قرر «الحراك المدني للمحاسبة» أن يعود إلى قواعده سالماً. ٢٨ ساعة قضاها المعتصمون في ساحة رياض الصلح للمطالبة برحيل ١٢٨ «نائباً سابقاً»، ليسدل الستار على حركة احتجاج رافضة لقانون التمديد للمجلس النيابي، الذي أنهى ولايته الدستورية أول من أمس، مفتتحاً ولاية جديدة مستمدة من تعطيل المجلس الدستوري، الذي تكرر سيناريو تغيب عدد من أعضائه أمس.
لم يجد المعتصمون الذين لبّوا دعوة الحراك إلى اعتصام ثانٍ عند السادسة مساء أمس، غير الأسلاك الشائكة لـ«يفشوا خلقهم». اقتلعوا الطبقة الأولى من الأسلاك وراحوا يعبثون بها يميناً ويساراً إلى أن استقر بهم الأمر في وسط ساحة مسيجة من جميع الجهات. وعلى وقع هتاف «ثورة وتغير يا محلاها هل الكلمة» و«تسلم يا عسكر لبنان يا حامي الحرامية» و«٢٨ و ١٠٠ يا مجلس حرامية»، حمل المعتصمون اللافتات المطالبة برحيل البرلمان المنتهي الصلاحية. وإلى جانب العلم اللبناني رفع أحد المشاركين علمي تركيا والبرازيل في خطوة تضامن مع حركة الاحتجاجات التي تعمّ هذين البلدين.
مشهد الكرّ والفرّ مع القوى الأمنية لم يتجاوز الحلقة الدائرية التي شكلت عفوياً بعد اقتلاع السلك الشائك. وبعد أن اصطفت قوى مكافحة الشغب بين المعتصمين والسلك الثاني الذي يفصلهم عن الشارع المؤدي إلى ساحة النجمة، اقتنع المعتصمون بأن محاولاتهم المتكررة لتحقيق اختراق، هي من المستحيلات.
ما عجز الناشطون عن تحقيقه على الأرض، نجحوا في تحقيقه افتراضياً لعدة ساعات، حيث أُعلن تعرض الموقع الإلكتروني لمجلس النواب لعملية قرصنة، وحلّت على صفحته الأولى صورة أعضاء المجلس وعبارة «عالبيت فشلتم». وسرعان ما نجح التقنيون في شركتي PROINNS Sarl و PRO-CMS في إصلاح الموقع. ورغم أن «الحراك المدني للمحاسبة» لم يعلن مسؤوليته عن عملية القرصنة، إلا أن وضع صورة البوستر الذي يوزع في الاعتصام كان رسالة واضحة عن الجهة التي نفذت الاختراق لمصلحتها، وهو ليس الاختراق الأول من نوعه الذي يتعرض له موقع المجلس النيابي.
شكل مشهد اقتلاع السلك الشائك فرصة ذهبية لعدسات المصورين وكاميرات البث المباشر لينقلوا إلى اللبنانيين المشدودين إلى أخبار قطع الطرقات على خلفية القتل والخطف الطائفي، وأخبار سقوط الصواريخ العابرة بين بلونة والكحالة، مشهداً إضافياً كان يمكن أن ينال اهتماماً أكبر لو أن الأوضاع الأمنية أقل تعقيداً وتسارعاً. عينة واسعة من السيارات العابرة بالقرب من المعتصمين كافية لمعرفة ردود الفعل. فمنذ ساعات الصباح وقف عدد من المعتصمين مع لافتات تدعو إلى المشاركة بالاعتصام، ولم يكتفوا بالدعوة المكتوبة، بل راحوا يخاطبون المارّة ويحثونهم على المشاركة، ولأن السيارات غير المجهزة بمكيفات هي الأسهل اختراقاً، لم يتحاور الناشطون إلا مع عينة من السائقين المنهكين من الازدحام وارتفاع حرارة أول أيام الصيف. راوحت ردود الفعل بين الشتم أو الاستهزاء أو اللامبالاة، ويمكن المراقب أن يرصد سيارة من أصل خمس أدت التحية للناشطين، دون أن يعني ذلك أن سائقها سيركن في أقرب مرأب لينضم إلى الاعتصام.
كثر من المشاركين أبدوا امتعاضهم من الطريقة التي أُعلن فيها تفكيك الخيم وإنهاء الاعتصام، مؤكدين أن الموعد الذي ضربه المنظمون في ٢٨ حزيران الجاري لم يُناقَش مسبقاً مع المشاركين، وخصوصاً الذين أمضوا ليلتهم الأولى في الخيم وسهروا حتى ساعات الصباح في أجواء شبابية فنية استقطبت المئات. كذلك إن إمكانية استقطاب العدد نفسه من المعتصمين بعد أسبوع ليست متيسرة. لكن المشكلة ليست فقط في الاستقطاب، بل في غياب التنظيم وتوحيد مطالب الحراك المدني، وهذا ما عبرت عنه الناشطة جومانة مرعي التي طالبت بالاتفاق على المطلب إذا كان ينحصر برحيل البرلمان غير الشرعي من خلال اعتصام مفتوح، أو اعتصام دوري حتى إقرار قانون انتخاب عصري؟ وسألت مرعي: «من سيُقر هذا القانون... البرلمان الفاقد شرعيته؟». لكن مطالب «الحراك المدني للمحاسبة» التي أعلنها الأمين العام للجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات عدنان ملكي ذهبت أبعد من المطالبة برحيل البرلمان، إلى «إعلان نواب ٢٠٠٩ نواباً سابقين غير شرعيين والتعامل معهم على هذا الأساس، أي رفع الصوت في وجههم في أي لقاء ينظمونه وتذكيرهم بأنهم نواب سابقون مغتصبون للسلطة، وعدم تنفيذ أي قانون أو قرار يصدر عن مجلسهم غير الشرعي».
وأضاف بيان المعتصمين: «كل فرصة لا تحقق تصبح رغبة دفينة، وبما أن الطبقة السياسية برمتها تتآمر على رغباتنا وأحلامنا، فهي فرصتنا اليوم في أن نعيد البرلمان إلى الشعب والناخبين، أن نجعل من هؤلاء السارقين ضحية مكائدهم».
انتهى البيان وتفرقت الجموع على وعد العودة يوم الجمعة المقبل عند السادسة مساءً، فهل يتراجع عدد المعتصمين أم يكبر؟ لننتظر ونحكم!