قد يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: عندما يلامس عدد اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من سوريا إلى لبنان حدود الستين ألفاً، فما الذي يمكن أن يحل باللاجئين الفلسطينيين الموجودين أصلاً هنا؟ كيف ستتعاطى عندها وكالة الأونروا مع أولوياتها؟ السؤال «صعب بما يكفي»، تقول المدير العامة للوكالة آن ديسمور.
مع ذلك، لا يخلو الأمر من وجود حلول، ولو بالتحايل. والمجال مفتوح للتخيّل هنا، فبين نهر البارد الذي لا نهاية لأزمته، التي خلفت وراءها إلى الآن 10 آلاف لاجئ في عين الحلوة وحدها، وبين الفلسطينيين اللاجئين من سوريا إلى مخيمات لبنان، والذين وصل عددهم حتى مطلع الشهر الحالي إلى 61500 لاجئ. بين هذه وتلك يحصل ما لا مفر منه: «التقلّب في الأولويات». وهو ما يحصل تماماً اليوم، حيث «علّقت» مؤقتاً نداءات إعادة الإعمار والعودة إلى نهر البارد، بعدما صار من «الصعب جداً تحصيل التمويل»، وبعدما وصلت أعداد النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى «ما لا تحمد عقباه»، قالت ديسمور، في معرض حديثها أمس عن «آخر المستجدات المتعلقة بأزمة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا ونداء التمويل الجديد الذي أطلقته الوكالة لتغطية الاحتياجات خلال الفترة الممتدة ما بين حزيران وكانون الاول المقبل». والأمر ينطبق على أمور أخرى، وإن بشكل غير مباشر، منها زيادة الضغط على مؤسسات الأونروا الطبية منها والتربوية وغيرها الكثير.
انتقل الصراع على الأولويات إذا. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني تعديل وجهة التمويل، من مكان إلى آخر «من دون أن يكون التأثير مباشراً وفاضحاً»، تقول. وعلى هذا الأساس، تنصبّ جهود الأونروا اليوم لتأمين احتياجات الهاربين من سوريا إلى لبنان، من الإيواء إلى المساعدات الغذائية والطبابة والتعليم، والأهم من ذلك كله حل مشكلة الاكتظاظ التي تنذر بكارثة على صعيد البنى التحتية التي هي أصلاً غير كافية لللاجئين «المقيمين» في مخيمات لبنان. فكيف الحال مع وصول 60 ألفاً؟
ربما، لأن الأونروا لم تكن تتوقع مجيء هذا العدد، خطت هذه الخطوة. ففي بال أهلها، كان التقدير بأن تصل الأعداد «إلى حدود 20 ألفاً»، مستندين «لجهود الأونروا في سوريا التي كانت تعمل على تقديم الخدمات برغم من صعوبة الوضع، لأننا لم يكن هدفنا إيجاد عامل جذب هنا في لبنان». لكن، أخطأت التقديرات. والأمر يعود، بحسب ديسمور، إلى «أن السوريين جربوا النزوح مرتين وثلاث مرات من منطقة إلى أخرى في سوريا، إلا أنهم لم يجدوا الأمان، ولهذا أتوا».
هذا الهروب وضع الأونروا أمام جملة من التحديات، لعل أهمها «الضغط على البنية التحتية في المخيمات ومحاولة تأمين المساعدات الطارئة من غذائية وغير غذائية». وقد حاولت «قدر المستطاع» تأمينها، وإن كانت في نظر اللاجئين غير كافية، والدليل الإعتصام المفتوح الذي دخل شهره الثالث أمام مبناها. مع ذلك، ثمة ما حققته الأونروا، وإن كان «لا يمكن وصفه بالإنجازات لكونها كلمة مبالغ فيها»، تقول ديسمور، فقد «قدمت 3 دورات من المساعدات النقدية، على أن تكون الدفعة الرابعة الأسبوع المقبل، كما طببنا حوالى 36 ألفاً». أما على الصعيد التربوي، فلا تزال الأونروا «مقصّرة»، إذ إن عدد الطلاب الموجودين في المدارس «3600 شخص، في وقت يفترض أن يكون هناك 13 ألفاً». وتبرر ديسمور هذا التقصير «بأن الأهالي كانوا يعتقدون بأن إقامتهم لن تطول هنا». ولكن، بما أنها طويلة، أقله إلى الآن، فتسعى الأونروا مع بداية العام الدراسي المقبل «للعمل على تشجيع الأهالي على إدخال أولادهم إلى المدرسة».
13 ألفا قد يصبحون في أية لحظة 15 ألفاً وربما أكثر. والأمر «رهن بالصراع»، تقول ديسمور. وهو الأمر الذي ينطبق على العدد الإجمالي لللاجئين. فهنا، لا رقم يمكن أن يكون نهائياً. ففي كل حين، هناك «زيادات». أما تقسيم اللاجئين على المناطق، فثمة «هجمة» على مخيمات صيدا تحديداً، إذ يقدر عددهم هناك 31% (17900). وهذا مبرر كون مخيم عين الحلوة هو الأكبر بعد البارد. وبعد صيدا، البقاع الذي يضم 11700 لاجئ، ومن ثم بيروت وصور. وللتجمعات والمناطق العادية حصتها من اللاجئين، فهذه أيضاً تضم عدداً لا بأس به منهم، وهو ما يطرح مشكلة بدلات الإيواء «الأغلى ثمناً» من المخيمات ومشكلة التواصل مع هؤلاء التي حلّتها الأونروا «بالتواصل معهم من خلال العناوين التي وضعوها في سجلاتهم والتي تدعو لتحديثها في كل حين».
أما التمويل، فله حديث آخر، فإلى الآن لم تأت النداءات والتي كان آخرها نداء جنيف (نداء لجمع 200 مليون دولار لحل الأزمة إقليمياً) بما هو مطلوب. فالتحصيلات إلى الآن لم تتعد نصف ما تحتاج إليه الأونروا في لبنان لتسدّ ثغر المساعدات الطارئة، إذ استطاعت إلى الآن جمع «27 مليون دولار أميركي ــ 4 ملايين منها لا تزال وعوداً ــ من أصل 45 مليوناً». أما المبلغ المتبقي فرهن بجهود الدول المانحة، وخصوصاً العربية منها.