برلين | استضافت العاصمة الألمانية برلين الثلاثاء الماضي مؤتمر مجموعة الاتصال الدولية من أجل أفغانستان، للمرة الأولى منذ أربع سنوات، حيث تركز البحث على كيفية دعم الحكومة الأفغانية بعد الموعد المقرر لانسحاب قوات الحلفاء منها في العام 2014 والمهام التي ستناط ببعض الوحدات العسكرية الأجنبية التي ستبقى في أفغانستان إلى ما بعد ذلك التاريخ. وفي هذه المناسبة، دعا وزير الخارجية الألماني، غيدو فيسترفيله، ضيفه الرئيس الأفغاني حميد قرضاي، إلى الاضطلاع بدوره وبذل المزيد من الجهود لمكافحة الفساد والالتزام بحقوق المرأة والأقليات وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة العام المقبل.
لكن المجتمعين في برلين لم يبحثوا ظاهرة انتشار زراعة الأفيون في أفغانستان في ظل القوات الأجنبية في البلاد، على الرغم من أن تقريراً صدر الشهر الماضي عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات يشير بوضوح إلى أن إنتاج الأفيون في أفغانستان سيحقق هذا العام رقماً قياسياً جديداً للسنة الثالثة على التوالي، حيث ستصل نسبة انتاجه إلى 90 في المئة من حجم الانتاج العالمي، بعدما كانت النسبة العام الماضي 75 في المئة.
يحدث كل ذلك تحت أنظار قوات التحالف في أفغانستان، وخاصة جنوب البلاد في إقليم هلمند وقندهار، إذ يتهم الصحافي الأفغاني عمران فيروز، قوات التحالف بالتشجيع على زراعة الأفيون والمشاركة في تهريبه، مستنداً إلى تقارير نشرتها صحيفة «الإندبندنت» البريطانية قبل عدة أعوام تحدثت عن العثور على أكثر من طن من الكوكايين في إحدى طائرات وكالة الاستخبارات الأميركية التي تحطمت في نيكاراغوا عام 2004.
ويعتبر فيروز أن ما تفعله وكالة الاستخبارات الأميركية في أميركا الجنوبية تقوم به أيضاً في افغانستان بهدف تمويل العديد من عملياتها عبر تهريب المخدرات والاتجار بها. ويذكّر فيروز بأن حركة طالبان نجحت في العام 2000 في محاربة زراعة الأفيون وتمكنت من تقليص حصة الأفيون الأفغاني من حجم الانتاج العالمي إلى أقل من عشرة في المئة، بعدما أعلن الملا عمر الحرب على هذه الزراعة في حينه باعتبارها معارضة للديانة الإسلامية، لتعود إلى الازدهار في العام التالي أي بعد دخول الحلفاء إلى البلاد وطرد جماعات طالبان.
وأكدت تقارير سابقة لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات أن زراعة الأفيون في أفغانستان ارتفعت في العام 2002 بعد عام من الغزو الأميركي بنسبة 65 في المئة مقارنة مع ما كانت عليه في ظل حكومة طالبان عام 2001. ويعتبر الصحافي الأفغاني أن الأمر لا يثير الاستغراب إذا ما عرفنا أن عائلة الرئيس الأفغاني قرضاي هي من يتحكم بتجارة الأفيون في البلاد فقد كان أخو الرئيس أحمد والي قرضاي، المعروف بعلاقاته مع وكالة الاستخبارات الأميركية يدير ملف تجارة الأفيون قبل مصرعة في هجوم عام 2011 ومن ثم حل أخوه قيوم مكانه بعد ذلك.
من جهتها، نقلت «الغارديان» عن مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات في أفغانستان، جان لوك لومايو، قوله «إن المواطنين الأفغان يسعون لتأمين مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم عبر هذه الزراعة خاصة وان الأوضاع الاقتصادية مزرية، كما تراجع حجم مساعدات التنمية الدولية، من دون أن ننسى طبعاً المخاوف من اندلاع حرب أهلية بعد انسحاب قوات التحالف وما يعنيه هذا الانسحاب من تراجع موارد الكثيرين ممن يعملون مع هذه القوات أو يستفيدون مادياً من وجودها».
ويشير لومايو إلى أنه في ظل التسهيلات التي يوفرها تجار الأفيون للمزارعين تصبح هذه الزراعة مغرية، فالتجار يتكفلون بسعر البذار والأسمدة ويدفعون ثمن المحصول مقدماً، كما يسمحون للمزارعين بإرجاع هذه المبالغ بالتقسيط المريح إذا ما اتلفت السلطات المحصول.
ولكن السلطات الغارقة في الفساد ليست في هذا الوارد، فنصف عائدات الأفيون تذهب إلى جيوب كبار موظفي الدولة وعصابات التهريب، وحتى إلى حركة طالبان التي عادت لغض الطرف عن هذه الزراعة مقابل الحصول على حصة من الأرباح بعد نضوب مواردها المادية.
ويقدر خبراء من الأمم المتحدة وأفغانستان أن حركة طالبان وحدها تجني سنويا زهاء 75 مليون دولار من تجارة الأفيون. أما التقرير الدولي فيقدّر أن صادرات الأفيون الأفغاني بلغت أكثر من 5800 طن في العام 2011 بينما وصل حجم العائدات العام الفائت إلى أكثر من مليارين ونصف المليار دولار. وهذا يعني أن أرباحاً تفوق أضعاف هذا المبلغ تم تحقيقها في الأسواق العالمية بعد تحويل الأفيون إلى هيرويين، الذي يفوق سعره ثلاثة أضعاف سعر الذهب.
ويشير التقرير إلى عدد من الأسباب التي تشجع على انتشار هذه الزراعة أهمها قلة حجم الأراضي الزراعية والتي تقدر بستة في المئة من مساحة الدولة ومعظم هذه الأراضي غير مروي بشكل جيد. ويضاف إلى ذلك اتجاه أكثر من ثمانين في المئة من السكان للعمل في الزراعة مع غياب الدعم اللازم للمزارعين لاعتماد زراعات بديلة. انسرت:
عائلة الرئيس الأفغاني هي من يتحكم بتجارة الأفيون في البلاد