ماتت بقرة في شباط الماضي. هكذا، اكتشف الأطباء البيطريون تفشّي مرض قاتل للأبقار في مزارع البقاع. كان الأمر يحتاج إلى موت تلك البقرة كي يعرف أصحاب المزارع سبب تراجع إنتاج الحليب، وكي يعرف المستهلكون سر اشتعال المنافسة على الأسعار بين الملاحم. نعم، بداية القصة تعود الى مطلع شباط. ماتت بقرة في إحدى المزارع في البقاع الغربي بعدما ظهرت عليها عوارض الإسهال والتقيؤ وارتفاع الحرارة والحمو في حلقها. هذه العوارض شخّصها الطبيب البيطري وسيم حسن، الذي يعاين الأبقار المريضة في البقاعين الغربي والأوسط، على أنها مرض الجدري البقري (skin lambs dissaes).
اليوم، بعد خمسة أشهرٍ على الاكتشاف، يغزو المرض مزارع الأبقار في البقاعين الغربي والأوسط. غزوة تهدّد الثروة الحيوانية، إذ نفق حتى الآن عدد كبير من رؤوس الأبقار، وتراجع إنتاج الحليب بشكل ملحوظ. انتشار المرض بصورة سريعة يعدّ كارثة، والأسباب تعود إلى دخول أبقار ومواشٍ مصابة بهذا المرض من خارج الحدود، وبطرق غير شرعية» بحسب إفادات الأطباء البيطريين. ويرجّح المعنيون أن تكون هذه الأبقار قد وصلت من سوريا عبر الجبال خلال الأزمة، وهي المعلومات نفسها المتداولة في وزارة الزراعة التي تبيّن لها أن هناك أعداداً كبيرة من البقر قد دخلت إلى لبنان قادمة من سوريا، «لكنها غير محصّنة ضدّ أنواع من الأمراض مثل الجدري البقري الذي كان موجوداً بين الأبقار اللبنانية، إلا أنه لم يتفشّ هنا بسبب حملات التطعيم والتحصين منه».
الأنكى من ذلك كله، وعلى «ذمّة» أصحاب بعض الملاحم، أن «كثيرين من أصحاب المزارع يبيعون البقر المريض لأصحاب الملاحم، بأسعار متدنية جداً». وبحسب أحد العاملين في إحدى المزارع، فإن صاحب المزرعة «عندما يشعر بأن البقرة أوشكت على الموت، يسارع إلى الاتصال بصاحب الملحمة ويبيعه إياها بمئة دولار، والأخير يعمد على الفور الى ذبحها ونقلها إلى محله وبيعها للمواطنين». وقد يصل سعر الكيلوغرام من هذا اللحم الى 9 آلاف ليرة لبنانية. أي بفارق 8 آلاف عن السعر العادي، وهو فارق مغر.
يقول أبو أحمد المعدراني، صاحب ملحمة في منطقة جلالا، إن «تسعيرة كيلوغرام من لحوم البقرة السليمة 16 ألف ليرة، وهنا الربح لا يتجاوز ألفي ليرة، طيب فكم يربح صاحب الملحمة عندما يبيع الكيلو بسعر 8 أو 9 آلاف ليرة؟». يخاف هذا الرجل من تأثر المواطنين بهذا المرض، وخصوصاً أن غالبيتهم يفتشون على الأرخص ثمناً، «وهؤلاء لا يعرفون أن اللحمة التي يشترونها هي لأبقار مريضة». ويؤكد أنه عرض عليه كثير من البقر المريض بأسعار لا تزيد على مئة وخمسين أو مئتي ألف ليرة، إنما «ضميري المهني والإنساني يمنعني من العمل بهكذا تجارة على حساب صحة المواطنين». إلا أن مصادر وزارة الزراعة تشير الى أنه لا مخاطر منظورة على صحّة الإنسان من جراء تناول هذه اللحوم، ولكن تفشي المرض يؤدّي الى خسائر كبيرة للمزارعين من جراء نفوق الماشية أو انخفاض إنتاجها من الحليب.
يتحدث أبو علي، صاحب إحدى المزارع، عن الضربة التي تلقاها هؤلاء في إنتاج الحليب وفي تكاليف علاج الأبقار المصابة «وهو العلاج الذي يتطلب أشهراً، ويخضع خلالها البقر للعلاج بالمضادات الحيوية».
ويتطرق وسام، صاحب إحدى المزارع التي ضربها المرض، إلى تقلص كمية إنتاج الحليب، فيشير إلى أن نسبة التراجع تتخطى الـ 70%. هذا الرجل، الذي لا يعرف كيف وصلت العدوى إلى أبقاره، يعرف بأنه «على وشك خسارة كل شيء، وخصوصاً أنه خلال فترة العلاج التي تتراوح بين 3 و6 أشهر، لا يمكن أن تنتج البقرة حليباً، وتحتاج الى فترة سنة بعد العلاج حتى يحق لها الإنجاب والولادة». باختصار «يعني خسارتنا كارثية»، يقول.
وعن مناطق انتشار المرض، يشير الطبيب البيطري وسيم حسن إلى أن العدوى «ليست موجودة فقط في البقاعين الغربي والأوسط، إنما تظهر أيضاً في الشمال وفي قرى الشمال الحدودية». وهنا، يحمّل الطبيب مسؤولية هذا الانتشار لغياب الرقابة الدقيقة والصحية، وخصوصاً في ظل الحدود المفتوحة أمام تجار المواشي.
لا يتوافر لأي جهة إحصاء عن أعداد الأبقار النافقة، لكن هذه الخسارة ستنتج خسارة في كمية الحليب المنتج محلياً «فبمجرد وجود حالة واحدة في القطيع، تصيب 60% منه خلال فترة قصيرة ما يؤدي إلى تدني الإنتاج بنسبة 60% و70%. البقرة المصابة لا يمكنها الإنجاب قبل سنة من العلاج». هذا المرض يُعالج بالمضادات الحيوية بشكل فوري «كي لا يصاب القطيع بالكامل»، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تحصين القطيع عبر إعطائه اللقاحات الوقائية الدورية كل 6 أشهر.