بعد غد الأربعاء، 23 كانون الثاني الجاري، تجري الانتخابات النيابية الأردنية المبكرة، من دون الإخوان المسلمين. هؤلاء قاطعوا العملية الانتخابية ابتداء من التسجيل الذي نجح، مع ذلك، بنسبة حوالي70 في المئة (مليونان وربع المليون مقترع من أصل ثلاثة ملايين وربع المليون).
الاحتجاج الإخواني تركّز على قانون الانتخابات. وهو يقوم على نظام مختلط بين الدوائر المحلية الفردية (108 مقاعد) والقوائم الوطنية (27 مقعداً) والكوتا النسائية (15 مقعداً). ولا يسمح هذا النظام لأي حزب بتجيير ومضاعفة قوته التصويتية والحصول على أغلبية برلمانية.
الجديد في انتخابات 2013 هو أنها تجري بإشراف هيئة مستقلة اتخذت اجراءات صارمة ضد التزوير والتدخلات الحكومية والأمنية، كما أن القضاء تدخّل، في الأيام الأخيرة، لاعتقال مرشحين ورؤساء قوائم بتهمة شراء الأصوات. وهي ظاهرة مستشرية، تقليدياً، في الانتخابات البرلمانية الأردنية. وقد تؤدي هذه الاعتقالات إلى الحد منها. ولكن يبقىالتفاوت الهائل بين القدرات المالية للمرشحين، يطبع الحملات الانتخابية وقدرتها على التأثير؛ فبينما أنفق المتنفذون ورجال الأعمال ملايين الدنانير على الدعاية والمقار والاستقبالات الخ، لم تتمكن القوائم الديموقراطية والنشطاء الشعبيون من جمع الأموال اللازمة للقيام بحملات مؤثرة.
ينتمي أغلب المرشحين إلى الأوساط العشائرية والتقليدية، كما إلى دوائر المال والأعمال، بينما تشارك الحركة الوطنية والتقدمية بمرشحين فرديين معدودين وبأربع قوائم هي: «النهوض الديموقراطي» و«الشعب» و«التغيير» و«البناء» و«أبناء الحراثين». وتمثل هذه القوائم ألوان الطيف اليساري والقومي والوطني الاجتماعي والحراك الشعبي. وكانت محاولات حثيثة قد بذلت لتوحيد هذه القوائم، ولكن من دون جدوى. وهو ما سينعكس على نتائجها سلبياً. ومع ذلك، فمن المنتظر أن يضم البرلمان الأردني المقبل، بين 20 و25 نائباً يمثلون المعارضة الوطنية، بينما يرجّح أن تميل الأكثرية البرلمانية إلى مواقف مستقلة أو حتى معارضة في ملفات أساسية مثل محاكمة الفساد ومراجعة الخصخصة وتنمية المحافظات والقضايا الاقتصادية الاجتماعية والخدمات العامة.
وبالمجمل، فإن اللوحة الانتخابية السابقة، ككل، تجعل من مشاركة الإخوان المسلمين من عدمها، ليست ذات تأثير حاسم على العملية السياسية في البلاد. وربما تكون المقاطعة الاخوانية للانتخابات، قد عجّلت أو سهّلت قيام الملك عبدالله الثاني بتقديم «تنازلات» جوهرية عن صلاحياته الدستورية المتمثلة في اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة؛ فبموجب إعلان ملكي حول مرحلة الحكومات البرلمانية، سيتم اختيار رئيس الوزراء، من الآن وصاعدا، من خلال المشاورات النيابية، ويكلف الفائز بتسمية أكثرية النواب بتشكيل حكومة تمثل ائتلافاً بين الكتل البرلمانية. ويعد هذا الإعلان، التطور الأبرز في الإصلاحات السياسية التي شهدتها البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي في 2011. لكن يواجه البرلمان المقبل مهمة تحويل هذا الإعلان إلى تعديلات دستورية دائمة.
على هذه الخلفيات، فشلت قيادة الإخوان المسلمين في حشد أكثر من 2000 مشارك لفعالية «جمعة الشرعية الشعبية» في 18 كانون الثاني الجاري، المخصصة لمقاطعة الانتخابات النيابية؛ كان المسرح (بتجهيزات لوجستية كاملة باهظة التكاليف) معداً لاستقبال جمهور من عشرات الآلاف، لم يحضر، بل إن العديد من أعضاء وأنصار الإخوان، من التيارات المحلية والمعتدلة، لم يستجيبوا للتحشيد المكثّف الذي سبق الفعالية. ولم يدفع هذا الفشل بالقيادة الإخوانية للتأمل، بل إلى التصعيد، والكشف الصريح عن وعيد اقتراب إقامة الدولة الدينية في البلاد. ولا تتشكل هذه القيادة كلها من الأصوليين القريبين من السلفية الجهادية، بل تتكون، بالأساس، من شخصيات قريبة من حركة حماس، وهي شخصيات تميل في الاغلب نحو مشروع الاستيلاء على السلطة في مناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية التي يمكن أن ينسحب منها الاحتلال الإسرائيلي من طرف واحد، في تكرار لتجربة غزة. وهو سياق يستوجب، بالضرورة، حكومة إخوانية أو حتى نظاماً إخوانياً شرقي النهر، اي في الاردن، وهو هدف بات اليوم أبعد منالا من أي وقت مضى.