات والعلامات، وخصوصاً أن هناك من يخرج ليقول إنّ نسب النجاح في العامين الأخيرين هي أفضل من الأعوام السابقة. لكن المعدل العام في شهادة الاجتماع والاقتصاد في كل لبنان هو 12/30!
ليست هنا المشكلة. لكن من هنا تبدأ القصّة ويبدأ السؤال عن النتائج الهزيلة ولماذا تتكرر سنوياً. هل المعضلة في المتعلم أم في المعلم أم في المنهاج؟ هل هي في المصحح أم في طريقة التصحيح أم في المعايير والأسس المعتمدة في التصحيح؟ هل هي في توصيف المسابقة أم في توقيتها مع مواد أخرى أم في تثقيل العلامة... أم في طبيعة المادة نفسها؟
يرى المشرف على مادة الاجتماعيات في مدارس المصطفى حسين عبيد، أن مرور أكثر من اثنتي عشرة سنة على تطبيق المنهجيّة المعتمدة يفرض بحد ذاته مراجعة نقدية لتعليم المادة، وخصوصاً أنّ ما يحصل على مستوى نتائج الجغرافيا مستمر بخلاف مواد أخرى قد تشهد نكسات من وقت لآخر.
الأساتذة سجلوا هذا العام ملاحظاتهم على مسابقة الجغرافيا لصف شهادة الثانوية العامة فرع الاجتماع والاقتصاد ـ الدورة العادية 2013 في كتاب أرسلوه إلى المدير العام للتربية فادي يرق، اختصروا فيه المشكلة بالآتي:
ـ الأخطاء العلمية والتعقيد في كيفية طرح الأسئلة كما في المستند الأول (الخريطة التي تطرح إشكالية مزدوجة: تدفقات القمح وتوزع البلدان المصدرة والمستوردة للنفط).
ـ الالتباس والإبهام في المصطلحات الواردة في المسابقة من خلال الأسئلة المركبة، كما في السؤال السابع فقرة ج.
ـ الحرفية المفرطة المعتمدة في معايير وأسس التصحيح من قبل اللجنة، التي لا تفسح المجال للطالب للإجابة المفتوحة كما في المستند رقم 2 (الرسم الكاريكاتوري).
ـ الافتقار إلى الدّقة والوضوح في طرح بعض الأسئلة كما في السؤال السادس الفقرة أ.
ـ الافتقار إلى الدّقة في دراسة الوقت المخصص للمسابقة (الأسئلة المركبة والمعقدة كما في الأسئلة (5 و6 و7).
ـ التشويش والاضطراب في التعامل مع المصطلحات (السؤال 6 ـ ب بخصوص مصطلح الدول الناشئة وفي السؤال السابع فقرة ج، كسلاح سياسي والأفضل طرحه بصيغة الاستراتيجي).
في المقابل، هناك من يقول إنّ المشكلة لا تنحصر في المسابقة فقط، بل هناك عوامل تتعلق بعملية التصحيح برمتها، وبالمصحّحين لافتقار بعضهم إلى الأهلية تعليماً وتصحيحاً، بل إنّ البعض يفتقر إلى الحد الأدنى من المهنيّة؛ إذ لا همّ له إلا حصد الكمّ الهائل من المسابقات المصححة من دون مراعاة الدّقة في التصحيح.
بعيداً عن المسابقة، يوضح عبيد أنّ التعسف لحق بالمادة منذ بدايات اعتماد المنهجية، باعتبار أن الأهداف الموضوعة لها ضبابية وعامّة في غالب الأحيان، وبمحتوى واسع وفضفاض، مطالباً بإعادة النظر في منهج مادة الجغرافيا، ولا سيما في صفوف شهادة الثانوية العامة، وإعادة تركيز المحتوى وتوصيف المسابقة وتثقيل العلامة، وحصص التدريس. وإذا كان لا بد من الحرفية في معايير التصحيح، يدعو عبيد إلى تحقيق الحدّ الأدنى من الانسجام بين طريقة طرح الأسئلة المنبثقة من المنهاج وهذه المعايير.
الانعكاسات لنتائج العلامات التي يسجلها المتابعون هي شعور المعلّم بالامتهان أمام زملائه الذين يدرّسون مواد أخرى ويحصل الطلاب فيها على معدلات مرتفعة، وهو دائم القلق تجاه إدارته، ولا سيما إذا كانت هذه الإدارة غير مطّلعة على المتغيرات الجوهريّة التي حصلت في تعليمها، والنمط المعتمد في التعامل الظالم معها (أسئلة ومعايير تصحيح)، والتّي تجعله في أحيان كثيرة فاقداً للأهليّة التعليميّة والتربويّة عندها، وبالتالي يفقد عمله.
كذلك فإنّ علامات الامتحانات الرسمية تضفي، بحسب المتابعين، جوّاً من التوتر على العلاقة بين الأستاذ والطالب قد تصل في أحيان كثيرة إلى حال من الازدراء والسخرية من هذه المادة وأستاذها في آن واحد، وتجعل الطالب المهتم ينصرف إلى الاهتمام بمادة أخرى على حساب مادة الجغرافيا.
وإذا أرادت المنهجية كما يريد واضعوها أن تبني عقولاً استراتيجية، فإنّ ذلك يتطلب، بحسب عبيد، القيام بعملية تثقيفية وتدريبيّة تطاول معلمي المادّة على امتداد مساحات لبنان، والأولى بالتأهيل القيّمون على هذه المادّة، ولا يُنسى المنهاج على الأقل بأن ترسم له أهداف واضحة ومحدّدة، وبناءً عليه ينبغي الإقلاع عن الحرفيّة في معايير التصحيح المعتمدة؛ لأنّ اتباع هذا المسار يوقع في التناقض بين تنشئة عقل استراتيجي ينظّر للقضايا العالمية، واعتماد معايير تتسم بالحرفية.