الفوضى تعمّ العمل الرسمي في لبنان. رسوم المرفأ مثالاً في هذا المجال. لا أحد يعلم أسباب فرض مثل هذه الرسوم؛ فهل هي بديل من الرسوم الجمركية، أم أنها رسوم جمركية مقنّعة؟ هل هناك سهولة في فرض هذه الرسوم لأن المستهلك وحده يدفعها؟ وإذا كانت شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت هي التي تفرض هذه الرسوم بتغطية من سلطة الوصاية في وزارة الاشغال العامة والنقل، فأين تذهب هذه الأموال العمومية، ومن يراقب طريقة إنفاقها؟
كل هذه الأسئلة يتردّد صداها على مساحات مرفأ بيروت. غير أن حدّتها بدأت تتصاعد بين الصناعيين عندما قرّرت إدارة مرفأ بيروت زيادة الرسوم التي تحصّلها. هذه الإدارة تفرض على المستوردين والمصدرين مجموعة من الرسوم يمكن اختصارها على النحو الآتي: رسوم مرفئية على بضائع المستوعبات، رسوم الخزن الإضافي، رسوم عتالة وشحن وتحميل وتفريغ.
هذه الأنواع الثلاثة من الرسوم ليس لها معيار واحد، ولا تنطلق من مبدأ واحد، ففيما بعضها قد يبدو منطقياً مثل الرسمين الأخيرين، فإن رسم المرفأ هو مشابه للرسم الجمركي إلى حدّ التطابق. قد يكون مفهوماً أن تحصّل إدارة مرفأ بيروت رسوماً أو بدلات مالية على قيامها بعمليات النقل والشحن والتفريغ وعلى خزن المستوعبات المحمّلة بالبضائع لفترة طويلة، أو حتى تلك المستوعبات الفارغة، لكن ما ليس مفهوماً أن تخضع البضائع لرسوم مرفأ بهدف تحصيل مبالغ مالية. غير أن خلفية هذا الرسم المرفئي أنه رسم يدفعه المستهلك الأخير الذي لا نصير له في أي منطق رسمي ولا في منطق العمليات التجارية الساعية إلى تحقيق الربح فقط؛ المرفأ يحمّل المستورد رسوم المرفأ، فتزاد قيمتها إلى كلفة البضاعة المستوردة لتباع في السوق المحليّة.
إذاً، لا المستورد ولا تاجر الجملة ولا تاجر المفرّق يدفع قرشاً واحداً من قيمة الرسم، بل المستهلك وحده يدفع الثمن. وأبرز دليل على هذا الامر، أن زيادة الرسوم التي أقرّها المرفأ وبدأ تطبيقها قبل نحو شهر، نالت رضى الهيئات الاقتصادية بعد اجتماعات عدّة بوزير الاشغال العامة والنقل غازي العريضي. الاجتماع الأول عُقد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، ثم تلاه اجتماع في مرفأ بيروت حضره المستوردون والوكلاء البحريون والمسؤولون الرسميون عن النقل وممثلو مرفأ بيروت. لم ترفض الهيئات الاقتصادية التعديلات المقترحة على الرسوم ولو أن بعضها ازداد بمعدل 12% وقسّمت الرسوم على البضائع على النحو الوارد في الجدول رقم 5 ضمن نظام «تعريفات مرفأ بيروت»: 300 دولار على مستوعب 20 قدماً و550 دولاراً على مستوعب 40 قدماً، وذلك باستثناء ثلاثة تصنيفات (CN1, CN2, CN3). الاولى مخصصة لكل ارساليات البضائع برسم الصناعة والزراعة وعلى ارساليات السكر والأرز والطحين ورسمها 150 دولاراً على مستوعب 20 قدماً و225 دولاراً على مستوعب 40 قدماً. الثانية هي لكل ارساليات المشروبات الكحولية والألعاب النارية والأسلحة والذخائر والتبغ والتنباك ورسمها 1000 دولار على مستوعب 20 قدماً، و2000 دولار على مستوعب 40 قدماً. أما الثالثة فهي على بضائع الترانزيت والمنطقة الحرة والتصدير وإعادة التصدير وإعادة الاستيراد ورسمها 35 دولارا و50 دولاراً.
لا شكّ أن تقسيم الرسم المرفئي يظهر أن المعيار الوحيد المعتمد هو مدى إصابته أنواعاً محددة من البضائع وبحسب جهة ورودها أو ارسالها... إلا أن هذه الوظيفة هي حصراً وظيفة الدوائر الجمركية في لبنان المحدّدة في القوانين المرعية وهي الجهة المعنية بتحصيل الأموال العمومية عن دخول البضائع إلى لبنان. وفي حالة التقسيم الأخير للرسوم المرفئية، فإن إدارة مرفأ بيروت تكون قد سطت على صلاحيات خاصة بإدارة الجمارك مع فرق واحد وهو أن الأخير يحصل الأموال للخزينة العامة، فيما إدارة مرفأ بيروت هي وحدها التي تقرّر ما هي حصّة الخزينة من حاصلاتها. ويستدل إلى هذا الأمر من خلال الواردات إلى الخزينة العامة من مرفأ بيروت والتي تقدّر بنحو 51 مليار ليرة في حين أن إيرادات المرفأ يتوقع ان تتجاوز 200 مليون دولار في عام 2013 وقد بلغت 160 مليوناً في 2012. أين يذهب الفرق بين حصة الدولة وإيرادات المرفأ والبالغة 126 مليون دولار في عام 2012؟ وفق ما هو معلن من إدارة مرفأ بيروت، إن الفرق ينفق على مشروع توسعة المرفأ... لكن اللافت أن هذا الامتياز لا يخضع لأي رقابة من قبل أجهزة الرقابة لدى الدولة اللبنانية للتأكّد من هذا الجواب المعلن.