ما بين حقول حوش تل صفية والعلّاق، يقف المزارع حسين كنعان يرقب حصاد موسم الشعير. يحرص خلف الحصّادة والعمال على كل «خيشة تبن» و«شوال حبّ»، فيما علامات الاستياء والغضب بادية على وجهه وفي عباراته، على رغم أن «الموسم خير الله» كما يقول.الرجل الذي امتصت أشعة الشمس نسغ عروقه، اكد أن الموسم الذي ينتظره المزارعون 12 شهراً، «حتى نسدد ديوننا ونوفر احتياجات ومتطلبات عائلاتنا، تبدّد نتيجة الأسعار المتهاودة، والتي لن ترد كلفة الإنتاج». عبارة «الأسعار بالأرض» التي اعتمدها كنعان، ويجمع عليها سائر مزارعي الشعير في البقاع، يبدو أنها لا تقتصر على سعر الشعير «الحبّ» وحده، وإنما تنال أيضاً من سعر «تبن الشعير» الذي يعتمد عليه المزارعون كداعم أساسي لهم في الإنتاج، خصوصاً بعدما وصل سعر قنطار التبن العام الماضي إلى 140 ألف ليرة.

وبحسب المزارع فإن الخسارة لهذا العام لدى مزارعي الشعير «حاصلة لا محالة، وفيها «خربان بيوت على مزارعين»، لأن أسعار العام الماضي الجيدة دفعت غالبية المزارعين البقاعيين إلى الإقبال على زراعة الشعير والقمح، إذ وصل سعر كيلو الشعير إلى 550 ليرة لبنانية، وهو ما كان عليه السعر «منذ شهرين»، كما يؤكد زعيتر، الذي لفت إلى «انخفاض سريع حصل منذ شهرين في الاسعار»، تدنّى فيه كيلو الشعير إلى 300 ليرة، وكذلك الأمر مع العلف الذي وصل سعره حتى 50 ألف ليرة لكل قنطار، مقارنة بـ140 ألف ليرة العام الماضي. وكشف كنعان أن بيع المزارع كيلو الشعير بأقل من 450 ليرة بمثابة كارثة. وتتوزع أكلاف زراعة الشعير أو القمح على ضمان الأرض والحراثة والبذار والأسمدة والكيماويات، بالإضافة إلى المحروقات الخاصة بالري، وإيجار الحصّادة والعمال والنقل.
لكن ما الذي أدّى الى انهيار أسعار موسم الشعير البقاعي، وبالتالي التسبب بخسائر فادحة للمزارعين؟ يعزو المزارع حسن زعيتر السبب إلى «أعمال التهريب الكبيرة للشعير من داخل الأراضي السورية، إلى السوق اللبنانية، وطرحها بأسعار متدنية جداً، أي بأقل من سعر كلفة الإنتاج لدى مزارعي البقاع».
يجمع مزارعو البقاع على أن سعر كيلو الشعير إذا انخفض عن 450 ليرة فإن «الخسارة تصبح مؤكدة»، والأسعار المطروحة في السوق حالياً لا يمكن منافستها بحسب زعيتر، الذي أوضح أنه من غير الممكن لمزارعي البقاع أن يبيعوا الكيلو بأقل من 450 ليرة، مستطرداً «لا يمكن لأحد أن يبيع بهذه الأسعار إلا الشخص اللي مش دافع ثمن هالرزق، يعني هالكمية موجودة وشو ما بتجيب تجيب سعر، المهم أن تباع، ولا تحصل هذه الأمور إلا عند بيع المسروقات» كما يقول.
بدوره، تاجر الحبوب والأعلاف علي حمية أكد لـ«الأخبار» دقّة الأسعار التي تحدث المزارعون عنها، كاشفاً عن «حمولات ضخمة بآلاف الأطنان دخلت من الأراضي السورية إلى الأسواق اللبنانية عبر معابر غير شرعية، ومنها بلدة عرسال، حتى أصبح السوق متخماً بالشعير والتبن». ولفت حمية إلى أن غالبية التجار من كافة المناطق اللبنانية، وخصوصاً جبل لبنان، الذين يعتمد عليهم مزارعو البقاع بشكل رئيسي في تصريف إنتاجهم من الزراعات التقليدية، «رفضوا أسعارنا واعتمدوا على سوق التهريب الأرخص سعراً مع توفيرهم حتى النقل إلى مناطق التجار».
من جهته، أكد أحد مخاتير بلدة عرسال حسن الأطرش، وهو تاجر حبوب وأعلاف، «إغراق السوق اللبنانية بالشعير والتبن السوري الذي مر عبر عرسال والقصر»، وبأسعار منخفضة مقارنة بسعر السوق اللبنانية، لكنه شدد في المقابل على أن تلك «الكميات الضخمة» دخلت لبنان منذ أسابيع، «وتوقف التهريب منذ ما يقارب 15 يوماً، بسبب إقفال الطرقات والمعابر السورية بشكل كامل». يؤكد الأطرش أنه بمرور عشرة أيام إضافية على استمرار إقفال المعابر سيتحسن سوق الشعير بشكل ملحوظ وسيرتفع سعره. لكن حمية يلفت الى ان موسم الشعير قد انتهى، مستنداً في رأيه إلى أن سائر التجار ومربي المواشي ومزارع الأبقار، «تهافتوا بشكل لافت منذ أسابيع على شراء كميات كبيرة من الشعير والتبن».
إزاء هذا الواقع، وفي غياب القدرة على ضبط الحدود وتقديم الحلول من قبل وزارة الزراعة، يرى البعض أن التخزين يشكل حلاً ممكناً لبعض المزارعين. لكن غالبيتهم تشدد على عدم جدوى التخزين، فثمة ديون متراكمة من أكلاف الإنتاج، ولا بد من إيفائها، فضلاً عن الأكلاف الخاصة بالحصاد من عمال وحصّادة (30 ألف ليرة على الدونم الواحد)، وبدل نقل. ويشدد المزارعون على عدم توفر القدرة لديهم بإضافة أكلاف جديدة من نقل من الحقول وعمال، مع إيجار مستودعات ومخازن خالية من الرطوبة، لذلك يعتبر الحل الأجدى بنظرهم العمل بمبدأ «البيع من وراء الحصادة».