طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زيارة عمان للقاء عاجل مع الملك عبد الله الثاني. كان من المتفق عليه أن تكون الزيارة سرية، لكن مكتب نتنياهو سرّب حصولها، وروّج لعدّة روايات عن موضوعات المباحثات الثنائية، منها مناقشة لم تحدث أصلاً، حسب مصادر أردنية مطلعة، حول العلاقة الكونفدرالية بين الأردن والكيان الفلسطيني في إطار تسوية مرجحة.
ومن الواضح أن نتنياهو أراد الإفادة من الزيارة في حملته الانتخابية، معطياً الإشارة إلى أنه غير معزول في المنطقة، وأنه مهتم بالبحث عن آفاق ممكنة للسلام. وفي الواقع، جاء نتنياهو إلى عمّان للبحث في مشروع حرب.
للمرة الثالثة، تعرض تل أبيب على عمّان الشراكة في ضربات خاطفة على مواقع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية. وللمرة الثالثة، يرفض الأردنيون، الذين يُقال إنهم يملكون أوفى المعلومات الاستخبارية عن تلك المواقع، العرض، مؤكدين أن أسلحة سوريا الاستراتيجية لا تزال في مأمن.
في هذا الشأن، استخدم الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، سميح المعايطة، السبت الماضي، من دون الإشارة إلى «الزيارة السرية»، لهجة قاطعة في تصريحات تؤكد رفض الأردن المبدئي لأي تدخل عسكري في سورية. ولا تجد عمان أن هناك ما يدعو إلى الهلع إزاء الكيماوي والبيولوجي السوري، وخصوصاً أن التنسيق بينها وبين الروس، في هذا الشأن، «مطمئن».
لكن، لنتنياهو، بالطبع، حسابات أخرى. هل تكون الزيارة، برمتها، مجرد نشاط انتخابي؟ أم أنّ، لدى الإسرائيليين، خططاً فعلية لتوجيه ضربات جوية ضد أهداف سوريّة؟ وما هو نطاق هذه الأهداف؟ هل يهجسون، فعلاً، بخطر وقوع السلاح الكيماوي والبيولوجي في أيدي منظمات إرهابية؟ أم أنها فرصة للتخلص من ذلك السلاح في ظل الغبار الكثيف للدعاية الغربية ضده؟
لا يوجد سياق سياسي لقيام أي من القوى المشاركة في «الثورة» السورية المسلحة باستخدام أي سلاح ضد إسرائيل التي تمثل، بالنسبة إليها، حليفاً موضوعياً ضد نظام الرئيس بشار الأسد. بل قد يكون الكيماوي والبيولوجي، ذريعة لقيام الإسرائيليين، بواجبهم نحو «الثوار» الذين طالما طالبوا حلفاءهم الغربيين، بقصف مفاصل الجيش السوري، الأمر الذي يسمح بتكرار النموذج الليبي. هل قررت حكومة نتنياهو، التطوّع لتلبية الطلب؟
ليس هناك محلل جاد لا يدرك أن سقوط النظام السوري على أيدي «الثوار» المرتبطين بالاستخبارات الغربية والتركية والقطرية والسعودية، يمنح إسرائيل فرصة استراتيجية للخلاص من آخر نظام عربي معاد، وقطع الذراع الإيرانية، ومحاصرة حزب الله وتدميره. وقد انتظرت إسرائيل، لمدة عشرين شهراً، أن يحدث التغيير الاستراتيجي المرغوب في سوريا، وتقطف ثماره، من دون ثمن. لكن الاتجاهات الحالية للأزمة السورية وضعت الإسرائيليين أمام خيارات ضاغطة منها (1) تسوية لا تمس السياسة الدفاعية السورية، يخرج منها الجيش الوطني أقوى وأكثر تأهيلاً على خوض الحرب غير التقليدية. وهو ما يعني، زائداً القدرات الصاروخية السورية، نموذجاً مكبراً عشرات المرات عن حزب الله، (2) أو استمرار المواجهات التي ستتوسع، في عام 2013، على المستوى الإقليمي، بما ينذر بمخاطر غير متوقعة، (3) أو اتجاه الغرب إلى الحسم من دون إسرائيل، وبواسطة منافسها التركي الذي يحظى اليوم ـ بسبب دوره في سوريا ـ بمكانة الولد المدلل.
لإسرائيل اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، مصلحة أكيدة في حرب جوية خاطفة على سوريا، تساعد في انهيار نظام الأسد، وتمنح الإسرائيليين، موقع الشريك في الغنيمة. نتنياهو، كما بدا في زيارته لعمان، يستعجل الحرب، وربما كان قد تخطى الحسابات العديدة المعقدة التي كبحت، حتى الآن، جماح التدخلات العسكرية المباشرة، للذهاب نحو مغامرة.
مغامرة لحسابات استراتيجية أم تهويل لحسابات انتخابية داخلية؟ هذا السؤال لا يمكن المرور عليه كسؤال نظري، ما دام يحمل واحداً بالمئة من احتمالات الحرب؛ هل بإمكان الجيش السوري خوضها الآن في ظروف المواجهات الشرسة المنتشرة في معظم الأراضي السورية؟
قوى «الثورة» السورية المسلحة والإرهابية، لن تكون محرجة، قيد أنملة، حين تساعدها إسرائيل على الخلاص من الأسد. للطرفين المصلحة نفسها، وبين الطرفين تفاهمات مباشرة، أو عبر قطر، على تسوية شاملة بين سوريا ما بعد الأسد والإسرائيليين، بالشروط التي طالما انتظر الأخيرون من دمشق الخضوع لها: الحدود الانتدابية (المقلّصة) في الجولان بدلاً من حدود الـ67 التي يمثل الإصرار عليها إرثَ حافظ الأسد، وخفض عديد الجيش السوري وقدراته، وقطع العلاقات مع إيران وحزب الله، والاندماج في مشهد السلام العربي ــ الإسرائيلي، بما يسمح، أخيراً، بتصفية القضية الفلسطينية في حل كونفدرالي يؤبد احتلال فلسطين ويهدم الكيان الأردني.
سواء أكانت مغامرة أم تهويلاً، فإننا بانتظار ردّ بليغ من حزب الله: لن تكون سوريا وحدها في حرب مع إسرائيل.