منذ انفجر السجال على قانون الانتخاب في مجلس النواب وخارجه، بدا تيّار المردة ورئيسه النائب سليمان فرنجيه بعيدين عنه. كان في قلب اجتماعات بكركي، وفي صلب التوافق على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، وتفادى الخوض في الجدل. بعض أسباب الإنكفاء مآخذ فرنجيه على حلفائه، والبعض الآخر على الأفخاخ المتبادلة في إدارة معركة القانون. يعترف بأنه تساهل مع حلفائه أكثر مما يقتضي.
يستعير العبارة المألوفة: الصبي الذي لا يبكي عند أمه لا ترضعه. لكنه يقول: «من الآن فصاعداً لن نعود كذلك. سنكون في صلب كل ما يجري. في الاجتماعات والمواقف. نعتقد بالمضمون أهم من الشكل، والبعض منهم لا يجارينا ويغلّب الشكل على المضمون ويحتكر الأدوار. احياناً ينبغي لفت النظر والشدشدة بغية التصويب. أظن أن على بعض حلفائنا أن يعرفوا أننا موجودون».
عندما يؤكد فرنجيه تمسّكه باقتراح اللقاء الأرثوذكسي لا يتخلى عن فكرة أنه فخّ نصب لمسيحيي 8 آذار. منذ الاجتماع الأول في بكركي عام 2011 لاحظ أن الإقتراح «فخ منصوب لنا يقتضي أن لا نقع فيه. حينما طرحه اللقاء الأرثوذكسي كان يعبّر عن مطلب محق لأن الطائفة الأرثوذكسية هي المغبونة بممثليها. الرأي العام الأرثوذكسي اقترع لقوى 8 آذار، في حين أن نواب الطائفة هم من قوى 14 آذار بسبب فوزهم بأصوات غير أرثوذكسية، خصوصاً من الناخبين السنّة في بيروت والكورة والبقاع الغربي وعكار وطرابلس وفي مناطق أخرى. توخّى اقتراح اللقاء الأرثوذكسي ترك الناخبين الأرثوذكس يختارون نوابهم بأصواتهم. مشى به بعض الموارنة في اجتماع بكركي ورموا الاقتراح بمثابة قشرة موز وفخ لنا. قلت في الاجتماع الأول إنه فخ وينبغي ألا ننظر إليه كاقتراح في ذاته ولا كمشروع جدّي، بل كفخ وقشرة موز. وهو ما رموا إليه. اقترحت، يومذاك، المضي فيه احتمالاً أول شرط أن يكون هناك احتمال ثان في حال تعثّر. ردّ سمير جعجع بطلب الإبقاء عليه خياراً وحيداً لأن وجود الخيار الثاني في رأيه يفترض أننا لن نؤيد الخيار الأول. وهذا غير صحيح. أيّد البطريرك وجود خيارين وانتهى الأمر عند هذا الحد».
يضيف: «توالت الاجتماعات، وكان رهان الفريق الآخر ــــ القوات اللبنانية وحزب الكتائب ــــ بأن حلفاءنا الشيعة سيرفضون الإقتراح. أقنعناهم فمشوا معنا وانقلب السحر على الساحر. أصبح اقتراح اللقاء الأرثوذكسي خياراً وحيداً فارتبكوا. نظروا إليه كفخ، وقاربناه على أننا نريد انتخاب 64 نائباً مسيحياً بأصوات الناخبين المسيحيين. في الاجتماع الأخير في بكركي لم يحضر سمير جعجع، بينما تحدث الرئيس الجميل عن هواجس السنّة. أنا أعتقد أنها هواجس تيّار المستقبل، وهو لا يمثّل كل السنّة. قال إنهم خائفون ومغبونون. لا أعرف أين يقع الغبن عندما يختار السنّي السنّي والمسيحي المسيحي. مصدر الإعتقاد بالغبن عندهم، عند تيار المستقبل وبعض المسيحيين المؤيدين له، أنه لا يختار المسيحيين، وليس لأن طائفته مغبونة. يريد تيار المستقبل كل المقاعد السنّية وتسمية بعض النواب المسيحيين. لا يريد التنوّع. يقول تيّار المستقبل إن الفريق الشيعي في قوى 8 آذار ينتزع كل المقاعد الشيعية، لكنه ينسى أنه حزبان. هما الآن متفقان. قبل عام 2005، ولثلاثة عقود، لم يتفقا مرة وتنافسا وتناحرا. الآن يجمعهما خط استراتيجي واحد».
تأييده الإقتراح الأرثوذكسي لا يحجب يقينه بأن النسبية أفضل للأفرقاء جميعاً. يقول فرنجيه: «لنجرّبها. قد نكتشف فيها أخطاء كما اكتشفنا أخطاء في قانون الـ60. أنا الذي وضعه عام 2004 عندما كنت وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس عمر كرامي. الآن صار له آباء كثيرون. لا أزال أرى قانون الـ60 جيداً ويتيح لكل الطوائف التمثل بشكل ملائم في مجلس النواب، لكن ثغرته المال. صحيح انتخب مسيحيون بأصوات ناخبين غير مسيحيين، لكن الحقّ ليس على القانون بل على الإنقسام بين المسيحيين. عندما يتوحدون يمكّنهم قانون الـ60 من انتخاب 60 نائباً مسيحياً بأصوات ناخبين مسيحيين من 64 نائباً. أما إذا انقسموا، فلن يصلوا حتماً إلى هذا العدد. بل إلى أقل بكثير. أعتقد بأن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي يعوّض هذا الإنقسام. باتت قوى 14 آذار تعترف الآن بأن قانون الـ60 سيئ. إذاً، لم يعد الحل سوى في اقتراح اللقاء الأرثوذكسي أو النسبية. في الاجتماع الأخير في بكركي قال البطريرك إنه مع أي قانون يوفر لنا هذا الحقّ الدستوري والطبيعي».
كيف يذهب إذاً إلى انتخابات 2013؟ يجيب: «لنرَ إذا كنا سنذهب فعلاً اليها. ما هو واضح وقاطع أن لا انتخابات وفق قانون الـ60. إذا حصلت وفق هذا القانون سنعود إلى دوامة انتخابات 1992. إذا كان المطروح أن لا تجري انتخابات وفق قانون ترفضه الطائفة السنّية، لن تحصل انتخابات وفق قانون ترفضه غالبية المسيحيين. المبدأ واحد لا يمكن تجزئته. إذا كان المطلوب عدم وضع قانون تعتبره طائفة ما مؤذياً لها، لا يمكن إجراء انتخابات وفق قانون تعتبره طائفة أخرى مؤذياً لها أيضاً أو يُفرض عليها. بصيص الأمل الوحيد الذي نبصره هو عدم إجراء انتخابات وفق قانون يزعج أي فريق. ثمّة توافق على هذه المعادلة. هناك مَن يطرح اقتراحاً نصفه أكثري ونصفه نسبي اعتقاداً بأنه قد يحصد توافقاً. لا أظن أن ذلك صحيح. لا أميل أبداً إلى ترضية عبر قانون مختلط يرمي إلى تعزيز الوسطية. أنا ضد تشريع الوسطية والوسط لأن لا وجود لهما في لبنان».
وحينما يُقال إن جدّه الرئيس سليمان فرنجيه كان في الوسط مع الرئيسين كامل الأسعد وصائب سلام وجوزف سكاف، يجيب فرنجيه الحفيد: «كان الوسط حقيقياً، وكان فعلاً في الوسط. له موقفه وصلابته. كان وسطياً ولم يكن متقلباً. الفرق شاسع بين الوسطي والمتقلّب. الوسطي مَن يقف في الوسط، وليس يوماً أبيض ويوماً آخر أسود. لا يحكم لبنان مَن يجلس في الوسط، ولا مشروع له. هذا غير طبيعي».
لا يُقلّل التعادل السلبي في عدم اتفاق فريقي النزاع على قانون جديد للانتخاب وعلى عدم خوض الانتخابات بقانون يرفضانه، حظوظ تأجيل الاستحقاق. يقول فرنجيه: «التأجيل ممكن تبعاً للظرف الذي نكون عليه عندئذ. الانتخابات أو ماذا؟ إذا حصلت الانتخابات ماذا يترتب عليها؟ هنا نفاضل بين التأجيل وإجراء الانتخابات. لكن ليس من الآن. لا يسعني قبول قول بعضهم إنه سيجري الانتخابات حتى وإن اندلعت حرب في لبنان. هذا أسوأ. لم أسمع أحداً يهدّد بتأجيل الانتخابات، لكنني أسمع في بعض الأحيان مَن يقول من الفريق الآخر إن الانتخابات ستحدد لأول مرة في تاريخ لبنان هويته سواء ربحت قوى 14 أو 8 آذار. يقولون إنها أخطر انتخابات في تاريخ لبنان منذ عام 1970، ويقولون إن حزب الله سيمنع حصولها. هذا غير صحيح. بل إن الصراع الإقليمي، في سوريا ومصر وتونس وليبيا، لن يسمح بإجراء الانتخابات في لبنان إذا كان يتوقع منها نتائج لن تعجبه. يقولون سوريا وإيران. هذا جزء من الصراع الإقليمي، هناك جزء آخر لا يريدون أن يروه هو السعودية وقطر. يحكون عن السلاح ولا يحكون عن المال الذي هو أخطر من السلاح. الحرب التي يخوضها تنظيم القاعدة والخارج ضد سوريا بالمال وليست بالسلاح. المال يشتري السلاح لا العكس، وهو العنصر الرئيسي في الحرب على سوريا. كل التصعيد والإحتقان والتشنج مردّه إلى المال وليس إلى السلاح الذي لا يستخدم في الداخل. سلاح المقاومة مضبوط في حين أن السلاح الذي يشتريه المال هو السائب».
وهل ينتظر كقوى 14 آذار سوريا قبل الانتخابات، يقول رئيس تيار المردة: «الجميع يراهن على ما يجري في سوريا. أخصامنا يراهنون على سقوط النظام ونحن نراهن على بقائه. الفرق بيننا أن بقاء النظام يُبقي في رأينا سوريا علمانية، بينما مصدر رهانهم على سقوطها أحد إثنين: الغرب الذي يراهن على سقوط النظام أو رهانهم الطائفي. يراهنون على سقوط سوريا بغية التخلص من هذه الطائفة كي يرتاحوا وتحكم سوريا طائفة أخرى توسّع من نفوذهم في المنطقة. وهذا أكبر تهديد للأقليات بإشعارها بالتهديد. نتذكر تماماً حالة أحمد الأسير. عندما ظهر تنصّل الجميع منه. البارحة تسابقوا إلى تبنّيه. قبل سنتين قالوا إن سوريا وراءه. عندما صعد وأنصاره إلى فاريا احتار مَن يريد الدفاع عنه. ذهاب الأسير إلى فاريا استفزازي. أعلن عنه قبل أيام لاستدراج رد فعل واستفزاز فريق لبناني، وعطّل الهدف العفوي والطبيعي للزيارة وحمّلها بعداً سياسياً، وافتعل بسببها مشكلة سياسية. مَن يدافع عن حقّ الأسير في الذهاب في فاريا كالقوات اللبنانية ــــ ونحن معه في هذا الحقّ ــــ يقتضي أن لا ينسى أنه أمضى أكثر من 10 سنوات يخوّفنا من التشادور الذي سيغيّر صورة لبنان ومصير مسيحييه. الآن تطمئن القوات اللبنانية المسيحيين إلى الأسير، وتخوّفهم من الشيعة».
لم يرَ فرنجيه مبرّراً لرفض رئيس الجمهورية ميشال سليمان اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، لكنه يعزو رفضه إياه إلى «أن فرنسا وقطر رفضتاه فصار هو ضده. المسألة بسيطة. ثمّة معركة إقليمية بين مشروعين. إذا ربحت سوريا تربح المقاومة في لبنان ومشروعنا، وإذا خسرت نخسر ويربح تيار المستقبل والآخرون. رئيس الجمهورية هو حصان طروادة لقوى 14 آذار والمشروع الآخر. انكشف ذلك علناً. أتى رئيساً بموافقة فرنسية وقطرية وسورية أيضاً. ضعفت سوريا فظهر على حقيقة أخرى. لو لم تضعف ربما كان مختلفاً. اتخذ موقفه وبات منحازاً، ولن يقبل بأن يربح فريقنا الانتخابات. عندما يهرب الرئيس من مسؤولياته يقول إنه لكل لبنان. لا رئيس المجلس رئيس لكل لبنان، ولا رئيس الحكومة، ولا كذلك رئيس الجمهورية. كل منهم رئيس لكل لبنان تقنياً، لكنه زعيم طائفته سياسياً وفعلياً. لا يستطيع رئيس الجمهورية الخروج من الإجماع المسيحي ولا عليه. لو لم يكن مارونياً ولم يحصل إجماع ماروني عليه لما انتخب. لو مشى 51 في المئة من السنّة في مشروع ما هل كان وقف الرئيس مع الـ49 في المئة الباقين؟ الامر نفسه بالنسبة إلى الشيعة. يقبل بـ51 في المئة من السنّة والشيعة، ولا يقبل بـ70 في المئة من المسيحيين، بل يمشي مع الـ30 في المئة الباقين». يضيف: «رئيس الجمهورية مع مشروع سياسي آخر، وليس مع اقتراح قانون انتخاب آخر. كان ذلك قبل ذهابه إلى روسيا. لننتظر عودته. ربما قالوا له بأن الأسد باق. عندئذ قد يُغير رأيه كما غيره قبلاً».
وهل يعتقد بأن تأجيل انتخابات 2013 يُعجّل في فتح معركة رئاسة الجمهورية عام 2014؟ يقول: «لا تمديد لرئيس الجمهورية، ولن أقبل بالتمديد له. أنا الأول في ذلك بين حلفائي. لن أمدّد له يوماً واحداً ولا دقيقة واحدة حتى. إذا شاء حلفائي التمديد فهم أحرار، لكنني لن أمشي. أريد انتخاب رئيس جديد. أريد شخصية مارونية غير وسطية».
وهل يضع نفسه في قلب هذه المعركة: «في هذا الظرف أنا غير موجود. في ظرف آخر معاكس أصبح موجوداً. الخيار يخضع للوضع الذي نكون عليه في موعد انتخابات الرئاسة. إذا نجح مشروعنا أكون موجوداً».



بشّار باقٍ... حافظ بشّار باقٍ باقٍ أيضاً

يقرأ زعيم تيّار المردة الوضع في سوريا كالآتي: «منذ 20 عاماً وأنا أرى الرئيس بشّار الأسد باقياً. بل أرى أن حافظ بشّار الأسد باق باق. لست خائفاً على النظام. سوريا ترتاح يوماً بعد آخر وستكون في قلب التسوية. أي حال ستكون عليه سوريا عندما يحين أوان التسوية، تلك هي المسألة. التسوية مرتبطة بالواقع الذي سيكون عليه نظام الرئيس الأسد. لا أعرف كيف ستكون عليه التسوية، لكنها بالتأكيد على صورة سوريا. التوازن الدولي قائم وهو اليوم لمصلحة النظام أكثر منه لمصلحة اعدائه. النظام قوي. الجيش قوي وموحّد وأخفقت كل محاولات انهياره وانقسامه منذ ثلاث سنوات حتى اليوم. الوقت لمصلحة النظام. طبعاً سيؤدي ذلك إلى ارتدادات على صعيد المنطقة. إذا نُظفّت سوريا، مغزى ذلك أن هناك مَن خسر، وأن هناك مَن لن يسعه العودة إليها. معنى ذلك أيضاً أن جزءاً كبيراً من هؤلاء سيبقى عندنا. المعطيات المتوافرة، في الشكل قبل المضمون، عمّن هم على أرضنا من اللاجئين والفارين من سوريا لا تطمئن. ماذا لو لم يرجعوا إلى سوريا. مَن هم هؤلاء الذين سيبقون هنا، وكم في وسعنا احتمال أعداد منهم. لم نتحمّل جماعة شاكر العبسي وقد خرّبت البلد، فماذا عن هؤلاء؟ أصبحت سوريا الآن ساحة للتطرّف في العالم وساحة للذين يقولون إنهم يجاهدون. قد يصبحون يوماً ما في لبنان».