لم يشهد مكتب حماية الآداب حالة مثل التي لديه الآن. حالة «بيدوفيليا» من نوع غير مألوف في أخبار اللبنانيين. شاب في العقد الثالث من العمر، يعتدي على الأطفال جنسياً، يكرر الاعتداء وينجو من فعلته بسبب تكتّم الضحايا وأسرهم. يصوّر ما يفعله بهم بكاميرته الخاصة. يحتفظ بالمشاهد ويعود لمشاهدتها كلما رغب في ذلك لإشباع رغباته. فعلها مراراً وتكراراً. سحق أرواح عشرات الأطفال بتلذذ. في النهاية، وقع في أيدي القوى الأمنية بناءً على خطة وضعها المقدم إيلي أسمر، رئيس المكتب المذكور. أوقف المشتبه فيه بارتكاب هذه الجرائم الفظيعة وأودع زنزانة النظارة للتحقيق معه وإحالته على المحاكمة، ولكن الضحايا الذين اعترف بارتكاب الجرائم ضدهم لم يتقدّموا بالادعاء، ما عدا واحداً منهم. وهذه قصّته.
مطلع شهر حزيران الماضي، تعرض أحد القاصرين (16 عاماً) لاعتداء جنسي (اغتصاب) من قبل مجهول. كان الفاعل قد أقلّه بسيارته الخاصة من منطقة جسر الواطي _ سوق الأحد باتجاه منطقة عين الرمانة، بعدما هدده بمسدس وسكين. خاف الفتى وصعد معه. لا ينفع البكاء والارتجاف مع هكذا صنف من المجرمين _ المرضى. فعل فعلته. وصل الخبر بطريقة ما إلى القوى الأمنية، فبدأت التحريات، ليتبيّن لاحقاً أن ثمة شخصاً يقيم في منطقة الجعيتاوي، يقود سيارة من النوع نفسه الذي ارتكبت فيها جريمة الاغتصاب، وتدور حوله شبهة الاعتداء جنسياً على الفتيان القاصرين. بعد شهرين من التحريات، أوقف «مكتب الآداب» الشخص المذكور، بعد عملية دهم لمنزله. اسمه م. ن. وعمره 28 عاماً. لبناني الجنسية. عُثر في منزله على صور وأفلام يظهر فيها أثناء اغتصابه لضحاياه القاصرين، وهم من مناطق لبنانية مختلفة. إذ لم يكن نشاطه الإجرامي يقتصر على منطقة معينة، بحسب اعترافاته. حالة ربما على الخبراء بعلم النفس إيجاد تسمية لها. مزيج من الهوس و«البيدوفيليا» أو «الغلمانية» و«التلصصية» وسوى ذلك من أمراض نفسية واجتماعية.
الشاب موقوف الآن بإشارة من القضاء المختص. والتحقيقات جارية للكشف عن المزيد من التفاصيل، ولا سيما أن المعلومات الحالية لا تزال تقتصر على اعترافاته، في ظل عدم تقدّم الضحايا لتقديم رواياتهم. إلا أن ذلك كان كافياً لكي يعبّر مسؤول قضائي عن شعوره بالقرف كلّما ذكّره أحد باسم الموقوف. بالنسبة إليه، ليست المرة الأولى التي نسمع فيها عن اعتداء جنسي على طفل، ولكن «هذه أول مرة أرى قضية اعتداء متواصل على أطفال، بالجملة، مع تصوير للفعل بطريقة مقززة. نحن الآن أمام حالة نفسية غريبة عجيبة. شيء من الهوس المرضي الإجرامي».
في إطار متابعة هذه القضية، علمت «الأخبار» من مصادر متابعة للملف، أن الموقوف كان عسكرياً سابقاً في الجيش اللبناني، وأن الجيش طرده من الخدمة كلياً بسبب «ميوله الجنسية الإجرامية». ربما كان على الجيش، أو القضاء، أن يضعا على هذا الشاب نقطة سوداء، تفيد بضرورة مراقبته ومعالجته. لكن، للأسف، تُرك حراً طليقاً بين الناس، أو بالأحرى بين الأطفال، فكانت النتيجة اغتصاب عدد غير محدد حتى الآن، وهؤلاء الضحايا لن ينسوا ما تعرضوا له ما داموا أحياء وسيكبرون وتكبر معهم صورة هذا الأذى العظيم.
في هذا الإطار، طلبت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ممن وقع ضحية هذا النوع من الجرائم، التوجه الى مكتب حماية الآداب الكائن في مبنى ثكنة يوسف حبيش في الحمرا _ بيروت، وذلك للتعرف على الشخص الموقوف وإجراء المقتضى القانوني. يُشار إلى أن المعنيين يشجعون الأهالي، الذين تعرّض أولادهم لاعتداءات جنسية، للتوجه إلى القوى الأمنية وعدم الخوف من «الفضيحة». يمكن للادعاء، بعد حصول الجرم مباشرة، أن يساعد كثيراً في التعرّف على هوية الجاني. فمثلاً، يوضح أحد المعنيين أن «الفحص الذي يجرى مباشرة بعد الاعتداء، يمكننا من أخذ عينات من الحمض النووي (DNA) للمشتبه فيه، وهذا يوفر علينا الكثير من التحريات والتحقيقات في حال الحصول على نتيجة مطابقة». بالتأكيد، لن يتفاعل الجميع مع هذه الدعوة، في ظل ثقافة «التابو». هذه الثقافة التي تضيّع حق أطفال ونساء في العدالة، خوفاً مما يسمى العار، ما يشعرهم بأنهم تعرضوا للاغتصاب مرتين. مرة من الفاعل نفسه، ومرة من مجتمع ظالم بعاداته و«محرماته» المصطنعة. عموماً، من بين الضحايا الكثر للموقوف حالياً، لم يتقدم من القوى الأمنية سوى عائلة واحدة للتعرف والادعاء.
في التحقيق مع المشتبه فيه، لم ينكر ما أسند إليه، معترفاً بكل ما ذكر. حصل هذا بعدما جيء بالقاصر الذي اعتدي عليه أخيراً، في منطقة جسر الواطي، حيث تعرّف عليه وأكدّ أنه هو الفاعل. كذلك شاهد القاصر السيارة التي اغتصبه فيها، فتعرّف عليها مباشرة. لا جدال بأن هذا القاصر بحاجة اليوم الى الرعاية والاحتضان. تُرى، هل لدى الدولة آلية خاصة للتعامل مع هكذا حالات؟ الواقع والتجربة، يقولان لا. ذاك القاصر نظر في عيني مغتصبه في المخفر، وكذلك نظر مجدداً إلى السيارة، المكان الذي انتهكت فيه روحه. كيف شعر وهو ينظر إلى ما حصل معه من جديد؟ كل هذا المشهد دفع بمصدر قضائي، إلى إبداء الحماسة من أجل الاقتصاص من المشتبه فيه بأشد العقوبات، إن ثبتت عليه التهمة لاحقاً، فهكذا شخص يمثل، برأيه، «خطراً حقيقياً»، لافتاً الى «أن أكثر ضحاياه هم دون الـ 9 سنوات، ولدينا حتى الآن أكثر من 10 حالات موثقة تؤكد فعلته، وما خفي كان أعظم، وهذا ما ستظهره الأيام المقبلة».
الجدير بالإشارة أن القانون اللبناني قاصر عن تطبيق عقوبات متشددة إزاء هذا النوع من الجرائم الفظيعة، إذ تكتفي المادة 505 من قانون العقوبات بتحديد جريمة اغتصاب الأطفال بكونها جماعاً غير مشروع مع قاصر، وتنص على أن «من جامع قاصراً دون الخامسة عشرة من عمره يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة». هذه العقوبة تتراوح ما بين الـ 3 سنوات والـ 15 سنة. هذه المساحة متروكة لتقدير قاضي المحكمة. هذا يعني أنه يمكن أن نجد قاضياً، قد ارتأى، لسبب ما، أن يحكم بالمدة الأدنى. أي الاكتفاء بـ 3 سنوات. لكن، وبحسب نص المادة المذكورة، فإن مساحة تقدير القاضي هذه تصبح أكثر محدودية، مع ذكرها وجوب أن «لا تنقص العقوبة عن 5 سنوات إذا كان الولد لم يتم الثانية عشرة من عمره»، ولكن العقوبة تتضاءل الى أدنى مستوى في حال كان المعتدى عليه «أتمّ الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة»، ففي هذه الحال يعاقب «بالحبس من شهرين الى سنتين!». في المقابل، تبقى مرحلة ما بعد السجن هي الأهم. ففي لبنان يمكن أن يدخل المجرم إلى السجن بتهمة تحرش فقط، ليخرج منه خبيراً في عالم الإجرام، في ظل غياب البرامج التأهيلية التي باتت من البديهيات في سجون العالم.



بدوفيليا و«تلصصية»

حالة الموقوف اسمها علمياً «انحراف جنسي باتجاه الأطفال» (pedophilia ). أسبابها كثيرة وتكاد لا تحصى، بحسب الاختصاصي في علم النفس الدكتور أحمد عياش، منها «الجينات والوراثة والتربية والبيئة والحوادث التي يتعرّض لها، لا يمكن حصر الأسباب، المهم أن هكذا أشخاص هم خطر على المجتمع، ويجب معاقبتهم ومراقبتهم وعدم تركهم من دون معالجة بين الناس»، فضلاً عن وصف هكذا شخص بـ«المريض نفسياً»، يمكن وصفه أيضاً بـ«الخطر الشامل». المسألة بالنسبة إلى علم النفس ليست مستجدة، ولكن اللافت هو اجتماعها مع الرغبة في التصوير ومشاهدة الصور مجدداً، وهذه حالة مستقلة تسمى «التلصصية» أي الاستمتاع باستراق النظر أو مجرد المشاهدة. ويلفت عياش الى أن الحالة الأخيرة «لا تعد مشكلة طالما هي بعيدة عن أذية الآخر، فمجرد الرغبة بالتلصص أو النظر لا يتوقف عندها كثيراً، ولكن عندما نعرف أن المسألة وصلت إلى حد اغتصاب الأطفال فنحن هنا أمام حالة مرضية موغلة».