فرضت الضرورة الأمنية ــــ الإقليمية والدولية ــــ أولويتها على قمة الثماني الكبار في إيرلندا. فالقمة تحثّ «السلطة والمعارضة على الالتزام بتدمير كل المنظمات المرتبطة بالقاعدة وطردها من سوريا».
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحداً ضد سبعة، في هذا المحفل الإمبريالي القديم. بوتين يقاتل على أرض الخصم، لكنه يفوز، وإنّ بالنقاط؛
(1) دعوة الطرفين إلى مكافحة الإرهاب ليست موجهة إلى النظام السوري، بل، تحديداً، إلى قوى المعارضة الداخلة في تحالف متين مع «المنظمات المرتبطة بالقاعدة». مطلوب من «المعارضة»، بالإجماع الدولي، التصدّي العسكري لحلفائها الإرهابيين، كما هو مطلوب من السعودية الكفّ عن تمويل وتسليح الإرهاب في سوريا. ولن يفعلها «المعارضون» ولا السعوديون؛ فمن دون «الإرهاب» لن يكون لهم مكان، لا في الميدان ولا في السياسة ولا في المفاوضات،
(2) لذلك يبقى الرهان على المؤسسة العسكرية والمؤسسة الامنية التابعتين للنظام السوري (وبالنسبة إلى الروس، هناك، أيضاً، حزب الله) لمواجهة المنظمات الارهابية، باسم المجتمع السوري، وباسم الإقليم، وباسم العالم كله.
(3) وهكذا، فإن أي حلّ سياسي في سوريا، حسب الإجماع الدولي، لن يمس تينك المؤسستين. فكأنهما مجرد مؤسستين تنفيذيتين، وليستا جزءاً عضوياً من النظام السياسي، إن لم تكونا عموده وعقله ومطبخ قراره، بحيث لا يمكن فصلهما، لا عن نخبة الحكم ولا عن الإدارة ولا عن الرئيس بالطبع.
(4) ولعلّ الاعتراف الضمني بهذه الحقيقة هو الذي دعا قمة الثماني إلى الرضوخ، وتحاشي الكلام عن تنحّي الأسد.
كيف انتهت «القمة»، هكذا، بين أيدي بوتين؟
حطَّ الرئيس الروسي على «القمة» مدجّجاً بالأوراق الرابحة في لعبة الأمم،
سورياً: (1) الجيش يتقدم وسط انهيار سياسي ومعنوي للجماعات المسلحة، بدأ منذ هزيمتها في «القصير»، (2) ومشاركة حزب الله في القتال، بكلّ دلالاتها الاستراتيجية، فرضت شرعيتها الواقعية، (3) النظام متماسك وموحد، ويحظى، وفق تقديرات حلف الأطلسي نفسه، بتأييد 70 في المئة من السوريين، (4) وهو جاهز للمفاوضات بوفد ورؤية وخطّة، (5) بينما أكذوبة استخدام دمشق للسلاح الكيماوي لم تصمد في التداول لساعات، (6) العمليات القتالية نوعيّة وتكاد تكون جراحيّة، بينما يرتكب مسلحو «المعارضة» الفظاعات، من المذابح الطائفية إلى أكل الأعضاء البشرية، (7) و«المعارضة»، بكل تلاوينها اللاوطنية، سقطت سياسياً وأخلاقياً، وظهرت مفكّكة، وغارقة في الانشقاقات والأجندات الإقليمية الصغيرة.
إيرانياً: (1) حققت الانتخابات الرئاسية نسبة استثنائية من المشاركة الشعبية (حوالى 72 في المئة) بما يعني تجديد شرعية النظام، (2) وشكّل فوز الوسطي الإصلاحي حسن روحاني بمنصب الرئيس مدخلاً لإراحة البلد وتشكيل ما يشبه الإجماع الوطني: رئيس مقبول محلياً وإقليمياً ودولياً، انتخبه الاصلاحيون ويدعمه المحافظون، (3) فالرهان على «ربيع» إيراني، إذاً، انتهى، (4) وانفتحت مرحلة، ربما لن تطول، لكنها كافية لزحزحة الحصار السياسي عن طهران، (4) لكن من دون تنازلات استراتيجية، لا في الملف النووي، ولا في الملف الفلسطيني، ولا في الملف السوري.
إقليمياً، الجبهة المعادية لسوريا تتفكك من داخلها، (1) تركيّا، بغضّ النظر عن يوميات الانتفاضة صعوداً أو هبوطاً، انقسمت عمودياً بين تيار ديني وآخر مدني. بذلك، ستكون جميع الملفات المحلية والاقليمية، وإلى أمد طويل، محلّ خلاف وصراع. وما يهمنا هنا، أن هذا الانقسام، بطبيعته، يتمفصل على الصراع في سوريا. (2) وعلى صعيد الفضاء السياسي العربي ــــ الاسلامي، سقط النموذج الإخواني «الديموقراطي» و«المعتدل»، وانكشفت الأردوغانية عن سُلْطانية استبدادية في خدمة الرأسمال الأجنبي والإمبريالية، (3) وفي الأثناء، تتجه قطر، مركز العمليات المعادية لسوريا، نحو الانكفاء. صحيح أن الوريث تميم سيواصل دعم العدوان على دمشق، لكن قطر «الربيع العربي» انتهت وتهمّشت أجندتها وستؤدي، منذ الآن، دوراً تنفيذياً في السياسة الاميركية في المنطقة.
ماذا لدى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في المقابل؟
خطة لـ«بناء معارضة سورية قوية»، يعني: مدنية وذات صدقية، معادية للإرهابيين، وموحّدة، سياسياً وعسكرياً، وقادرة، بالتالي، على الدخول في مفاوضات لإنشاء حكومة انتقالية من دون الرئيس بشار الأسد، لكن مع الإبقاء على جيشه ومؤسسته الأمنية!
ما يملكه أوباما مجرد سيناريو خيالي لا غير، لكن عنده أيضاً خيار الحرب. والحرب تعرقلها عقدتان: عقدة العراق، وعقدة الأزمة الاقتصادية والمالية، إضافة الى مخاطر اندلاع الحرب الإقليمية الشاملة. ومع ذلك، فقد ينتهي الجنون الإمبريالي ــــ الصهيوني ــــ العربي، إلى خوضها في أيّ لحظة من تطورات الصراع، بل ربما كانت الهزيمة السياسية لواشنطن وحلفائها في إيرلندا حافزاً إضافياً للمغامرة العسكرية.