بعد سنة واحدة من حكم الإخوان المسلمين في مصر، وسنتين من صعودهم السياسي في ما سُمّي «الربيع العربي»، انكسرت الموجة التي بدا، لوهلة، أنها أشبه بتسونامي طويل يركبه الإسلام السياسي في العالم العربي. المرحلة الثانية من الثورة المصرية التي انطلقت الآن، ليست، فحسب، ضد رئيس ونظام، بل هي ضد نهج وتيار؛ نهج إسباغ الشرعية الدينية على الثورة المضادة، وتجديد الأنظمة الكمبرادورية والرجعية باسم الاسلام، وتيار الإسلام السياسي بصناديقه الانتخابية وفضائياته وظلاميته وجماهيره الطائفية والمذهبية وميليشياته التكفيرية الإرهابية. كل هذا الزحف الأسود، المموّل خليجياً والمدعوم أميركياً، يُلقى به الآن في مزبلة التاريخ؛ ففي صفوف كل الشعوب العربية التي تبحث، بالفعل، عن مسار مختلف ومستقبل زاهر، تكونت كتل جماهيرية سياسية متزايدة الوعي والقوة، تتجه إلى إعادة بناء حركات وطنية تحررية تنموية مدنية، تستعيد الشعارات الصحيحة للنهضة الحقيقية، الاستقلال والمقاومة والكرامة الوطنية والوحدة والاقتصاد العادل والديموقراطية الاجتماعية والحياة المدنية والتعددية الثقافية والسياسية، متجاوزة الشعارات المضللة والفارغة لحرية «الثورات» المتأمركة.
تستطيع عشائر بني حسن في المفرق، شمال شرق الأردن، أن تسجّل لنفسها سبقاً عربياً؛ فهي أول مَن اصطدم مع الموجة الصاعدة للإخوان المسلمين في أوجها، بل في تموز 2011 بالذات. وقتذاك، حاول «الإخوان» التمدّد في المحافظة الواسعة المساحة، المفتوحة الأبعاد على الحدود مع سوريا، إلا أنهم واجهوا تمرداً خشناً، انتهى بحرق مقر الحزب التابع لهم، «حزب جبهة العمل الإسلامي». مذ ذاك، تنامت الحركة الجماهيرية المعادية لـ«لإخوان» في البلاد؛ وعلى رغم ما حققوه، بعد ذلك، من نجاحات جزئية، إلا أنهم ظلوا، فعلياً، في حالة تراجع، أساسها تحوّلهم، إثر الانشقاق الأردني حول المواجهات في سوريا، من مظلة وقيادة للمعارضة إلى طرف فيها. ثم جاء خروج القيادة الحمساوية من دمشق إلى قَطر ليحسم موقف المترددين الذين كانوا يساندون «الإخوان» من أجل عيون «المقاومة الحمساوية»!
إلا أن الضربة القاصمة لم تعصف بالإخوان المسلمين، حيثما كانوا في بلاد العرب، من قبل أعدائهم، بل من انتصار فرعهم المصري في الانتخابات الرئاسية؛ هنا، سقطت عناصر خطابهم السياسي تباعاً: فقد جدّد محمد مرسي، رئيس مصر ـــ ومصر جوهرة الحركة الإخوانية كلها ـــ الالتزام بمعاهدة كامب ديفيد مع العدوّ الإسرائيلي، وبادر إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، ولعب، لدى تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة، دور الوسيط كما كان حسني مبارك، وأكثر.
جدّد مرسي للسياسات الاقتصادية ـــ الاجتماعية المباركية بالكامل، ومنح «الإخوان»، الشرعيةَ الدينية للخصخصة وحرية التجارة والبزنس ومصالح الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين، وركع أمام صندوق النقد والبنك الدوليين. وبدلاً من حل أزمة المالية العامة بالإجراءات الاجتماعية الثورية، لجأ الحكم الإخواني إلى الاستدانة، بوتيرة تجاوزت وتائر الاستدانة السابقة ( 12 مليار دولار في 12 شهراً).
تبيّن أن ما سُمّي برنامج «النهضة» لم يكن سوى دعاية بلا مضمون؛ فليس لدى «الإخوان»، فعلياً، أي نهج تنموي وطني؛ فالتنمية، مفهوماً وسياقاً، هي خطة معادية للرأسمالية الكمبرادورية وللمؤسسات المالية الإمبريالية ولاقتصاد السوق المعولَم الذي ترعاه الولايات المتحدة. تقوم التنمية على ثلاث ركائز هي: (1) أولوية دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، بما في ذلك السيطرة الوطنية على الموارد والاستثمارات وحركة رأس المال وعلى السوق (الحماية الجمركية). (2) أولوية التمويل المحلي من خلال السيطرة على المصارف وسياسات الإقراض وأسعار الفائدة. (3) الديموقراطية الاجتماعية بما في ذلك الضريبة التصاعدية في القطاعات غير الإنتاجية وتوجيه الموارد للخدمات العامة إلخ.
ومن الواضح أن هذه الاتجاهات ليست في وارد الفكر الاقتصادي للإخوان، ولا هي تعبر عن مصالحهم، ولا تتطابق مع تحالفاتهم السياسية مع الغرب والخليج.
وسط كل ذلك، أظهر «الإخوان» أشكالاً وألواناً من العجز والتخبط وضيق الأفق وانعدام القدرة في الإدارة العامة. وهي نتيجة حتمية لتكوينهم الثقافي المنغلق والرجعي، مثلما أظهروا ميولاً استبدادية ومليشيوية متوقعة.
سقطت تجربة حكم «الإخوان» وحلفائهم الإسلاميين في المركز المصري، وطنياً وسياسياً وأمنياً وإدارياً وأخلاقياً، بينما سقط إخوان سوريا وحلفاؤهم التكفيريون في وحل الإرهاب والتخريب والخيانة الوطنية، وانكشفوا، على الملأ، كأدوات قتالية للإمبريالية الغربية والرجعية العربية. الصراع الآن محتدم، وقد أخرجته ثورة مصر الثانية من لبوسه الطائفي والمذهبي، ليظهر، من ميدان التحرير إلى جبهات القتال في سوريا، كما هو فعلاً، صراعاً استراتيجياً بين خندقين، خندق التحرر الوطني وخندق الرجعية.
4 تعليق
التعليقات
-
جنود لعقل و الجهلهذه الايام اقرا كتاب للامام للخميني رضي الله عنه يفسر فيه جنود العقل و الجهل بسند متصل للامام يذكر العقل و جنوده 75 و الجهل و جنوده يفسر الامام من هم محجوبون عن الفطرة و عن الحق كيف هم غارقون في الاوهام و يتخبطون و في كل واد يهيمون ينسجون من خيالهم الغلط و الكذب و يزين لهم الشيطان زخرف القول و تستيقنها انفسهم ظلم و عتوا اقول لكاتب هذا المقال كم قال الا مام رضي الله عنه انظر نفسك علي حديث ابي عبد الله عليه السلام هل انت من العاقلين او من الجاهلين..... بكل هدوووووءءءء
-
التجربة السياسيةمشكلة الإسلام السياسي افتقاره للتجربة السياسية، وذلك نابع من التهميش السياسي طوال الفترة الماضية، الإسلامين يديرون البلاد (مصر مثلا) كما يديرون جمعية خيرية أو تجارة شخصية، خطابهم كأنه خطبة جمعة. شخصيا من وجهة نظري أن الحكومة العميقة (التي تحكم العالم) قد أيدت الأنظمة الاستبدادية بتهميش الإسلام السياسي لاستغلاله بهذا الوقت و هذه ظروف حتى لا تقوم له قائمه، وتفريغ الإسلام من مضمونة، و عرضه على الرأي العام العالمي بنسخة طالبان، القاعدة و النصرة
-
السفارة اولاانه لامر رائع ان يخرج ملايين المصريين الى الشارع. ولا باس ان كانت الملايين تخرج لاسقاط مرسي الذي لم يقدم لا هو ولا جماعته جماعة الاخوان ما يخفف من معاناة الشعب المصري في مختلف المجالات . كما ان مرسي راسل صديقه بيريز رئيس اكبر عصابة مجرمة في التاريخ عنيت اسرائيل التي تختبىء سفارتها الان في مكان ما من القاهرة لتبقى خنجرا في قلب مصر وظهر الفلسطينيين والعرب. الان وكما في ثورة 25 يناير لم ار اعلاما اسرائلية واميركية تحترق ولم اسمع دعوات لالقاء حجارة السفارة الاسرائلية في نهر النيل. ذلك انه لن تقوم قيامة لمصر بدون ان تسقط السفارة وكامب ديفيد سقط مرسي او لم يسقط . اين انت يا شعب مصر الانساني العربي الوطني العظيم!!
-
الاستعانة بالمزبلةلا ينفكّ الكاتب يسوّق نفسه مدافعا عن التحرّر والعلمانيّة والديمقراطيّة الاجتماعيّة، غيرَ واجدٍ حرجاً في التناقض الّذي يسم دعواه إذ يقول "تيّار الإسلام السياسيّ بصناديقه الانتخابيّة وفضائيّاته وظلاميّته وجماهيره الطائفيّة والمذهبيّة وميليشياته التكفيريّة الإرهابيّة". لا يجد الكاتب حرجا في ممارسة هذا الاغتيال المعنويّ تجاه تيّار (يعترف بأنّ له جماهير وصناديق انتخاب). لا يتوقّف لحظة ليسأل عن ملايين تنتمي إليه (على تنوّع طيفه)، فالسؤال عن هذه الملايين ليس من لوازم "الديمقراطيّة الاجتماعيّة" في شيء! لا يجد بأسا في دمغ ملايين من الأمّة في أقطارها المختلفة بأوصاف مطلقة، وفي إسباغ أحكام "جامعة مانعة" على فئاتها ورموزها وأفرادها، فهذا الجمع وهذا الإطلاق لا يضيران العلميّةَ في شيء، ولا يسيئان إلى التعدّديّة الّتي يهواها الكاتب! ميليشياويّة إرهابيّة؟! كلّا كلّا، هذه من ألدّ أعداء الكاتب، ولن يمسّ طهرَ "ثوريّته" أن يمدح العشائر المشار إليها ويمنحها "قصب السبق"، إذ كانت السبّاقة إلى حرق مقرّ الجماعة! ترى، هل استلهم حارقو مقرّات الجماعة في مصر الليلة الماضية فعلهم البطوليّ السلميّ من أصحاب السبق؟! أمّا "مزبلة التاريخ" الّتي يقرّر الكاتب أين تقع ومواصفاتِها ومن يذهب إليها للإقامة الدائمة فليست من أدوات الإقصاء مطلقا! وليست من لغة الطائفيّة (الّتي يلعنها الكاتب الهُمام)، حاشا وكلّا، إن هي إلّا مزبلة وليست الجحيم، فهذه الأخيرة من مفردات المتديّنين الّذين يتوعّدون الكافرين، وكاتبنا علمانيّ ولا شكّ!! ناهض حتّر، هل تصدّق نفسك؟!