ليالي الشمال ليست دائماً حزينة، كما هي حال طرابلس هذه الايام. فمن بحر الشمال خبر مهم يبشر به وزير الطاقة جبران باسيل عبر «الأخبار» حول اكتشاف خمسة مكامن جيولوجية واعدة بكميات وافرة من الغاز في احدى المناطق البحرية الواقعة قبالة طرابلس وعكار، مؤكدا ان الاخبار الجيدة ستتوالى تباعا في القطاعين الغازي والنفطي.
يشرح باسيل ما يقوم به لبنان من عمل تحضيري ضروري قبل اعمال التنقيب والانتاج من تحضير البنية التحتية واجراء عملية الاستشكاف والاستطلاع، التي تشمل المسح وفق طريقة ثنائية الابعاد ومن ثم ثلاثية الابعاد، وبعدها تحليل المعطيات وترجمتها. ويقول «المرحلة الاولى قمنا بها لدرجة موسعة ومسحنا البحر أي 22 الف وخمسمئة الف كلم على طريقة ثنائية الابعاد. ومن ثم مسحنا اكثر من 60 في المئة منه على طريقة الثلاثي الابعاد. وتظهر الخريطة المرفقة ان هذه الطريقة تطبق في المنطقة الخضراء حاليا، على ان تستكمل في المنطقة الحمراء في كانون الثاني من العام المقبل.
«اما المنطقة المشار اليها بالسهم الاحمر والواقعة بين المنطقة الصفراء والحمراء، فهي المنطقة الجنوبية التي حللت الشركة التي لزم اليها عمل التحليل وترجمته، وافادتنا بوجود اربع آبار ومخزون نفطي مرتفع».
بعد اكتشاف الجنوب المهم، بدأت عملية تحليل البقعة الشمالية، والتي كشفت عن معطيات «مهمة جدا». ويكشف باسيل ان «المنطقة الواقعة شمالا والتي تظهر على الخريطة، والمشار اليها بـ north 3d انتهى تحليل نتائجها في الساعات الاخيرة وجاءت اهم من نتائج الجنوب. فمساحة البقعة المحددة والتي حللناها 660 كلم مربع، بينما بقعة الجنوب 1400 كلم مربع. وفي الشمال مخزون البئر الواحدة من اصل خمس آبار 9 تريليون قدم مكعبة (tcf)، أي أننا وجدنا في بقعة الشمال المحددة ما سعته 22 tcf أما في بقعة الجنوب، وهي اكبر، فيوجد 21 tcf أي أن النتائج اظهرت في شكل اولي مخزونا غازيا اكبر، مع احتمال وجود النفط ايضا. وبحسب التحليل، فان نسبة النجاح في المنطقة المحددة شماليا 36 في المئة بينما في البقعة الجنوبية 24 في المئة، والنسبة جيدة. وهذا يعني في حالة لبنان أن وجود الغاز أصبح شبه اكيد. فالطريقة ذاتها اعتمدت في دول اخرى واثبتت ان الغاز موجود، فلماذا لا يوجد عندنا بحسب ما يروج المشككون؟».
تقع البقعة جغرافيا شمالا قبالة عكار وطرابلس، وهي لا تقع على نهاية الخط الجغرافي بل تمتد جنوبا، «وتضم خمسة مكامن جيولوجية واعدة لاختزان كميات كبيرة من الغاز بحسب النتائج النهائية».
اهمية الاكتشاف الجديد انه ليس عميقا، كما يحاول بعض المشككين ترويجه عن مخزون لبنان النفطي والغازي، على غرار ما حصل في احد اللقاءات الاميركية والتي ضمت احد اللبنانيين، واشار اليه اخيرا رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. ويقول باسيل: «هذه الكميات عندنا كبيرة، وعمقها ليس كبيرا، على عكس ما يروج ان النفط في لبنان عميق وقليل، وكلفة استخراجه عالية. فالمكامن في الشمال (وتقاربها عمقا حقول الجنوب)على عمق 1235 متراً في البحر، ونحن لا نقول انه عائم على سطح المياه، لكن استخراجه ليس صعبا. والكميات واعدة وكبيرة، بما يسمح للبنان ان يكون قويا على الطاولة، لان لديه آبارا تستقطب المستثمرين، وليس لاستخدامه الداخلي لانتاج الكهرباء والغاز المنزلي ولقطاع النقل والصناعة وحسب، بل أيضا للتصدير. وهنا الأهمية، لأن الشركات حين تريد أن تفكر بميزات لبنان النفطية تقول ان لبنان يستعمله داخليا، اما عند وجود مخزون للتصدير، فهذا يفتح المجال للمنافسة في الاستثمارات، في منطقة يوجد فيها لاعبون كبار من روسيا الى اميركا واوروبا».
ماذا يرتب هذا الاكتشاف على لبنان حالياً بين قبرص وسوريا؟ يجيب: «لا شيء يترتب على لبنان، لأن هذه الآبار موجوة في مياهه، واذا كان هناك ابار مشتركة، فان لبنان وقبرص رسما حدودهما والخلاف ليس على الخط بل على نهايته. لكن لبنان يستطيع ان يباشر العمل بالنقاط التي لديه».
اما الخطوة التالية الداخلية التي يمكن للبنان العمل بها، والعوائق امام بدء العمل فيقول عنها: «لقد تسلمنا في الساعات الأخيرة مرسوم تعيين الهيئة وابلغناها ان الاولوية المطلقة هي لاصدار المراسيم التي كانت صقدرتد في مجلس الوزراء والتحضير لاطلاق المناقصة. اما العوائق فهي عندنا اي لدى الحكومة، فبخلاف تأخرها في اصدار المراسيم وتأخرها في مرسوم هيئة النفط وتعيين اعضائها، يجب ان تصدر المراسيم الباقية ومنها ادارية، والاعلان الرسمي لطلاق المناقصات».
وعن الوقت المفترض لبدء اعمال التنقيب، يقول: «سمعنا من الشركة الاستشارية التي قامت بالعمل نفسه لقبرص، ان لبنان جاهز لدرجة انه قادر في اول العام المقبل على اطلاق المناقصة وان نبدأ الحفر خلال 18 شهرا».
اهمية الاكتشاف سياسيا
ماذا يعني هذا الاكتشاف في السياسة اللبنانية وكيف يترجم؟ بالنسبة الى وزير الطاقة، «هذا الاكتشاف يعني ان لبنان اصبح لديه اكثر من مخزون نفطي وغازي، وهو مخزون غير صعب وتجاري كبير ومتنوع في المناطق، مما يسمح له بالمطلق ان يبدأ العمل من دون انتظار اي حل خارجي لأي مشكلة مع اي دولة».
وهل التوقيت مناسب في خضم الاحداث التي تقع في لبنان وحوله، ولا سيما في سوريا؟ يجيب باسيل: «لا يوجد احسن من هذا التوقيت لأن هذه الاكتشافات المتتالية عامل يؤدي الى الاستقرار في البلد ولفت الانظار الدولية اليه كي يبقى مستقرا من اجل حماية الاستثمارات فيه، مما يشجع على التهدئة».
اما بالنسبة الى احداث سوريا، «فهذا الحقل موجود في عمق البحر بعيدا عن سوريا وهو يحمي نفسه بنفسه بقانونه وبعده وبالحماية الدولية التي نحاول تأمينها له».
ومن هي الدول المهتمة وهل ثمة استفسارات ديبلوماسية لمعرفة تفاصيل ما تفعلونه؟ يجيب: «كل الشركات مهتمة مع دولها، من الروس الى الاميركيين والصينيين والاوروبيين والافريقيين. والسفارات كلها تستفسر، وهناك اكثر من اهتمام وانتباه لأهمية ما يحصل، والعواصم كلها تسأل من روسيا الى الولايات المتحدة واوروبا والصين وايران».
وعن استثمار هذا الاهتمام، يقول: «اكتشاف الشمال يسمح بأن نقول ان لدينا خيارات كثيرة، والاولوية هي لعملية التنقيب ومن يريد حل مشكلة معنا وحسب الاصول، والا فلدينا خيارات كثيرة ان لم يرد احد ما حل الامور معنا».
وعما إذا هناك استدراج عروض سياسية، يقول: «التنقيب عن النفط لم يكن يوما بعيدا عن السياسة. ونحن نعمل كما فعلت قبرص، فلماذا نقيّد انفسنا؟».
داخليا يقال انكم تهربون من مشاكل الكهرباء الى النفط والغاز؟ يجيب باسيل: «مشاريع الكهرباء ماشية رغم كل محاولات العرقلة. يتحدثون عن مناقصة، ولا يتحدثون عن الاخرى التي تسير طبيعيا. والبواخر آتية. على كل حال، لِمَ لا نتقبل ان نعمل على أكثر من ملف في الوقت نفسه، في المياه والكهرباء والنفط؟ فنحن نسير على اكثر من خط، ونعمل ايضا على خط الغاز الذي انتهينا من دراسته وملف تلزيمه وبات في مجلس النواب من شهر نيسان ولم يقر بعد، ومحطة الغاز السائل. وافضليتنا على قبرص واسرائيل اننا قادرون على ان نوصل الغاز، إما عن طريق سوريا ـــ تركيا او عن طريق سوريا الدول العربية. وميزتنا الجغرافية تخلق فارقاً في السعر. وهذا الموضوع ليس تفصيلا بل محوري. فاسرائيل مقفلة وقبرص لا مجال لديها سوى عبر البحر الى اليونان، مع ما يمكن ان يشكل ذلك من كلفة عالية».
وهل لدى لبنان مثل هذه الكميات ليصبح بلدا مصدّرا؟ يجيب: «طبعا. الكميات اكبر من حاجتنا وتكفي لسنين كثيرة مقبلة». ويكشف اخيراً ان بعد المسح في البحر، «بدأت عملية المسح على الشاطئ مع وجود اشارات مشجعة، لينتقل المسح الى البر، وتأخذ العلمية ابعادا اخرى تحتاج الى بعض الوقت كي تظهر اولى اشاراتها».