أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله القرار الظني في قضية تزوير العقارات وبيعها في بسكنتا من دون علم أصحابها. حيثيات القرار في القضية التي أثيرت إعلامياً منذ نحو عام، جاءت مفصّلة وشاملة وأقرب إلى القرارات المدنية منها إلى الجزائية، لجهة الاسهاب في عرض الوقائع والتفصيل (٣٠ صفحة)، ثم انتهى بالادعاء على كل من المدعى عليهم ساسين خ.ح. ، شربل خ .ح.، والموظّفة في قصر العدل منى ب . ، وجورج م. جان ح. وروفايل ش. بجنايات تصل عقوبتها إلى أكثر من خمس سنوات سجن مع الأشغال الشاقّة.
بعد الانتهاء من سرد الوقائع، تُثير قراءة القرار ملاحظات حيال حماية نقابة المحامين في بيروت للمحامي هـ . خ. ح. الذي يتبيّن من حيثيات القرار أنّه يشتبه في لعبه الدور الرئيسي في عملية التزوير. إذ رفضت النقابة منح الإذن بملاحقته. كذلك برز تقصير قضائي فاضح لجهة عدم قيام القاضيين العقاريين في جبل لبنان بلال حلاوي ولبيب سلهب بالتدقيق في المستندات المُثبِتَة للملكية في متن محاضر التحديد والتحرير المتعلّقة بالعقارات المذكورة، قبل توقيعها وختمها وتثبيتها بحسب ما يفرضه القانون. وبذلك فإن « فعلة» هذين القاضيين، إن أُحسِن الظنّ، تُعدّ إهمالاً واضحاً يوجب المساءلة، إلّا أنّه لم يتم لحد الآن إجراء أي تحقيق قضائي في هذا الموضوع. كذلك لم تتحرّك هيئة التفتيش القضائي لمحاسبة المقصّر، أقلّه على غرار ما حصل في غيرها من القضايا. وبين هذه وتلك، يُسجّل للقضاء وصول واحد من ملفات الفساد إلى نتيجة أخيراً، بانتظار صدور حُكم المحكمة.
في هذه القضية، شُرِّع التزوير وصار له قيمة قانونية، بمجرّد توقيع القاضي عليه. بدأت القصّة منذ نحو سنة. كان أفراد عائلة حدّاد خارج الأراضي اللبنانية عندما علموا أنّ عقاراتهم في بسكنتا بيعت من دون علمهم، فانتقلت ملكيتها إلى شركة أرز صنّين. عاد هؤلاء للبحث في الدوائر العقارية، فلاحظوا انتقال ملكية عقاراتهم إلى أسماء آخرين. مساحة العقارات تبلغ نحو ستين ألف متر مربّع، وتعود ملكيتها للمرحوم جورج حدّاد المتوفّى عام ١٩٨٠، قبل أن تنتقل إلى ورثته. وقد قُدّرت أعداد العقارات بنحو عشرين عقاراً، شكّلت موضوع القضية المتنازع عليها. هكذا بُلّغ القاضي العقاري بعدما سأل أمين السجل العقاري عمّا يحصل، فأُحيلت القضية إلى النيابة العامة التمييزية. أُثير الملف إعلامياً، فعُرف بـ«فضيحة سرقة عقارات بسكنتا».
انطلقت التحقيقات، فتبيّن وجود إضافات في محاور التحديد والتحوير، بحسب ما أكّد تقرير المباحث الجنائية، علماً أنّ العقارات ممسوحة قبل العام ١٩٧٥. هذا في الشكل، أمّا في الخلفية، فيرجع أصل المشكلة إلى العام ٢٠١١. آنذاك طلب القاضي العقاري في جبل لبنان إحضار جميع صحائف العقارات التي لا يوجد اعتراضات عليها، أي لا خلاف على ملكيتها كي يُثبّتها. والتثبيت هنا يعني ختمها ليصدُر فيها سندات. لم يُعرف صاحب الفكرة، إلّا أن مجموعة أشخاص انتهزوا الفرصة ودوّنوا على محاضر التحديد والتحرير الخاصة ببعض العقارات إضافة تفيد بأن ملكية هذه العقارات انتقلت بموجب عقد تنفيذ وصيّة إلى كل من ساسين خ . ح. وجان ح . إثر ذلك، حملت الموظفة منى ب. الملفات المتلاعب فيها إلى القاضي، طالبة إليه تثبيتها. وبالفعل، ومن دون التأكّد من المستندات، قام كل من القاضيين بلال حلاوي ولبيب سلهب بتثبيت الملكية. ثُبّتت المحاضر بختم صحيح للقاضي العقاري، فانتقلت الملكية من المالكين الحقيقيين إلى المدّعى عليهم بعدما حصلوا على سندات تمليك. كل شيء استُعمل كان صحيحاً، باستثناء حصول التزوير في الإضافات. وقد عمد بعد ذلك المدّعى عليه ساسين ح . إلى بيع العقارات إلى شركة أرز صنين ش.م.م. ممثّلةً بمديرها سهيل أ. بموجب عقد بيع منظم لدى كاتب عدل، بمبلغ وقدره ثلاثة مليارات ومئتان وثلاثون مليونا وستمئة وثمانية وثمانون الف ليرة لبنانية.
في المحصّلة، لم يعترف أحد من المدعى عليهم بالتزوير، مستندين إلى أنّ القاضي العقاري أعطاهم الملكية بمحضر رسمي. وفي معرض التحقيق الأولي مع المدّعى عليه ساسين، أفاد بأنه لا علم له بما حصل وخاصة عملية التزوير، وأنه ورث هذه العقارات عن المرحوم عمه، وانه رجل شبه اميّ وقد سلّم المستندات كلها الى المحامي هـ.خ.ح. وهو من تكفّل بتخليص تلك العقارات، وأضاف أنّه كان يوقّع على الوكالات وعقود البيع والمستندات، بناءً على طلب ولده الوحيد المدعى عليه شربل خ.ح. وبالاستماع الى إفادة المحامي هـ.خ.ح. أفاد بأنّه علم من المدعى عليه شربل خ.ح. بملكية والده ساسين لبعض العقارات في بلدة بسكنتا، وقد أنجز له معاملة ازالة شيوع عن العقار رقم /2986/ بسكنتا لدى المحكمة الابتدائية في جديدة المتن، وافاد بأنه كان يحضر الى الدوائر العقارية في جديدة المتن لاسباب شخصية تتعلق بعمله نافيا حضوره الى الدوائر العقارية لاستلامه سندات تمليك تتعلق بالمدعى عليهما ساسين أو شربل.
إزاء ذلك، الدليل الوحيد الذي يُثبت الاضافة، كان تقرير المباحث الجنائية الذي ذكر أن الخط يعود إلى اثنين من المدعى عليهم. إضافة إلى حيازة المالكين الأصليين لوثائق قديمة تُثبت ملكيتهم. ورغم ذلك، لم يسأل أحد القاضي كيف وقّع. وسُجّل هنا لوكيلة الجهة المدّعية نقيبة المحامين السابقة أمل حدّاد مراجعتها كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد ووزير العدل شكيب قرطباوي لمطالبتهما بمساءلة القاضي كيف يُثبّت هذه المحاضر من دون أن يطّلع على المستندات، لكنّ شيئاً لم يحصل. يُشار إلى وجوب أن تُرفق المستندات التي تُثبت الملكية لكل عقار بمحضر على حدة. وفي حال يتعلّق المستند بأكثر من عقار تُرفق بالعقار الرئيسي.
أصدر قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله قراره الظني في هذه القضية طالباً إنزال عقوبات بحق المدّعى عليهم الرئيسيين تقضي بالسجن لمدد تتجاوز الخمس سنوات، علماً أن معظمهم لا يزال قيد التوقيف الاحتياطي. إضافة إلى آخرين موقوفين غيابياً. وفي المقابل، استعاض القاضي عبدالله عن توقيف المدعى عليهم الآخرين بتطبيق المادة ١١١، مانعاً عنهم المحاكمة بمواد الجنايات. بل طلب محاكمتهم بموجب جُنحة الإهمال وتسليم العقارات لغير أصحابها، بعدما كان قد وافق على إخلاء سبيلهم.