أن تكون مصر أمّ الدنيا؛ ذلك يعني أنها تعرف وتفهم وتتحرّك في الدنيا، أقلّه في دنياها القريبة، بل في الجناح الشمالي لأمنها القومي، سوريا. لكن مصر، المنشقة بين التيار الديني والتيار المدني، مجمعةٌ على فقدان الوعي بما يتصل بالصراع الدائر، اليوم، في سوريا وعليها. رئيس الجمهورية، محمد مرسي، منحاز، كإخواني، إلى الهجمة الغربية التركية الإسرائيلية الخليجية البربرية، على الشام، لا يهمه أن تقع خاصرة مصر هذه في فراغ الفوضى والدمار والهيمنة الإسرائيلية وتفكيك المقاومة العربية، ما يهمه هو أخونة سوريا، ولو مفتتة، ولو تابعة للبيت الأبيض والسلطان العثماني، بل ما أحلاها، عنده، تابعة لبني عثمان!
لكن، ماذا عن رئيس المعارضة، حمدين صبّاحي؟ يرى الحرب السورية، «حربا إقليمية بالوكالة، يدفع ثمنها الشعب السوري». يعني ذلك أنه يساوي بين طرفيّ الصراع! ولكن، مَن هما هذان الطرفان؟ ألا يجد صبّاحي فارقا بين السعودية وإيران؟ بين التحالف التركي ــــ الإسرائيلي وحزب الله؟ بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي؟
هذا مظهرٌ أول لعمى الألوان السياسي لدى صبّاحي، لكن أخطر ما تنطوي عليه هذه المقاربة، هو تلك النظرة الاستعلائية نحو الدولة السورية التي يراها المعارض المصري البارز، مجرّد أداة لقوى إقليمية!
مهلا صبّاحي... اعرفْ، أولاً، أنني حزين للانهيار المصري الطويل؛ لكنني مضطر لأن أقول لك إن الدولة السورية ربما تكون انجاز العرب الوحيد الباقي. وهي حققت، في أصعب الظروف، من الانجازات، ما يجعل المصري مثلك، والأردني مثلي، يشعر بشيء من التواضع حيال الدولة التي لم تركع أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، واستمرت، ولا تزال، تقاتلهما وتتحداهما. أأذكرك بأن الجيش العربي السوري واصل القتال في حرب تشرين 1973، شهرين، بعدما صمتت المدافع في سيناء؟ أأذكرك بأن دمشق ردت على كامب ديفيد بدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية ؟ وبالاشتباك المباشر الشجاع مع الجيش الإسرائيلي في الـ 82 في لبنان؟ وهي لم تغادر ساح النضال ضد الاحتلال الأطلسي في 1983 وواجهت بوارجه وطائراته، وتحملت كل أعباء المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية حتى بدأت حكاية التحرير الطويلة والمنتصرة العام 2000 مع حزب الله.
الراحل حافظ الأسد «مات... ولم يوقع»، ولم يستطع أحدٌ بعده، في سوريا، ولن يستطيع أحد مخالفة هذا الإرث، إلا إذا سقطت الدولة الوطنية السورية التي انتقلت، مع الرئيس بشار، من دعم المقاومة إلى الشراكة معها من موقع الدولة؛ أفتعلم ماذا يعني ذلك؟ وما هو انجازه؟ وما هي كلفته؟ انجازه نصر 2006، وانكفاء الغزاة عن غزة 2009، وكلفته الحرب الهمجية القائمة منذ سنتين ضد سوريا.
خيار دمشق الاستراتيجي المتمثل في أولوية المواجهة المستمرة مع اسرائيل والمشروع الصهيوني، وضع أساس تحالفها المديد القوي مع إيران، الثابتة في عدائها لإسرائيل، لكن سوريا، الدولة القومية المستقلة، ومن دون أن تمس تحالفها مع طهران، أخذت، منذ 2003، خيارات مختلفة عن خيارات الإيرانيين في العراق. وضعت الشام كل ثقلها وراء المقاومة العراقية، وراهنت، حتى حافّة الهاوية، على استراتيجية طرد الغزاة من بلاد الرافدين. وهي تدفع، اليوم، ثمن ذلك التحدي الكبير.
دعك من ذلك كله، ودعني أحدّثك عن شيء آخر يهمك: الدولة السورية المستقلة لا تثقلها ديون خارجية أو داخلية، ولا يبهظها عجز في الميزانية. وهي الدولة العربية الوحيدة التي تتمتع، ليس فقط بالأمن الغذائي، وإنما بفائض في الانتاج الزراعي، وتغطي احتياجاتها الاستهلاكية من انتاج مصانعها، سواء التي يملكها قطاع عام قوي أو التي تطوّرها بورجوازية وطنية حديثة. ورغم كل ذلك، بل قل بسبب ذلك، فإن لدى السوريين الفائض اللازم للتسلح وتصنيع السلاح.
تحتاج مصر إلى تصحيح ثورتها، في ظل نظام وطني تنموي، وربما عقدين كاملين من الجهود الحديثة، لكي تلحق بانجازات النظام السوري... التي يسعى أمراء الظلام لتدميرها، ويناضل بواسل الجيش العربي السوري للحفاظ عليها، ومنح الجيل الآتي فرصة تصحيح الأخطاء وتطوير النجاح.
أنجرؤ، بعد ذلك، على المساواة بين نظام الرئيس بشار الأسد وبين عصابات المرتزقة والإجرام والخراب والعمالة؟
يدعم صبّاحي خياراً شعبياً ثالثاً في سوريا؛ فما هي معاييره وأولوياته؟ إذا كانت معاييره هي التحرر الوطني والاستقلال والسيادة، وأولوياته هي الصراع مع إسرائيل وتعزيز الدفاع والتنمية الوطنية؛ فالنظام السوري الممقرَط هو الخيار. أما إذا كانت معايير «الخيار الشعبي» وأولوياته، حبيسة المحلية والليبرالية؛ فإن الموقع الجيو سياسي لسوريا لا يسمح لها بالمحلية، كما أنه ليس، في سوريا، ليبراليون، بل مجرمو القاعدة.
17 تعليق
التعليقات
-
لن تعود مصر أم الدنيا حتىلن تعود مصر أم الدنيا حتى تصطف مع كبير الشبيحة؟
-
حتى لو لم تكن مصر أم الدنيا،حتى لو لم تكن مصر أم الدنيا، فإنها لن تكون أم التشبيح كما تشتهي يا سيد حتر.
-
يسلم تمك... لقد كتبت وعبرتيسلم تمك... لقد كتبت وعبرت عما أفكر فيه تماما ويؤلمني. مشكلة المصريين أنهم وللأسف شديدو الانشغال بأنفسهم ولا يرون أبعد من أنوفهم وقد لا يستشعروا الخطر حقيقة إلا والطوفان على أبوابهم..
-
المقال ممتاز!شكرآ، أستاذ ناهض!
-
إلى العربي الشريف!!!ياسيّدي لديك عدة احتمالات:إما تعرّف لنا مفهومك للشرف لنر إن اتفق مع مفهومنا ,وإن كان الجواب نعم فأعتقد عليك حينها تغيير اسمك الذي اعتمدته هنا وإن اختلفنا على التعريف فاختر حينها ماشئت من أسماء بداية بالشريف أو الوطني أو أي تعريف آخر ! عموما بعد قراءة تعليقك لاعجب أن تطلق على نفسك اسم العربي الشريف بعد أن أدركنا مفهوم الشرف من تعليقك ! وهنا لابد أن أشكّك أيضا بكلمة العربي ! إقرأ الكثير من الكتب عربيّها وأجنبيّها لتعرف من الذي خان في الحرب على الصهاينة ومن الذي قرر الاستسلام في وقت كان الجيش يحقق فيه الانتصارات ومن الذي اتخّذ خطوة الانسحاب تلك وترك الآخر بين فكّي كماشة ؟ يعني أن تسمي نفسك ماتشاء فأنت حر ولكن أن تزوّر التاريخ في تعليقك فذاكرتنا ليست قصيرة بالشكل الذي تتصوّر ! وثانيا والقول لحسنين هيكل الذي قال بأن شروط استعادة سيناء كما تمّت أكثر إذلالا للمصريين من بقائها محتلّة إلى حين ! فهل لك ياسيّدي أن تعرض هنا بنود ذاك التحرير واستعادة سيناء الذي اسميته حضرتك بالشطارة !قلب المفاهيم بينك وبين نفسك كما فعلت وأسميت نفسك أو أطلقت على استعادة سيناءو بات الذلّ شطارة وبات الشطارة شرفا امر ليس بذي أهميّة ولكن أن تزوّر التاريخ فمهلا لن يمرّ بسهولة
-
مصر ام الدنياعندما يصبح الدين وسيلة قتل وتدمير، وعندما يصبح الدين وسيلة لإعادة استعمار بلادنا من أعداء ديننا وعروبتنا، عندها يجب ان نفكر في أصول وعقيدة هؤلاء الحكام الواصلين اللذين يضمرون الشر لعروبتنا وليس لسوريا فقط ، بل مصر وغيرها أيصاً! العثمانيون ليسوا عرباً وديننا عربي المنشأ واللغة، العثمانيون دمروا الثقافة العربية وفرضوا الجهل ل 400 عام على بلادنا، بحجة الإسلام والخلافة... حاولوا فرض لغة هجينة ( لأن الأتراك لالغة أصلية لهم بل لمامة لغات متعددة بقيت ضحلة لم يتمكتوا حتى من فهم لغة القرآن التي سرقوا منها وشوهوا ألفاظها وحرّفوها) لغة أسموها تركية وفرضوا التتريك على بلادنا ، اغلقوا المدارس وكل مايمت بصلة للعلم، إنهم يكرهون السوريين لأنهم منارة العلم أعطوا أول أبجدية للعالم وعلموا العالم الأعداد واخترعوا الصفر، والسوريين فرضوا على الأتراك الإسلام منذ أن جاؤوا لتدمير بلادنا بدءاً بهولاكوا الذي دمر أعظم مكتبة في التاريخ في بغداد عاصمة امبراطوريةالعرب والإسلام لأنها بلد الآشوريين (السوريين) التي شملت كامل تركيا الحالية ومنذ 6000 عام... السيد مرسي لايمانع تدمير سوريا حتى ولو على يد الأتراك أو الصهاينة، يتملّكه الحنين إلى جذوره الأثيوبية من قبيلة مرسي البدائية (ومازالوا حفاة عراة) ...فكيف سيخدم العروبة أو الإسلام، إنه يخدم أسياده اللذين أوصلوه الى الحكم.
-
شكراً للمُناضل ناهض،فقد كفيتنا عناء الرد على المًرتدً حمدينإن المحن تُظهر معادن الرجال،فناهض حتًر مناضل أصيل،أما المدعو حمدين صبًاحي فهو "سمسار سياسة".انشق عن الناصريين الأنقياء،وراح يتسكًع،اولاً على أبواب صدام حسين،في مقابلة متلفزةتباهى بالدفاع عن الديمقراطية في الوطن العربي من بغداد،لأنه اعترض على التوّريث في سورية!!!ثم يمّمَ شطر القذافي طالِباًالترياق بعدما افتقده في العراق،وبعد سقوط القذافي شد الرحيل نحو قطر حيث التقى "دعيّ الناصرية" و"تابع الحمدين" عزمي بشارة الذي يسّر له أمره مع حكام قطر فاندفع في حملة قذرة على الدولة السورية،خلافاًلمواقف كافةناصريي مصر.فيا حمدين!قل لي من تحالف!أقول لك من أنت!!!من حلفائك:محمد البرادعي وعمرو موسى وسواهمامن "أصدقاء أميركا والسعودية" وUSA الصديقةالصدوفة لابنتها "إسرائيل"فشكراً للصبّاحي على هجومه على سورية،لأنه الدليل على صحة خطها.
-
اعجبني 100/100 هذا الرداعجبني 100/100 هذا الرد
-
يا راجل قول الحق أين سيناء الآن ؟ ,اين هي الجولان ؟يا راجل هو لولا الرئيس السادات كانت سوريا أصلا حاربت أو دخلت حرب ، انظر يا أخي الى سيناء الأن وقد عادت ألى مصر كبيرة عزيزة ،، وانظر إلى الجولان مازالت محتلة مُغتصبة ، أربعين سنة مرت وسوريا لم تطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان ،،،،،كم مرة اقتحمت اسرائيل المجال الجوي السوري منذ عهد الأسد الكبير ولم تحرك سوريا ساكناً ، كل ما كانت تفعله هو تصريح يتيم بقولكم " نمتلك حق الرد " ،،،، استاذي ، الشاطر هو من استعاد ارضه فقط بعد ست سنوات ،،، أما اصحاب الكلام فقط مازلت أرضهم غائبة من 46 سنة ، ولا أدري كم سنة أخرى سينتظرون حتى تأتي لهم الشجاعة لتحريرها ، أم نسيوها بكامل حريتهم للأبد
-
ناهض حترتحمل هذه الايام في طياتها الكثير من الآلام والحزن على الوضع العربي المتردي من نواحيه كافة وخصوصا على الصعيد السياسي فاضحى بنظر النظام العربي العميل شريفا والشريف عميلا انقلبت المقاييس وتحكمت الاهواء والمصالح بالسياسة الخارجية لللانظمة العربية حيث اضحى المال هو الحاكم وهو الميزان حتى بعض اقلام من كانوا يحسبون على التيار القومي العروبي بيعت بابخس الاثمان ، وقل ما نجد في هذا الوقت العصيب التي تمر بها امتنا العربية والاسلامية كلمة حق تقال عما يجري من الاحداث الاليمة التي تعصف بالدولة الابية والممانعة سوريا ، فتحية اكبار لهذا الكاتب والمثقف والصادق والشريف ناهض حتر على هذا الصدق والشفافية التي تنضح من قلمه المقاوم .
-
مقال جميل ومفيد استاذ ناهضمجددا حين يكتب الاستاذ ناهض حتر عن امور غير الاردن يكون كلامه جميلا ونقيا وفي الارجح لا غبار عليه. اكتب لنا استاذ ناهض عن هذه الامة وحاضرها ومستقبلها احسن وافيد للجميع وشو بدك باختراعات وهمية هلامية كالاردن وما يشبه الاردن. ذلك كلام ضائع في امر ليس منه من امل ولا ترتجى منه نتيجة. خلينا بالمفيد، مثل سوريا مثلا.