على عادتها، لم تزل أوساط المعارضة المسلحة تتحدّث عن اقتراب نهاية الرئيس السوري بشار الأسد في كلّ مناسبة. وفي جديد هذه المناسبات، تلك المرتبطة بقدوم المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق في 23/12/2012، حيث تناولت الزيارة بحسب زعمهم، ترتيب خروج الأسد قبل أن يصل الجيش الحرّ إلى قصره الرئاسي! قد يفيد تداول هذا الخبر على مواقع التواصل الاجتماعي في الكشف عن سرّ تفاؤل السيد منذر ماخوس، سفير الائتلاف المعارض في باريس. وذلك قبيل زيارة الإبراهيمي، حين لمّح على شاشة «العربية» إلى قرب سقوط الأسد ونظامه ضمن مدة لا تتعدى الأسابيع!
يمكن ادراج هذه الأخبار في سياق الحرب النفسية، لكن الإفراط اللامسؤول في التفاؤل من شأنه أن يضع صدقية المعارضة على المحكّ، الأمر الذي ينعكس سلباً عليها لمصلحة النظام، الذي يبدو أكثر توازناً.
من يتابع ويدقّق في وعود المعارضة يدرك أنّ شيئاً منها لم يتحقّق، فلا أيام الأسد باتت معدودة، ولا أسابيع حلب، التي شارفت على العام، قد حرّرتها، أما احتلال المطارات، ولو لأيام، فقد ذهب أدراج الرياح، فضلاً عن الإخفاقات المتتالية للمجلس الوطني في توحيد صفوف المعارضة للخروج بحكومة انتقالية تحظى بثقة غالبية الشعب، وصولاً إلى العملية القيصرية التي أنجبت الائتلاف المعارض ومحاولة تسويقه كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، بزعامة الداعية أحمد معاذ الخطيب. الأخير اكتشف أخيراً أنّ الجيش الحرّ ليس بحاجة إلى تدخّل عسكري خارجي كي يُسقط النظام! والسؤال هنا، هل كانت حسابات المجلس، ومن يقف خلفه خاطئة، حين طالبت وسَعَت إلى التدخل العسكري؟ أم أنّ تداعيات حرب غزة، والرسالة التي بعثتها، جعلت العديد من الدول الغربية تعيد النظر في حساباتها لجهة القوة الصاروخية الكبيرة التي يملكها النظام السوري؟ وهو ما حدا بها، أخيراً، إلى الحديث عن تسوية سياسية للخروج من الأزمة! وإلا كيف نفسّر خوف تركيا من هذه الصواريخ، التي فرضت عليها الاستعانة بالناتو لنشر بطاريات الباتريوت، طبعاً دون التطرق إلى الموقف الروسي الرافض لأيّ شكل من أشكال التدخل الخارجي. الأنكى من ذلك، هو ما كشفه أخيراً سيرغي لافروف عن أنّ الغرب لا يريد من روسيا أن تغيّر موقفها حيال الأزمة في سوريا، لأنّه غير قادر على التدخل! إذاً الغرب لا يريد التورط في المستنقع السوري حفاظاً على أمن إسرائيل، وذلك بعدما أثبت النظام قدرته على الصمود، خلافاً لما كان يبشّرنا به الغرب، وتردّده رموز المعارضة!
بعد كل هذا، يخرج علينا الداعية الخطيب ليضيف في الطنبور نغماً، معلناً أنّ معركة تحرير دمشق بدأت، ولا تحتاج سوى إلى ثلاثة أسابيع! والنتيجة تحول الحديث مع 80000 مقاتل من الجيش الحر إلى احتلال مطار دمشق الدولي، ثم أصبح الهدف هو السيطرة على طريق المطار. ولم تمض أيام، حتى احتل مخيّم اليرموك واجهة المعارك، لنكتشف بعدها أنّ الهدف، الذي ذهب ضحيته قرابة نصف المقاتلين، هو تحرير مدينة حماه! ثمّ فجأة، تظهر عملية «البنيان المرصوص» لتحرير معرة النعمان، والهجوم على كافة الحواجز العسكرية للجيش النظامي!
أمام هذا الواقع الأليم المليء بوهم القوة والتفوّق على الآخر، تبقى النظرة الدونكيشوتية هي المهيمنة. وحين أعرب لافروف عن استعداد روسيا لاستقبال رئيس الائتلاف، ردّ الخطيب بوضع الشروط على موسكو، رافضاً زيارتها! ومشترطاً تنحي الأسد قبل أيّ تفاوض. هذا الموقف يمكن أن يكون مقبولاً لو أنّ ميزان القوى على الأرض لمصلحته، أما والحال على ما هو عليه، فلا شكّ في أنّ المعارضة ما زالت تصدق ما يهمسه الغرب في أذنها. على هذا الأساس، يصبح مفهوماً اصرار المعارضة على التضحية بالدولة والشعب، على أمل إسقاط رئيس يقف خلفه معظم الجيش إضافة إلى مكونات ليست بالقليلة من الشعب!
مشكلة هذه المعارضة أنّها لا تقوى على مصارحة جمهورها، كونها عاجزة عن القيام بمصارحة حقيقية فيما بينها، إذ من شأن مصارحة كهذه أن تزيد من حدّة الانقسامات في صفوفها. ويكفي هنا أن نشير إلى الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه، وذلك بعد إدراج الولايات المتحدة جبهة النصرة على لائحة الإرهاب، حيث جاء موقف الإخوان والمجلس الوطني ورئيس الائتلاف صادماً ومخيّباً، وغير محترم لعقل وذاكرة معظم السوريين، إذ يبدو أنهم تناسوا العمليات التي قامت بها الجبهة، التي ذهب ضحيتها مئات المدنيين. حينها كادوا يخرجون من شاشات التلفزة، ليقنعوا الناس بأنّ النظام هو من يقف وراء جبهة النصرة، ساخرين من النظام ومعتزين بكشفه وفضح أمره، فأين ذهب هذا الذكاء؟ ولماذا هذا الغيظ من قرار إدراجها وهي صنيعة النظام؟ أم أنّ المجلس الوطني والائتلاف المعارض قد أفلسا، ولم يعد بمقدورهما اسقاط الأسد إلا بطلب المَدَد من القاعدة وأخواتها. الأمر الذي دعا المجاهد جورج صبرا إلى القول إنّ سلاح جبهة النصرة سلاح شريف! وبناءً عليه يصبح تشريع الأبواب لكل مجاهدي العالم للخلاص من دكتاتورية النظام مسألة شرعية ومشروعة. وذلك من خلال توليفة تقوم على مزاوجة نظام الشورى الإسلامي مع الديموقراطية المدنية، ضمن ما يعرف بالشوراقراطية على طريقة الإخوان المسلمين. إنّ ما يجري مع هذه المعارضة ليس سوى ترجمة لحالة الإحباط التي وصلت إليها، من جراء ضياع بوصلة الطريق لبلوغ هدفها، المتمثل في إسقاط الأسد. الأمر الذي يدفعها إلى مواصلة الهروب إلى الأمام بانتظار فتح مبين. ولم يبقَ لها بعدما نفذت منها السبل، سوى المراهنة على ورقة الجوكر كمحاولة أخيرة، وذلك بأن تقوم هي باستخدام أسلحة كيميائية، وتصوير الأمر كما لو أنّ النظام قام بهذه الفعلة، تماماً كما يحدث مع كل مجزرة مدبرة تسبق أيّ تحرّك أممي بغية تحقيق «الخط الأحمر»، الذي يريده حلف شمال الأطلسي! فهل تعي أنّ هذا السيناريو بات مكشوفاً، ومن شأنه أن يأخذ معه كل شيء إلى الهلاك؟
*كاتب سوري