يبدو كل شيء طبيعياً عند دخول مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث من منطقة الليلكي. أشجار مرصوفة على جانبي الطريق المؤدي إلى مباني الكليات، وبضع سيارات ودراجات نارية، وشبان وشابات يتفيأون من الشمس تحت أي مساحة مظللة يحظون بها. لكن مقابل كافتيريا كلية العلوم ـ الفرع الأول، يستوقفك مشهد غير مألوف جامعياً. ستة شبان يجلسون في حلقة على العشب تتوسطهم نارجيلتان يتداورونهما في ما بينهم.
نسأل الطلاب عما إذا كانت النراجيل ملكهم أم ملك الجامعة؟ يتبرع أحدهم للإجابة: «مش بحاجة نجيب معنا العدّة. الأركيلة منطلبها من الكافتيريا وأخدنا إذن من الشيخ لنأركل برّا». الشيخ هنا ليس رجل دين، بل هو لقب يطلق على «صاحب» الكافتيريا في دلالة على مركزه «الرفيع».
عند بداية العام الدراسي السابق (2011-2012) وضع ملصق على باب الكافتيريا بشّر الطلاب بجديدها «جديدنا السنة... نارجيلة». أما قديمها فلا يصعب على الزائر استنتاجه.
لا تقدم الكافتيريا الطعام فحسب. هنا يستطيع الطلاب شراء الهواتف الخلوية وبطاقات شحن الهاتف... و«بلاي ستايشن» للترفيه. وقد أضيفت إلى الخدمات المتوافرة رفوف مضيئة لبيع علب السجائر. لكن بعد صدور قانون منع التدخين في الأماكن العامة، ظهرت بعض بوادر الخير. أزيل الملصق الذي يبشر بالنارجيلة واستبدل بملصق «ممنوع التدخين». تم التخلص من منضدة علب السجائر في الواجهة، ووضعت في الخلف لتخلو من أي علبة. لكن «يا فرحة ما تمّت»، فسؤال «ما عم تبيعوا دخان أو أركيلة؟» كان كفيلاً بكشف الحيلة «الشرعية» التي اعتمدها القائمون على الكافتيريا. صحيح، فعل التدخين ممنوع، لكن بيع علب السجائر لا يزال جارياً، فمحتويات المنضدة المضيئة المُفرغة، انتقلت إلى أخرى مخفيّة. ولا يتطلب الأمر إلّا انحناءة من البائع، ولك العلبة التي تريد.
المثير للسخرية أنّ البائع يعدّ الكافتيريا مكاناً مغلقاً، و«النارجيلة الجامعية» يُسمح بها في الهواء الطلق فقط، أي الحرم الجامعي. هل توافق إدارة الجامعة على ذلك؟ يكتفي الرجل بابتسامة ساخرة وإيماءة رأس تفيد بأن لا سلطة للإدارة هنا.
المسؤولون في الكلية والمجمع الجامعي ارتأوا التزام الصمت والتهرّب حتى بعد تعميم القرارات وصدورها، والسبب؟ يرى أحد المعنيين في المجمّع أنّنا «نفضل عدم التدخل حفاظاً على سلامتنا وسلامة عائلاتنا». ويشرح أنّ الكافتيريا كانت مستثمرة من شخص اسمه معطي كان يدير مطعماً فيها ويدفع نسبة من أرباحه إلى الجامعة كونها منحته المكان. لكن الأمر لم يرق بعض السكان المجاورين، وعلى رأسهم «الشيخ»، المنتمي إلى إحدى العائلات العشائرية. هؤلاء يرون أنّ جيرتهم للجامعة تعطيهم الحق بطرد معطي والاستحواذ على الكافتيريا، بحسب المسؤول. ماذا عن الشركات المستثمرة للكافتيريات حالياً؟ «لا خيار لديها»، يقول بأسف. ويلفت إلى أنّ قوى الأمر الواقع فرضت نفسها لتوظّف بالإكراه، وردود فعلها لا تخفى على أحد، ما حدا بإدارة المجمع والشركة إلى استيعاب هؤلاء داخل صفوفهم، وتجنّب فرض أي قيود تؤدي إلى مشاكل تتعدى التلاسن إلى تكسير ممتلكات الجامعة أو حتى حرقها كما حصل في السنوات الأخيرة عندما «اندلع» إشكال بين طلاب ينتمون إلى العائلة العشائرية وأحد الأحزاب. يشبّه المسؤول «حركات» العائلة بالمافيات، فهي تفرض الخوّات على الفانات التي تقل الطلاب من الجامعة وإليها. يضيف المسؤول أنّ جميع المعنيين يرفضون التجاوزات الحاصلة، فهم ليسوا راضين عن بيع الدخان أو النراجيل أو التلفونات، ولا عن أسعار المأكولات أو المشروبات التي لا تتوافق مع لائحة أسعار الجامعة.
وبالنسبة إلى قانون منع التدخين، يؤكد المسؤول أنّ مديري الفروع حريصون على تطبيق القانون وفرضه داخل المباني على الطلاب والموظفين، أما في المطاعم والكافتيريات، فالأمر منوط بمدير شؤون المدينة الجامعية والشركة المستثمرة.
ينفي مدير شركة «أبيلا» المستثمرة للكافتيريات في المجمع شادي شدياق أن تكون الشركة قد وظفت أياً من أفراد العائلة العشائرية، بل تبرأ منهم قائلاً: «لا دخل لنا بهذه الكافتيريا بالذات لا لجهة المأكولات والنراجيل ولا لجهة الأشخاص». يستدرك: «في ما يخص كلية العلوم، نحن مسؤولون عن كافتيريا Annex 1 فقط»، وهو ملحق خاص بالكلية. هنا يلاحظ شعار الشركة على كل ما يوزع على الطلّاب وانعدام وجود السجائر والنراجيل، بعكس الكافتيريا المتنازع عليها. بدوره، يرمي مدير شؤون المدينة الجامعية نزيه رعيدي المسؤولية على مديري الفروع الذين يتهربون من أي دور لهم في هذا المجال. رعيدي ينفي أيضاً أن يكون له دور في فرض قانون المنع على الأرض «الذي عممناه على جميع الكليات».
الطاسة ضائعة، والنارجيلة التي لا يليق وجودها داخل صرح جامعي لا تزال في متناول الطلاب. ولم يتجرأ مسؤول واحد حتى الآن على تحمل المسؤولية أو فرض القانون في كافتيريا جامعة رسمية خوفاً من «جنون عشيرة».
في جولة على المدخنين في الكافتيريا، بدا الارتباك واضحاً على طلاب لا تزيد أعمارهم على العشرين عاماً لدى سؤالهم لماذا تدخنون السيجارة أو النرجيلة؟ حمّل البعض هموم الدراسة المسؤولية، وآخرون اكتفوا بالقول إنها للتسلية أو لتضييع الوقت بين محاضرة وأخرى. أما مريم (سنة أولى، 17 سنة) فتقول إنها اعتادت على النارجيلة في المنزل ولا تستطيع التخلي عنها بسهولة حتى ولو في الجامعة. تقاطعها زميلتها مايا (سنة أولى) فتلفت إلى أنها تخاف طلب النارجيلة في الكافتيريا وتفضل المقاهي المجاورة للجامعة. تقول هامسة: «ما بتعرفي هون بشو ممكن يلغموها!». إلى ذلك، يبدي كل من أحمد وأيمن استعدادهما لالتزام قانون منع التدخين، بشرط أن يبدأ «الكبار» بتطبيقه أولاً. ويردف أحمد بتفاخر ساذج «هون إلنا ضهر، ما بيعملولنا شي».