تقع تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بشأن تسليح «المعارضة الديموقراطية» في سوريا، على الحدود الفاصلة بين الصفاقة الإمبريالية والغباء أو التغابي الأميركي المعتاد؛ فالمعارضة التي تحمل السلاح ليست معارضة، بل حركة تمرّد، أما القوى التي يمكن وصفها بالمعارضة، فهي تقع في ثلاثة عناوين، أولها يغلّب البعد الديموقراطي، كما هي الحال بالنسبة لـ «هيئة التنسيق» ــــ وحلفائها ــــ المستعدة لحوار، وفق الثوابت الوطنية، مع النظام السوري، وثانيها يغلّب البعد الاجتماعي الوطني، كما هي الحال بالنسبة لـ «جبهة التحرير والتغيير» ــــ وحلفائها ــــ وهي تحاور الحكومة السورية من داخلها، وثالثها يتمثل في طيف واسع من المستقلّين الذين يعبّرون عن حساسيات اجتماعية وسياسية وثقافية متعددة. وقد بدأ الكثيرون منهم أشكالاً من الحوار البنّاء مع المسؤولين السوريين. والمفارقة أن كيري وسواه من المسؤولين الغربيين والأمميين والعرب، لا يلتقون بأي من عناوين المعارضة السورية تلك، بينما يواصلون النفخ في قربة المتمردين المسلحين، وجلّهم من الإرهابيين.
يريد كيري، من خلال دعم التمرد بالأسلحة والأموال، دفع الرئيس بشار الأسد إلى الواقعية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، أي، عملياً، هزيمته من خلال المزيد من الضغط العسكري والأمني على الجيش العربي السوري والسوريين، بل قل من خلال المزيد من المفخّخات والانتحاريين والقتل الجماعي للعائلات والخطف وتدمير المؤسسات والبنى التحتية. ولكن، ما الجديد، في كل ذلك، يا جون كيري؟ حلفاؤكم في أنقرة والدوحة والرياض، يجرّبون هذا الحل منذ سنتين، بلا جدوى، أم أن شهوة الإمبريالي لتحطيم بلد مستقل وشعب أبيّ ودولة وطنية، لم تشبع بعد؟
يلحّ كيري على ألاّ تصل المساعدات الأميركية القاتلة للمتطرفين! أهلاً! فقط ستذهب الصواريخ والقنابل للتنسيقيات التي يقضي أعضاؤها لياليهم في مناقشة أفكار جان جاك روسو، وسبل تطبيقها في سوريا! أي للمقاتلين «الديموقراطيين» الذين طلب معاذ الخطيب، من المجتمع الدولي، ألاّ ينظر إلى «لحاهم الطويلة»، بل إلى دمائهم المسفوكة في سبيل الحرية، خصوصاً حرية تدمير قواعد الدفاع الجوي لمصلحة إسرائيل وابتزاز أهالي المخطوفين والاستيلاء على الحسينيات وتذبيح المسيحيين والعلويين والشيعة والسنّة الذين يرفضون الوهابية، أي حريّة المجرمين المهلوسين المحاطين بالرعاية الغربية والخليجية والعثمانية.
لكن الإمبريالي كيري لم يبلغ في حقده على سوريا مبلغ شريكه الخطيب، فهذا عاد يكرر نغمة «الفصل السابع» لفرض «ممرّات آمنة» تمزق وحدة سوريا الجغرافية والسياسية، وتحوّل البلد إلى كانتونات طائفية. يشتهي الماسوشي / السادي ــــ كما أسلافه من خدم الجنرال غورو ــــ عدواناً استعمارياً يلذّه، ويلبي هدفه الحاقد في تفكيك الدولة الوطنية والجيش الوطني في سوريا. هذا هو الهدف «الديموقراطي» للتمرّد وداعميه.وكان كذلك طوال السنتين الماضيتين. ولكيلا نظلم رئيس «ائتلاف الدوحة»، فهو يقترح على الرئيس الأسد حلاً سلمياً ينجز الهدف ذاته، ويقضي برحيل الرئيس والنظام والدولة والجيش، وتمكين العصابات الإرهابية من رقاب الشعب السوري وشعوب المنطقة.
في حفلة التكاذب بين المستعمر والخائن، يبدّد الثاني هواجس الأول بكلمتين: مقاتلونا «مسالمون اضطروا لحمل السلاح (...) ومسلمون، ولكن ضد الفكر التكفيري»! وسيصدّق الأول، بل يريد أن يصدّق الأكذوبة، ويغض النظر عن المعلومات التي يعرفها جيداً جداً، وأكثر من سواه. وهي أن أربعة أخماس التمرد في سوريا، تقع تحت سيطرة التكفيريين بالذات، بل إن التمرّد من دون «جبهة النصرة» لم يعد ليقف على قدميه، ثم ما هو ذلك الفارق النوعي، الفكري والميداني، بين إرهابيي «النصرة» وإرهابيي «لواء التوحيد» الإخواني؟
أقلّه، كان على كيري أن يطلب من الخطيب، إدانة علنية لـ «جبهة النصرة» والتفجيرات الانتحارية في الأحياء السكنية المسالمة فعلاً. ولكن لا كيري يريد، ولا الخطيب يستطيع؛ فالإرهاب هو السلاح الرئيسي اليوم في مواجهة الدولة والمجتمع السوريين، ومنع التسوية الوطنية الديموقراطية التي غدت ممكنة، اليوم، في سوريا. وهي غدت كذلك، بعدما توصلت كل أطراف المعادلة الداخلية إلى ضرورة البحث عن مخرج وإنقاذ الجمهورية المدنية من براثن الوحش الإرهابي الهائج.