على وقع أصوات معترضة خافتة، أنهى أمس موظّفو مستشفى بيروت (رفيق الحريري) الحكومي اعتصامهم المفتوح الذي استمر ثمانية أيام. هذا الاعتصام جاء ردّا على تأخّر دفع رواتب شهر أيار الماضي. المشاكل المتراكمة داخل حرم المستشفى جعلت الموظّفين هذه المرة يبدأون اعتصاماً جديداً بدأ يوم الخميس الماضي، أقفلوا خلال الأيام الأربعة الأخيرة منه باب المستشفى الرئيس، ليبقى باب الطوارئ وحده مفتوحاً أمام المرضى والزائرين.
انتهى الاعتصام امس بعدما أعلن وزير الصحّة، علي حسن خليل، في بيان أصدره مع رئيس لجنة الصحة النيابية، عاطف مجدلاني، ومدير مستشفى بيروت الحكومي، وسيم الوزّان، أنّه تمّ الاتفاق على الحلول المقترحة لحلّ مشاكل المستشفى. وتابع البيان باقتضاب وإضمار كبيرين عن تطرّق النقاش بين خليل ومجدلاني والوزّان إلى «سبل العمل التي يجب أن تتّبع لتفادي مشاكل مماثلة في المستقبل». لكن الأكثر غرابة كانت خاتمة البيان التي اعلنت «إنهاء الإضراب الذي نفّذه العاملون في المستشفى، وتأمين الرواتب للموظفين ابتداءً من السبت 22 الجاري (اليوم)».
وجه الغرابة ان الموظّفين أنفسهم تبلغوا انهاء اضرابهم عبر البيان المذكور وليس بقرار منهم وقبل ان يتبلغوا بالاجتماع الحاصل في وزارة الصحة ونتائجه! هكذا رأى المجتمعون في وزارة الصحّة أنّ مشكلة الموظّفين الوحيدة هي دفع الرواتب، متغاضين عن المشكلة الثانية والأخطر التي طالما طرحها الموظفون، بحسب قولهم، مع وزير الصحّة نفسه، وهي الفساد المستشري في إدارة المستشفى، حتى أنّ بعضهم كان يطمح إلى تغيير إدارة المستشفى من خلال هذا الاعتصام. أمنية الموظّفين هذه صعبة، بما أنّهم يعترفون بأنّ السياسة ستلعب دورها لمنع حصول هذا الأمر. «أو ليس هذا ما حصل في الاجتماع الثلاثي في وزارة الصحة؟» يسأل أحد الموظّفين. ويضيف أنّ إدارة المستشفى عملت منذ اللحظة الأولى على فرط مسبحة المعتصمين من خلال تحويل أهداف الاعتصام من مطالب مشروعة إلى قضيّة طائفيّة، ينظّمها موظّفو الطوائف الأخرى ضدّ وسيم الوزّان والطائفة التي يمثّلها! مع أنّ الموظّفين كانوا يرفعون صوتهم ويقولون إنّ أحداً لن ينجح في تضييع مطالبهم في دهاليز الطائفية، كما جرت العادة، إلا أنّهم، على ما يبدو، سقطوا بسرعة أمام الامتحان الأول. فما إن وصل الوزّان مع ممثل وزارة الصحّة إلى المستشفى ليعلن للمعتصمين عن نتائج الاجتماع بوزير الصحّة حتى أعلن جزء من الموظّفين تعليق اعتصامهم ووافق الآخرون على مضض، كي لا يتّهموا بالطائفيّة، كما يقولون. بالنسبة إلى الأخيرين فإنّ حقوقهم لم تصلهم بمجرّد دفع رواتب شهر أيار بين اليوم والإثنين ووعدهم بدفع رواتب حزيران في وقتها، علما ان خليل وعدهم بتأمين رواتبهم في الأشهر المقبلة وتقسيط مستحقات المفعول الرجعي للزيادة على الرواتب التي أقرّت العام الماضي، إذ إنّ مشاكل المستشفى التي تطفو على السطح كلّ فترة لم يعد يكفيها علاج موضعي بل باتت بحاجة إلى حلّ جذري.
قبل فضّ الاعتصام يتبارى الموظّفون على إخبار أفضل قصّة عن الفساد المستشري في المستشفى أو أفضل «نكتة» حول تصرفات الوزّان. إذ إنّ الوزان كان يعزو طيلة فترة الاعتصام سبب تأخّر دفع الرواتب شهرين لموظّفيه إلى «الروتين الإداري»! وفي أشهر ماضية كان السبب هو انقطاع التيار الكهربائي، فما إن كان يهمّ الوزّان بالضغط على كبسة Enter على حاسوبه لإرسال الرواتب، حتى ينقطع التيار الكهربائي! فتتأخّر الرواتب عدّة أيام بسبب حادثة الوزّان هذه. وفي مرّة أخرى اقترح الوزّان فكرة على موظّفيه حتى لا يشتكوا من تأخّر دفع الرواتب مرة أخرى، فطلب منهم أن ينشئوا «قجّة»، كلّ يشارك بإغنائها من راتبه حتى إذا وصلوا إلى «الأشهر الصعبة» دفع لهم رواتبهم منها! الترقية الوظيفيّة في المستشفى أصبحت عيباً. فالذي يحصل عليها هو «حتماً مدعوم»، يأتي قرار بترقيته فيرتفع معاشه فوراً على الأقل مليون ليرة. هكذا أصبحت الترقية بين الموظّفين صبغة سيئة. على الذي حصل عليها أن يبرّر للمعتصمين سريعاً سبب ترقيته وعرض سيرته الذاتية شفهياً ليقنع الآخرين بأنّه استحقها ولا علاقة له «بالمدعومين».
المشكلة الكبرى التي تضاف إلى مشاكل المستشفى اليوم هي بحسب الموظّفين، كون معظم المرضى الذين يدخلون المستشفى من السوريين. أخبرتهم إدارة المستشفى عن اتفاقها مع مؤسسة مخزومي والمفوضيّة العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لدفع الفواتير الطبية لهؤلاء، ليتبيّن لاحقاً أنّ المفوضيّة تحدّد مبلغ ألفي دولار كحدّ أقصى للفاتورة الطبية التي تدفعها للاجئ واحد، بينما وصلت فواتير بعض المرضى السوريين في المستشفيات إلى 20 مليوناً، لم يتكفّل بدفعها أحد. فأصبح المستشفى اليوم يملك تعهدات بالدفع من قبل مرضى سوريين بلغت 3 مليارات ونصف مليار ليرة!