هو، كما تدلّ مداولاته وقراراته، ليس فحسب مؤتمراً لأعداء سوريا، بل لأصدقاء الإرهاب. في الدوحة، هذه المرة، لم يكن هناك أيّ كلام مزوَّق، بل نقاش عملي حول نقطة واحدة: كيف، وبأي الأحجام والأنواع، نزوّد الإرهابيين بالسلاح؟ والهدف واضح: إحداث انقلاب في موازين القوى العسكرية على الأرض السورية، يتيح جلب الرئيس بشار الأسد إلى الاستسلام، وتحويل جنيف 2 إلى انقلاب.
في ما سبق القصير، كان السجال يجري، انطلاقاً من التوازن بين النظام والمعارضة، كالتالي: بما أن الحسم العسكري مستحيل، فإن وقف شلاّل الدم يتوقف على تنحي الرئيس الأسد. والآن، بعدما ظهرت قدرة الجيش العربي السوري على دحر الجماعات المسلحة، وتحقيق الأمن والاستقرار وفتح الباب أمام التغيير الديموقراطي السلمي في البلاد، أصبحت الجهود تنصب، صراحة، على تمكين المسلحين من ردّ الصاع صاعين، والذهاب، تالياً، إلى حل سياسي يزيح الأسد أو أن الحرب ستستمر حتى رحيل الرئيس الشرعي لسوريا قبل انتهاء فترة ولايته، أو منعه من الترشّح لولاية ثانية، أو منع الانتخابات الرئاسية أساسا، وإغراق البلاد في الفوضى. والوسيلة الوحيدة المتاحة للحلف الأميركي العربي الرجعي، حتى الآن، لتحقيق هذا المسار هو الولوغ في دم الشعب السوري على أيدي الإرهابيين. هكذا، تصل البراغماتية الأميركية إلى حدودها القصوى في اللا أخلاقية. ولا تسل، بالطبع، عن تناقضات الخطاب السياسي والأكاذيب العلنية، فهذا آخر ما يشغل البراغماتيين الذين يعتبرون أن الشيء الوحيد الصحيح هو ما يفيدهم. هكذا، يتحوّل وزير خارجية الولايات المتحدة، إلى تلميذ نجيب عند يوسف القرضاوي، بل يزاحمه في إظهار مظلومية «السُّنّة» المحرومين من السلطة التي يحتكرها «العلويون»! ولكن مؤيدي الرئيس الأسد الـ 70 في المئة، هم سوريون من كل الطوائف والمذاهب والاتنيات، وجدوا أن مشروع التفكيك والتفتيت يعصف بهم جميعاً، وقرروا التمسك بالهوية السورية الواحدة.
ما ينبغي أن نراه، قبل كل شيء، أن الحلف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي، يستخدم المرتزقة والمجرمين، ويدربهم ويسلّحهم، لمعاقبة الشعب السوري على تمسّكه بدولته الوطنية وشرعيتها، وعلى رفضه الغرق في مستنقع الاقتتال الأهلي، وتالياً السلم الهشّ القائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية والاتنية. النموذجان اللبناني والعراقي أمام السوريين. وهم يدركون، لحسن الحظ، أن المحاصصة هي مشروع دائم للحرب الأهلية والعجز التنموي وتجريف الدولة من مضمونها الوطني، ومن دورها الاجتماعي والخدمي، وتحويلها إلى عنوان لصراع الكل ضد الكلّ. ولا يريد السوريون أن يخسروا كيانهم ودولتهم ومستقبلهم، وقد أدركوا، موالين ومعارضين، أن الإصلاحات اللازمة للبلاد والمطالب الحيوية للفئات الاجتماعية الشعبية، يمكن تحقيقها فقط في إطار الدولة الوطنية، وفي سياق تراكمي لا انقلابي. وبغير ذلك، فليس سوى الفوضى والدمار والموت.
هذا هو إطار التسوية الداخلية التي تتبلور في سوريا اليوم، وتتجه إلى دمشق 2؛ فهنا، فقط، تلتئم عناصر الحل السياسي الاجتماعي الفعلي والقابل للحياة: أولا، هناك اجماع على أن المهمة رقم واحد هي تطهير البلاد من الغزاة الإرهابيين وأوكار التكفير والإجرام، وثانيا، هناك اجماع على أولوية الدولة الوطنية، وثالثا هناك أسئلة تفتح صراعا سلميا مشروعا، أسئلة ملحة حول الصيغة الديموقراطية المطابقة لاحتياجات سوريا المستقلة المقاومة، وبالترابط مع أسئلة أكثر إلحاحا، حول الهوية الاقتصادية الاجتماعية لسوريا المستقبل؛ أتسير نحو الكمبرادورية أم نحو إطار تنموي وطني مدعم بالديموقراطية الاجتماعية؟
وبالنظر إلى أن عمليتيّ تطهير البلاد من الإرهاب وعقد التسوية الداخلية، تحققان انجازات ملموسة في سوريا، قرر مؤتمر الدوحة اعتراض مسيرة الشعب السوري، بالمزيد من السلاح، وبالمزيد من الإرهابيين.
هناك، بالفعل، أنواع من الجماعات المسلحة العاملة في سوريا، عصابات محلية، واخوانية، واستخبارية، ومرتزقة، ومرتبطة بالقاعدة. وهي كلها غير شرعية (1) لأنها لا تمثل المجتمع السوري ولا مطالبه ولا احتياجاته، (2) ولأنها، في أغلبها الأعمّ، تكفيرية أو تسعى لبث التعصب المذهبي وتفكيك وحدة الشعب السوري، (3) ولأن عناصرها الأساسية تتكون من الإرهابين المحترفين الأجانب، و(4) لأنها تحقق حضورها، بالأساس، من خلال قتل المدنيين وكبسهم في إمارات سلفية معادية لأبسط الحريات الإنسانية وتقوم على القمع والنهب والذبح والنحر الخ، (5) ولأنها غير وطنية، بالمعنيين؛ فهي تسعى لتفكيك الوطن، وتعمل لتقويض استقلاله لصالح أعدائه، (6) ولأنها، بالمحصلة، ومن دون استثناء، إرهابية، طالما أنها تتوسّل الإرهاب كوسيلة وحيدة.
«معارضة» ولدت إرهابية. وتستمرّ، كذلك، تحت رعاية أصدقاء الإرهاب الذين يعلنون ــــ بلا حياء يستلزمه التحايل التقليدي على أبسط قواعد الشرعية الدولية ــــ أنهم اتفقوا على «اجراءات سرية» (= مؤامرة) لتصعيد الحرب ضد سوريا وشعبها.