أغلقت جميع المداخل التي توصل الى البرلمان اللبناني مساء الخميس، رغم عدم انعقاد المجلس النيابي أو أي لجنة من لجانه، ولم تتم الدعوة الى اي اعتصام رافض للتمديد أو لرشق النواب «السابقين» أو صورهم بالبندورة، لكن الأوامر وصلت الى القوى الأمنية والجيش على النحو الآتي: «هيدول ممنوع يفوتوا على الساحة». نجح البعض في الدخول خلسةً، لكن سرعان ما خرجوا حين شاهدوا أصدقاءهم قد قبعوا في الخارج بعد أن حاول الشبان العبور من جميع المداخل، لكن الجواب كان موحداً «ممنوع إنتو تفوتو».
»هيدول» هم مجموعة من ناشطي المجتمع المدني، إضافة الى أصدقائهم، قرروا الدخول الى ساحة النجمة وإنشاء مربعهم «غير الأمني» في أي مكان قد تسمح القوى الأمنية لهم بالوصول إليه، بيد أنها منعتهم حتى من دخول الساحة وسمحت بذلك لسائر المواطنين، وقد تحركت جميع الأجهزة الأمنية من قوى أمن وجيش واستخبارات خوفاً من «حوالى عشرة مواطنين لبنانيين»، حاولوا الدخول الى بقعة أرض لبنانية بطريقة سلمية وحضارية من دون أي شعارات أو لافتات، لا يحملون سوى مجموعة من المقالات والدراسات والأوراق. 
أصرّ الناشطون على إنجاح نشاطهم. افترشوا المدخل المقابل لحديقة سمير قصير، تفصل الحواجز الحديدية بينهم وبين ساحة النجمة، رسموا مربعهم بشريط لاصقٍ أبيض، وافتتحت الجلسة أولاً بالتعريف عن المربع المرسوم، ثم بدأ النقاش عن موضوع الطائفية، وجرت مقاربة الموضوع بالعديد من الزوايا. ما هي أسباب الطائفية في لبنان؟ وكيف بدأت؟ ما هو سبب الصراع الطائفي؟ اجتماعي؟ اقتصادي؟ خارجي؟ أم مركّب؟ كيف نحدّ منها لنصل أخيراً إلى إلغائها؟ 
أسئلة عديدة حاولت هذه الجلسة الإجابة عنها، وقد جرى تبادل وجهات النظر المختلفة. ربط البعض المشاكل الطائفية بالوضع الاقتصادي وارتباط مؤسسات الدولة بالطوائف، والمؤسسات الخاصة بمعظمها بالزعماء. فيما ربطها البعض الآخر بمفهوم التربية والمنهاج، وقد تقاطعت وجهات النظر حول ضرورة ابتكار وسائل جديدة للحد منها. كذلك جرى نقاش النقاط الخلافية، ومنها السؤال عما إذا كانت المنطقة العربية هي أرض خصبة لنشوب الصراعات الطائفية، أم أن الموضوع مصدّر من قبل جهات خارجية.
ولأن هناك العديد من المربعات الأمنية التي تبثّ التحريض والطائفية وستوصل البلاد الى حروب، قرر هؤلاء الناشطون إنشاء مربعهم غير الأمني. هذا ما يرويه الناشط رامي عناتي لـ«الأخبار»: بداية الفكرة أتت بعد انتهاء الاعتصام الأخير. بقينا جالسين على الأرض بشكل «مربّع»، حينها طلبت منا القوى الأمنية إخلاء الساحة، وقد كان الجواب «العفوي» من الناشطين بأنه مربع غير أمني. قرر رامي ورفاقه تطوير الفكرة، ونشر هذه المربعات في مختلف المناطق. ورمزية ساحة النجمة وجمع الناشطين فيها في أول حلقة نقاش تعود الى السعي نحو التحاور ومحاولة توسيع هذه المربعات وتقريب المواطنين من ناشطي المجتمع المدني، وأيضاً لخلق مساحة مشتركة للمواطنين للتلاقي في مناطق مثل الضاحية وبرج جمود والأشرفية وأحياء بيروت وصولاً الى طرابلس والبقاع والجنوب والجبل، فضلاً عن توسيع المواضيع لتشمل القضايا المتعلقة بشكل مباشر بالمواطن وهمومه اليومية.
اللافت كان انضمام العديد من المواطنين الى النقاش، وقد صمد هذا المربع في وجه التضييق الأمني ومشاركة عناصر الاستخبارات فيه حوالى ساعتين، وكان لافتاً اهتمام العناصر الأمنية بما يدور. همس بعضهم حول الموضوع وأبعاده، حتى إنهم طلبوا من الناشطين المقالات لتصفّحها. وقد حاول أحدهم إشراكهم في الحوار عبر سؤالهم إذا ما استطاع أحدهم إدخال أبنائه الى مدرسة علمانية – بسبب غلاء القسط فيها – فالجواب يأتيه من أحد المشاركين أيضاً: «نحنا وهنّي ما قدرنا».
المربع «غير الأمني» قام بأول نشاطاته، فهل المربعات الأخرى ستنجح في التوسع والوصول الى المجتمعات المحلية بحسب ما هو مرسوم لها؟