«أعلن باسمهم جميعاً (أعضاء المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات موظفي المصارف) الموافقة على توقيع عقد العمل الجماعي لعامي 2013 - 2014 على أن يكون ساري المفعول ابتداء من 1/1/2013، أما التوقيع الأولي فسيحصل في الأيام القليلة المقبلة ليصار بعدها إلى أخد تواقيع 60% على الأقل من موظفي المصارف المنتسبين إلى النقابات بغية استكمال الخطوات القانونية توصلاً إلى إبرام التوقيع النهائي».
هذا الإعلان هو خلاصة اجتماع مجلس اتحاد نقابات موظفي المصارف في لبنان يوم الخميس الماضي. على جدول أعمال هذه الجلسة لم يكن هناك سوى بند «عقد العمل الجماعي ونتائج المفاوضات مع جمعية المصارف». ما توصل إليه الطرفان هو تضمين العقد الجماعي زيادة على بعض التقديمات فيما يبقى دوام العمل والزيادات الإدارية كما كانت في العقد الأخير. هذه البنود لم تكن تمثّل العقبة الأساسية لإقرار العقد، بل كانت تُستَعمَل أداة للتفاوض على النقاط الجوهرية وهي: بند الـ25% الذي يتمسّك به الاتحاد مقابل بند صندوق التعاضد الذي ترفضه الجمعية.
وبحسب مصادر مواكبة، فإن الاتفاق بين الطرفين قضى بأن يكون نطاق عمل صندوق التعاضد اختيارياً للمصارف، ما يعني أن المصارف التي لديها خيارات أخرى عليها أن تضمن لموظفيها المتقاعدين حصولهم على المستوى نفسه من تقديمات الطبابة والاستشفاء بالسعر نفسه الذي يمنحهم إياه صندوق التعاضد. وفي المقابل، فإن اتحاد المصارف لن يرفض «دفن» موضوع الـ«25%» في محضر الاجتماع الذي انعقد بينهما في وزارة العمل أخيراً.
طيلة فترة التفاوض بين اتحاد موظفي المصارف وجمعية المصارف، كان الاتحاد يمسك بيده ورقة قوّة تجعله صاحب المبادرة. أهمية هذه الورقة تكمن في الفقرة الثانية من المادة 9 من عقد العمل الجماعي التي تمنح الموظفين حق الحصول على زيادة رواتب بنسبة 25% من زيادة غلاء المعيشة اللاحقة على الشطر الأول من الأجر، على أن تُحتسب على رصيد الأجر الذي لم تلحقه زيادة الدولة. هذه الفقرة التي عُرفت ببند «الـ25%» كانت ولا تزال مخرزاً في خاصرة جمعية المصارف. لولا هذا البند لم يتمكن الاتحاد من فرض أي تنازلات على أصحاب المصارف وإداراتها، ولو فكّر في التخلي عن مثل هذا البند فإنه سيصبح لقمة سائغة بين فكي المصارف.
خلال المفاوضات، كان بند «الـ25%» هو أكثر البنود استحواذاً على النقاش. يوم كانت جمعية المصارف تجلس إلى جانب «الهيئات الاقتصادية» في مفاوضات تصحيح الاجور، لم تكن مفاوضاتها مع اتحاد نقابات موظفي المصارف لإقرار عقد عمل جماعي قد بدأت بعد بسبب رغبة الجمعية في عدم الدخول فيها قبل صدور مرسوم زيادة غلاء المعيشة. كان الهدف أن لا توافق الجمعية على أي تقديمات إضافية ولا على الزيادات وسواها قبل معرفة كلفة زيادة غلاء المعيشة على ميزانياتها.
من حسن حظ موظفي المصارف، أن الجمعية وافقت على زيادة غلاء المعيشة لموظفي القطاع الخاص من دون أن تنتبه لما تفرضه هذه الزيادة على ميزانياتها وفق نص الفقرة الثانية من البند التاسع. فبحسب مصادر جمعية المصارف، إن كلفة غلاء المعيشة وزيادة سقف الراتب الخاضع للاشتراكات إلى 2.5 مليون ليرة بدلاً من 1.5 مليون بلغت 150 مليون دولار.
في رأي مصادر الموظفين، إن هذه الكلفة لا تزال متواضعة قياساً على إيرادات المصارف البالغة 5847 مليار ليرة، وهي لا تزال أقل من قيمة بند «الأعباء الإدارية والعمومية والتشغيلية الأخرى» البالغة 3049 مليار ليرة.
على أي حال، إن كلفة «الـ25%» على المصارف تعدّ متواضعة نظراً إلى أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن أكثر من 90% من موظفي المصارف رواتبهم تقلّ عن 1.5 مليون ليرة. وهناك قلّة من الموظفين لا تتجاوز نسبتهم 2% رواتبهم أكثر من 3 ملايين ليرة. وللعلم، فإن الشطر الذي لحقته زيادة غلاء المعيشة بنسبة 100% هو حتى سقف 400 ألف، أي أن الشطر الثاني الخاضع لبند «الـ25%» هو حتى 1.1 مليون ليرة وكلفته الوسطية على أكبر شريحة بين الموظفين تبلغ 275 ألف ليرة للفرد الواحد.
هذا المشهد كان حاضراً طيلة فترة المفاوضات. في البدء حاولت الجمعية قلب هذه الورقة لمصلحتها من خلال محاولتها جرّ الاتحاد إلى التفاوض على خفض حقوقه المكتسبة رافضة أي كلام عن بند «الـ25%». تمسّكت الجمعية بمطلب زيادة الإنتاجية وأبدت تحفظاتها على مطالب اتحاد الموظفين بزيادة التقديمات العائلية والدراسية والجامعية.
بعد فترة أخذت عملية التفاوض مساراً قانونياً وذهبت إلى لجان الوساطة والتحكيم في وزارة العمل وتدخل مصرف لبنان وانسحب ثم عاد مجدداً واصطفّ إلى جانب جمعية المصارف. خلال هذه الفترة طلبت نقابات موظفي المصارف إحالته إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ردّاً على ما قامت به الجمعية من تعنّت وإصرار على رفض زيادة التقديمات العائلية والمدرسية وسعيها إلى زيادة دوام العمل لموظفي المصارف ووضع شروط على موضوع الزيادات الإدارية والتخلص من موضوع الساعات الإضافية.
بعد ذلك، توصّل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإبقاء دوام العمل والساعات الإضافية على ما كان عليه في العقد السابق، وزيادة التقديمات الدراسية والجامعية إلى مستويات أقل مما كانت تطالب به نقابات الموظفين، لكن الجمعية أصرّت على أن يذكر في متن عقد العمل الجماعي الجديد عبارة تؤكد تخلّي موظفي المصارف عن حقوقهم السابقة في أي من العقود السابقة.
تفجّر الخلاف مرّة جديدة وأجبرت الجمعية على الموافقة على عدم إيراد العبارة السابقة في العقد، لكنها رفضت صندوق التعاضد الاستشفائي نظراً للضرر اللاحق بشركات التأمين المملوكة من المصارف والتي ستفقد سوقاً كبيرة تصل إلى 22 ألف بوليصة تأمين لأن بوالص صندوق التعاضد ستكون أرخص بكثير. بعد أكثر من سنتين تبيّن أن مكمن الحل هو التفاوض على صندوق التعاضد.