يحتفل موارنة لبنان غداً بعيد مار مارون. مناسبة تحولت لبنانياً إلى صورة ظلت تجمع رئيس الجمهورية ورئيسي الحكومة ومجلس النواب، حتى خلال أشد الأزمات عصفاً بلبنان.
لكنها، للموارنة، لا بد أن تتعدى الصورة التذكارية، لتتحوّل مع كل الخضّات والاستحقاقات والانقسامات التي مروا بها، إلى مناسبة لمراجعة شاملة لدورهم في لبنان «للدفاع عن قيم الحرية بكل أبعادها الروحية والسياسية والاجتماعية والثقافية وقيم العيش المشترك» بحسب المجمّع الماروني، بما يتخطى الكلام ليصبح واقعاً فعلياً.
سيكتفي الموارنة هذه السنة بالاحتفال في لبنان، لا في براد أو قبرص حيث موارنتها يستذكرون قراهم في المقلب التركي، أو حتى الفاتيكان حيث رفع تمثال القديس مارون. وهم يحتفلون بالذكرى بعد طول انقسامات ــــ بدأت بمجزرتي إهدن والصفرا والانقلاب على الاتفاق الثلاثي، ولم تنته مفاعيلها بحرب الإلغاء ــــ بالتوحد حول المشروع الأرثوذكسي الذي يناقض كل ما حدّده المجمع الماروني من أن العيش المشترك «يتخطى مستوى التساكن أو التعايش، فهو نمط حياة يوفّر للإنسان فرصة التواصل والتفاعل مع الآخر».
ويحتفل الموارنة، أيضاً، بإعلان ذهاب بطريركهم إلى طرابلس وكأنها عصيّة عليهم وخارج حضورهم اليومي، وهي التي يعدّها موارنة زغرتا وعكار امتداداً طبيعياً لتاريخهم المشترك وعيشهم اليومي مع أبناء المدينة الأصليين. ويحتفلون، أيضاً، بعيد مؤسس الطائفة المارونية، وقد تراجع مستوى تمثيلهم إلى الحد الذي لا يمكن معه أن يتركوا في كتب تاريخهم الحديث مآثر تذكر. يستعيد الموارنة الذكرى وهم مشغولون عمّا يجري في سوريا من حرب حقيقية ترخي بثقلها على لبنان، بانتخابات الرابطة المارونية، وبتحسين علاقات زعاماتهم الروحية والمدنية برجال الأعمال والمال على حساب مفكري الطائفة ومثقفيها.
ثمة مراجعات كثيرة تقوم بها شخصيات فكرية مارونية للدور الذي أدّته الطائفة قبل الحرب وخلالها وبعدها، وهو كلام يعني الموارنة انفسهم قبل الطوائف الأخرى. والأكيد أن ثمة حلقات نقاش أشد صلابة وحضوراً من كثير من العظات التي تلقى عن دور لطائفة، لا تبدو اليوم مأزومة كما هي حال الطائفتين السنية والشيعية.
يقول الأب المفكر ميشال حايك إن «المارونية مشروع حرية يشكل لبنان رمزاً له». ومن هذا المنطلق لا تبدو «المارونية السياسية»، في نظر الباحثين الموارنة، كمصطلح أطلقه المفكر منح الصلح في السبعينيات، بالمعنى السيئ الذي سوق له أو حتى كما أصبح بعض الموارنة يتعاملون معه كتهمة. وهو مصطلح باتت بعض شخصيات الطائفة السنية تحاول تدوير زواياه لتتهم به الطائفة الشيعية، من دون أن يقدم أحد على إلصاقه بالطائفة السنية، التي أدت في الحرب وما قبلها وما بعدها، وبالأخص مع الرئيس الراحل رفيق الحريري، دوراً مركزياً أداه الزعماء الموارنة قبل 1975 ليطلق عليه لاحقاً زمن الحريرية السياسية.
في زمن المارونية السياسية التي أُريد لها أن تدفن، أنتج المجتمع اللبناني صعوداً مطرداً لقيادات مسيحية متنوعة، وزعامات سنية، وبداية نهضة شيعية، وكان هناك حوار ونقاشات حيوية ومسرح وشعر وأدب وموسيقى. في عهود المارونية السياسية انطلقت الجامعات الخاصة التي تضم اليوم طلاباً من مختلف الطوائف، والجامعة اللبنانية التي كتب لها أن تغرق بالتخمة في زمن الميليشيات، وأن يحاول الآخرون دفنها في عهد حكومات ما بعد عام 1990. ولم يكن تاريخ لبنان في سنوات المارونية السياسية تاريخ دم وحروب وفتن داخلية، بل سنين مديدة من الانتخابات والحركة السياسية القائمة على الحرية والديموقراطية التي أنتجت أحزاباً وحركات يمينية ويسارية، تكاد تندثر في زمن الزعامات المنتشية بنصر حكم لبنان بثلاثة رؤوس.
في زمن المارونية السياسية وضع الرئيس كميل شمعون أسس لبنان الحديث المنفتح على الغرب والشرق، وكرّس الرئيس فؤاد شهاب أسس الدولة بكافة عناصرها وقوانينها العصرية ومؤسساتها التي أضحت في زمن الحرب، ولا تزال، إقطاعيات للميليشيات وورثتها. في ذلك الزمن كان كاظم الخليل وسليمان العلي ومحمود عمار نواباً على لائحة واحدة مع شمعون، وفيه لم تشتر المارونية السياسية أراضي مطوبة لها، ولم تعط الجنسية اللبنانية لمئات آلاف من المغتربين المستحقين الذين يحاول النواب الموارنة اليوم عبثاً إمرار قانون لاستعادتهم الجنسية. ولم تحتكر المارونية السياسية وسط بيروت لها، ولم تنشئ إمبراطوريات على حساب الدولة. رحل كميل شمعون وفؤاد شهاب وإلياس سركيس من دون أن يثروا من الدولة ومشاريعها.
أخطاء المارونية السياسية قد تكون كثيرة وكتب عنها الكثير،. لكن زمن المارونية السياسية، بحسب أحد الباحثين الموارنة، أرقى بكثير من زمن الناصرية السياسية أو البعثية السياسية في الدول التي انطلقت وحكمت فيها. وقد تكون ثمة ممارسات كثيرة ترتكب اليوم لكثير من السياسيين على اختلاف طوائفهم، لم تكن وليدة أخطاء المارونية السياسية، بل من مخلفات البعثية السياسية خلال الوجود السوري في لبنان.
ولعل الخطأ الأول أنّ موارنة لبنان، قبل الطوائف الاخرى، يتصرفون اليوم وكأنهم ورثة أخطاء فحسب. ولا يزالون يجلدون أنفسهم رغم أن الأعوام الماضية دلت على أن الطوائف الأخرى حين تحكم تكون أشدّ فتكاً بلبنان ونظامه السياسي، من حرب الجبل إلى عهد الحريرية السياسية إلى 7 أيار.
6 تعليق
التعليقات
-
يمكن الكاتبة عايشة في المريخيمكن الكاتبة عايشة في المريخ لانه علي الكرة الأرضية مافي هاليوتوبيا. يمكن نسيت عن قصد أو غير قصد كل الدماء يلي كانوا سببها ونسيت تعامل المارونين مع إسرائيل وأعداء آلامة العربية. يمكن نسيت كمان انهن دائماً بيعتبروا حالهن فينيقيين وماهن جزء من هالوطن المبتلي بمؤامرات أهله قبل الغريب
-
لماذا نكران الواقع التحليللماذا نكران الواقع التحليل فيه الكثير من الصواب مع طموحنا الدائم الى نظام أعدل، مثلاً لم يكن هناك أي معتقل سياسي في لبنان زمن المارونية السياسية قياساً بالدول المجاورة وكان هناك حرية صحافية واسعة لم تكن موجودة بالجوار أيضاً أما اجهزة الدولة الحديثة من مثل التفتيش المركزي والخدمة المدنية وغيرهم لم يكن يحلم فيهم أي انسان عربي وكلنا نذكر انه عندما اعتكف رئيس الوزراء لم يكن بمقدور رئيس الجمهورية متابعة الحكم، لقد استقالت طائفة كاملة من الحكومة بأيام السنيورة فتابع حكمه وكأن شي لم يكن عندما اندلعت الحرب كان هناك أكثر من تسعة ملايين أونصة ذهب في البنك المركزي واحتياط كبير في مؤسسة الضمان الاجتماعي هذا غيض من فيض وعلى الذين ينتقدون تلك الفترة عليهم تبيان انجازاتهم وماذا عملوا بالبلد عندما وصلت اليهم السلطة.
-
المارونية السياسية هي سبب كل ما عصف في لبنان.انا لا اقول تحليلات ولا تكهنات انما انقل احداث حصلت ووقائع حدثت. إن كل ما حصل في لبنان لعبة بين فرنسا من جهة وبيار الجميل وبطرس صفير من جهة ثانية.والذريعة كانت الوجود الفلسطيني في الظاهر وفي الباطن الدخول الصهيوني على خط الازمة. ولكن العتمة لم تكن كما يريد الحرامي. وكانت كارثة على امريكا وفرنسا والمارونيةوفيما بعد اصبحت لعنة ابدية لم ترفع حتى جاء البطريك الراعي وحتى هذه اللحظة يحاول جادا إزالة تبعياتها...
-
"ولم يكن تاريخ لبنان في سنوات"ولم يكن تاريخ لبنان في سنوات المارونية السياسية تاريخ دم وحروب وفتن داخلية". كأن الكاتبة تعيش في بلد أخر. ما كان سبب حروب إل ٥٦ وال٧٥.
-
وللله ال MTV والمسيرة ماوللله ال MTV والمسيرة ما سبقوها للمدام على هيدا التحليل. المارونية السياسية مسؤولة عن عدم قيام دولة مدنية في لبنان مما يفسر كل شي صار من الاستقلال الى اليوم.