لم يكن اختيار لبنان عبثياً لعقد المؤتمر الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب. بل على العكس، كان «مستهدفاً» بقوّة، فهو البلد المشتعل أبداً بنزاعاته، والجزء الآخر «من منطقتنا الحافلة بالنزاعات والحروب، والتي تفوق فيها أعداد ضحايا التعذيب أعدادهم في أي منطقة أخرى في العالم»، تعلّق سوزان جبور، رئيسة المجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب. لهذا السبب، فكر منظمو اللقاء بلبنان، وأصروا «لما للبلد من رمزية في إيصال رسالة إلى المنطقة نقول فيها إن هناك من يتابع القضية جدياً».
هكذا، وعن سابق إصرار وتصور، ستحتضن بيروت في 27 و28 الجاري، بالتزامن مع يوم الأمم المتحدة لدعم الضحايا، مؤتمر «الحق في التأهيل لضحايا التعذيب» الذي من المفترض أن يكون «الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط... إذا ما سمحت الظروف الأمنية بذلك. فثمة قلق لا شفاء منه يعانيه بعض المشاركين المفترضين في المؤتمر «من تدهور الوضع الأمني في لبنان، قد يؤدي إلى تطيير اللقاء، ومنع لبنان من الإطلالة على المنطقة والعالم عبره، وخصوصاً أن الهاجس الأمني لا يغيب عن بالنا»، تتابع جبور. وهو القلق نفسه الذي أدى إلى تطيير هذا المؤتمر العام الماضي في لبنان، بعد إتمام كل التحضيرات.
أما بعيداً عن الوضع الأمني المقلق، فقد ولد قلق آخر من انحسار مشاركة الخبراء العرب، فمن بين 150 خبيراً من العالم، هناك «فقط بضعة خبراء من 4 دول عربية هي: السودان والأردن والمغرب وليبيا». وهو أمر لا ينذر بالخير أبداً، فالمشاركة العربية في مؤتمر كهذا «كان يجب أن تكون هي الأوسع لأن نسبة ضحايا التعذيب فيها هي من بين النسب الأعلى في العالم، كما أن موجة الربيع العربي أسهمت في زيادتهم».
لكن، بعيداً عن الهواجس الطارئة والأساسية التي قد تعكّر صفو اللقاء، إلا أنه لا يمكن التغاضي عن الأهداف الثلاثة «المهمة»، برأي المنظمين، والتي تبدأ «بإيجاد فرصة لخلق حوار بين الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب مع المنظمات الأهلية، ودفعها إلى الإيفاء بالتزاماتها، وخصوصاً في ما يتعلق بالمادة 14 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنصّ على حق المعذبين في التأهيل والتعويض». وهو الهدف الأساس ربما، وخصوصاً أن «الدول، موقعة أو غير موقعة، لا تعترف بأنها تمارس التعذيب، وهي في حالة إنكار دائم له، ولهذا تغض النظر عن حقوق الضحايا».
أما الهدف الثاني، فهو «عرض برامج تتحدث عن كيفية تأهيل ضحايا التعذيب تقوم بها مراكز عدة في العالم». يبقى الهدف الثالث الذي لا يقل أهمية عن الهدفين السابقين، حيث سيجتمع الكل في «حلقة خاصة تتناول ضحايا التعذيب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووضع هؤلاء على أجندة المنظمات الدولية المعنية لتأمين الوصول إليهم».