إسرائيل تضرب من جديد. هذه المرّة ليس عبر طائراتها وصواريخها ودباباتها وأسلحتها الأوتوماتيكية، بل عبر جذب الشركة الأولى لتصنيع الرقائق الإلكترونيّة لتنفيذ مزيد من الاستثمارات على أراضيها. لهذا الخبر أبعاد كثيرة لاقتصاد هذه الدولة نفسها ولأعدائها ومقاطعيها في المنطقة والعالم. فأن ترسّخ شركة «إنتل» وجودها في الدولة العبرية عبر استثمارات جديدة يُمكن أن تكون الأساسية لتصنيع الجيل الجديد من الرقائق الإلكترونية يعني أنّ الحواسيب الحديثة التي ستجوب العالم قريباً ــــ إن كانت تعمل عبر معالج بيانات من صناعة «إنتل» (Intel Inside) ــــ ستحمل جزءاً إسرائيلياً. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن المدير الجديد لمركز الاستثمارات في وزارة الاقتصاد، ناحوم إتزكوفيتش، قوله: «تتفاوض إنتل معنا في شأن استثمارات ضخمة قيمتها عشرة مليارات دولار»، مشدّداً على أنّ تلك المفاوضات «مكثفة». وأوضح أنّه «على النقيض من الاستثمار السابق، نحاول هذه المرة أن نؤسس لعملية طويلة الأمد يلتزم بموجبها كل طرف لفترة لا تقل عن 10 أعوام». غير أنّ إتزكوفيتش الذي تسلم منصبه حديثاً لم يفصح عن تفاصيل إضافية عن الدعم الذي يُمكن أن توفره حكومته لهذا المشروع، فيما لم تصدر أي تعليقات عن الشركة الأميركية. وسيتضمن الاستثمار إنفاق ثلاثة مليارات دولار لتحسين مصنع Fab28 الواقع جنوب مدينة كريات غات وسبعة مليارات دولار لإنشاء معمل جديد في البلدة نفسها. علماً أن هذا التعاون الاستثماري بين الطرفين ليس جديداً. فخلال العقد الماضي، أنفقت الشركة 10.5 مليارات دولار في الدولة العبرية، بينها 1.1 مليار في عام 2012 وحده. وإزاء هذه الاستثمارات حصلت على منح حكومية بقيمة 1.3 مليار دولار.
والأمر لا يقتصر فقط على الحواسيب التقليدية (PCs & Laptops)، بل قد يشمل أيضاً الأجهزة الذكية المحمولة، مثل الهواتف والحواسيب اللوحية. فبعدما فوّتت على نفسها فرصة المشاركة في صناعة ثورة الأجهزة المحمولة، تنوي «إنتل» حالياً اللحاق بالموجة. فمديرها التنفيذي الجديد، براين كارزانيتش، أعلن الأسبوع الماضي نية الشركة تعزيز وجودها في هذا المجال من التصنيع الإلكتروني ومنافسة كبار اللاعبين فيه مثل Samsung وQualcomm، مع العلم أنّ تصنيع المعالج المجهري من نوع Atom كان في مرتبة متدنية على جدول اهتمامات الشركة.
وتوضح بيانات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أنّ 250 مركزاً للأبحاث والتطوير (R&D) تابعة لشركات أجنبية تعمل في إسرائيل، مثل Cisco وGoogle وMicrosoft. وتشير الوزارة إلى أنّ 30% من تلك الشركات تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرامج، و17% في قطاع الاتصالات، و16% في مجال علوم الحياة، والنسبة نفسها في مجال أشباه الموصلات (Semiconductors). وليس غريباً أن يكون 66% من تلك الشركات أميركياً، تليها شركات من بريطانيا وألمانيا بنسبة 6% و5% على التوالي.
وتنفق الحكومة الإسرائيلية نحو 4.8% من ناتجها القومي على الأبحاث والتطوير، وهو المعدّل الأعلى في العالم. وبحسب بيانات عام 2012، يكون إنفاقها في هذا المجال قد بلغ 11.6 مليارات دولار، أي ما يعادل 28% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي اللبناني.
وآخر استثمار خارج الولايات المتّحدة قامت به «إنتل» كان في إيرلندا، وإن لم تعمد إلى الاستثمار حالياً في إسرائيل، فإنّ الدولة العبرية «لن تعود مهمةً لها» على حد تعبير ناحوم إتزكوفيتش. «الحديث هو عن منشأة صناعية لها أثر هائل على الاقتصاد الإسرائيلي». وأوضح أنّه «تقع علينا مسؤولية معاينة الفائدة (من المشروع) وشرح إيجابياته والتحفظات عليه للجمهور لتبرير الموافقة عليه».
وكان ممثلو الشركة في إسرائيل قد تحدّثوا في شباط الماضي عن إمكان تصنيع الجيل الجديد من الرقائق الإلكترونية في إسرائيل. وستعمد الشركة خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى تصنيع الرقائق بطول 14 نانومتر (nm) في إيرلندا والولايات المتّحدة، غير أنها لم تحسم بعد أين ستُصنَع الرقائق الأصغر التي يبلغ قياسها 10 نانومتر فقط.
وتعود قصّة «إنتل» إلى عام 1968 حين أسسها المهندسان روبرت نويس وغوردن موور لتصنيع أشباه الموصلات مع التركيز على منتجات حفظ الذاكرة. وبعد ثلاث سنوات قدّما أول معالج بيانات مجهري (Microprocessor). اليوم الشركة هي الأولى عالمياً في تصنيع الشرائح الإلكترونية وتُغذي معظم الحواسيب المستخدمة في المعمورة.
ويعمل في الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها 82500 موظف، 55% منهم تقريباً يعيشون خارج الولايات المتّحدة. وفي عام 2012 بلغت إيراداتها الصافية 53.3 مليار دولار، أي أعلى بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي اللبناني برمّته!
(الأخبار)