علي الأمينتعميماً للفائدة، نعيد نشر مقالة الصحافي علي الأمين المنشورة في جريدة «البلد» امس، وعلى موقع «جنوبية» www.janoubia.com

أنا علي محمد حسن علي مهدي الأمين، أقرّ وأعترف بأنّني جالست دبلوماسيين من كلّ حدب وصوب، أميركيين وإيرانيين وفرنسيين وعراقيين وبريطانيين وأمميين واتحاد ـــ أوروبيين وروسيين ومصريين ومغربيين وعمانيين وغيرهم الكثير.
أنا الصحافي والكاتب أقرّ وأعترف، بكامل قواي العقلية والجسدية، بأنني زرت هؤلاء الدبلوماسيين، سفراء وسكرتيريين، وزرت معظم دولهم، علناً وبجواز سفر لبناني، وبدعوات رسمية، وجلت في مقارّهم الرسمية وفي آثارات بلادهم التاريخية، وفي بيوت بعضهم الخاصّة.
أقرّ وأعترف بأنّني تبادلت معهم التحليلات والاستنتاجات والمعلومات العامة والسياسية، وأخذت منهم معلومات كتبتها، وأخرى كتمتها، لأنّ المجالس بالأمانات، وأعطيتهم رأيي، وهو كلّ ما أملك. رأيي الذي كنت، ولا أزال، وبإذن الله سأبقى، أكتبه علناً لا سرّاً.

أقرّ وأعترف بالذنب الذي يتهمني به ناشر «ويكيليكس» المجتزأة والمحوّرة والممنتجة (من مونتاج) حتّى يظهر «المتوكلك» كما لو أنّه العميل 007، الذي يهدّ الأسوار ويقفز فوق البحار، ويجمع الكنوز كفارس مغوار.
لنبدأ من البداية. ما هو السرّ الذي فضحه خبر ويكيليكس عن كاتب هذه السطور؟ أنّه يخاصم «حزب الله» في السياسة والكتابة والرأي والعلاقات؟
... أقرّ وأعترف: نعم أخاصمه. وأنت واللبنانيون يعلمون ذلك منذ زمن طويل. وما أكتبه وأقوله على الشاشات هو أكثر بكثير مما أقوله أمام الدبلوماسيين.
ما هي «الجريمة» التي ارتكبتها؟ جالست دبلوماسيين أميركيين؟ صودِف أنّ هناك جوليان أسانج، وصل إلى وثائق الخارجية الأميركية. ترى، لو كان هناك جوليان أسانجيّ إيرانيّ، أو قطريّ، أو سوريّ، ماذا كنّا سنقرأ عن ابراهيم الأمين؟
لنتخيّل ابراهيم جالساً في حضرة السفير غضنفر ركن أبادي. ولمَ التخيّلات والأحلام؟ «الأخبار» وعدت ذات يوم بنشر أسماء مموّليها، وهي لم تفعل طبعاً، لم تجرؤ على القول إن تمويلها سوريّ ــ إيرانيّ ــ قطريّ. حتّى قطر التي تجالس رؤساء إسرائيل، ولديها سفارة إسرائيلية وأكبر قاعدة أميركية عسكرية في الشرق، لم يجد ابراهيم مانعاً من أن يقول لها: شكراً قطر.
لنتخيّل ابراهيم مع وليّ نعمته. أو قل: أولياء نعمته. لنتخيل يمينه، نفسها التي يكتب بها. لا داعي للخيال. نعرف تماماً أنّ معلّمي ابراهيم، ميشال سماحة وجميل السيّد، حين كانا عائدين من سوريا، وبتسجيلات موثّقة، كانا في سيارة واحدة معدّة لقتل هذا وذاك، مواطنين أبرياء ورجال دين ونواباً ووزراء.
سماحة والسيّد هما محللان سياسيان وكاتبان بطريقة أو بأخرى. فهل أنا كاتب، وسماحة كاتب؟ لم أدعُ يوماً إلى قتل أحد. كلماتي لم تنقل متفجّرات. لم أحرّض على القتل كما فعل ابراهيم حين كتب أنّ «زمن المسامحة العامة انتهى».
ماذا يقصد؟ من هو ابراهيم ليسامح؟ ليقرّر من يُغفَر لهُ ومن لا يُسامَح؟ ما هي صفته الرسمية أو الوطنية؟ ما هو موقعه الحزبيّ؟ من يأمر؟ من ينفّذ؟ هل هو من آيات الله غير المعلنة؟ وكيف يمكن أن نحلّل كلامه؟ وهل حين يرفض أن يسامحني يكون اسمي قد ورد على لائحة السيارة الثانية من شركة سماحة لاستيراد المتفجّرات وتصدير الأرواح إلى العليّ العظيم؟
لستُ في وارد المقارنة بين حصوله على دعم من ثلاث دول على الأقلّ، وبين حديثه عن «طلب الدعم المالي الأميركي للوقوف في وجه حزب الله».
فأنا أدعوه إلى تبادل سفراء المحاسبة. إذا كان ابراهيم يعتبر كلّ من جالس دبلوماسياً غربيّاً يقبض منه المال، فذلك بسبب عادة لديه، أو نقيصة تؤرّقه.
أدعوه إلى أن يرسل محاسباً من جريدته ليطّلع على كشوفات حسابات مجلة «شؤون جنوبية»، أنا وشريكاي، زميلاه وصديقاه، فيصل عبد الساتر وقاسم قصير، وليتحقّق، وليسأل، كم جنيت من هذه المجلة طيلة 10 أعوام. فأنا وزميلاي دفعنا من مالنا الخاصّ، طيلة 10 أعوام، لتستمرّ هذه المجلّة. وأنا مستعدّ لكشف حسابات المجلة وحساباتي الشخصية على الملأ، ليعرف القاصي والداني كم أملك وبكم أدين.
في المقابل، أتمنّى على ابراهيم أن يسمح لي بإرسال محاسب يطّلع على دفاتر «الأخبار» المالية، لنعرف من أين تأتي ملايينه، وكيف تذهب. لنعرف ماذا يملك، ومن يملك أكثر، ومن أين جاءت الأملاك.
«شؤون جنوبية» تحصل على مساعدة سنوية (بالتأكيد أقلّ من 1% من تمويل جريدة الأخبار) من مؤسسة أهلية أميركية غير حكومية. وبالطبع، لا علاقة للسفارة الأميركية بهذا التمويل، فهو موجود قبل علاقتي بدبلوماسيين أميركيين. وهذه المؤسسة تموّل أكثر من 20 مؤسسة مدنية في لبنان، من الجنوب إلى الشمال، وبعلم الحكومة اللبنانية، ويمكن لأيّ كان أن يطّلع على العلاقة المالية ونشاط هذه المؤسسة وسواها بأبسط وسائل الاتصال الإنترنتية. لكن، ألا نعرف كلّنا من هي الحكومات التي تموّل جريدته؟
يقول ابراهيم إنّ «هؤلاء لم يتوقفوا عن التعامل مع الأميركيين». ماذا تعني كلمة «تعامل». أنا صحافيّ أجالس من أريد ساعة أريد. التعامل شأن آخر يعرفه من حلفائه وقيادييهم المتعاملين بالجملة مع العدوّ الإسرائيلي، من فايز كرم، إلى آخره من أسماء الحزب الحسنى. ويضيف ابراهيم: «هؤلاء يمسكون بالخنجر الدامي الحافر في ظهورنا». من حفر في ظهره؟ أليس هو من يحفر قبور خصومه بدلاً من مجادلتهم، محاولاً تعويض نضوب خياله وشحّ معرفته بقفزات بهلوانية.
يكتب عن الذين «سرقوا الأموال من هنا وهناك». لم نسمع صوتك يا ابراهيم تدافع عن آلاف الجنوبيين الذين أُكِلَت حقوقهم في تعويضات حرب تموز، وتنعّم بها أصدقاؤك من حزب الـ«envoy».
من يسرق المال العام؟ لم نسمع صوتكَ. من يسرق أموال مجلس الجنوب؟
من يسرق الوزارات؟ من سرق شركة الكهرباء مئة مرّة ومرّة؟ من سرق الأملاك البحرية؟ من يسرق الأملاك النهرية اليوم؟ أم أنّ قاعدة «كُن مع المقاومة واسرق ما شئت» تسري على مقالاتك؟
يتحدّث عن «أعنف معارك الأعداء ضدّ المقاومة في بلاد الشام». ألا تخجل يا ابراهيم؟ المقاومة في بلاد الشام؟ لا أرى غير يزيديين يقتلون 30 ألف ثائر مظلوم، أطفالاً ونساءً، ويتحدّثون عن مؤامرة.
«زمن المسامحة العامة انتهى» يقول ابراهيم. وماذا عن العملاء، من جنوب التائبين في ظلالهم، إلى المتن البرتقاليّ البطل وزغرتا المقاوِمة التي انحدروا بها من فارس بك كرم إلى فايز عميل كرم.
الرقاب وزمن المسامحة انتهى والحلّ الوسط. ماذا تريد يا ابراهيم؟ ماذا فعل بك كوب الدماء السورية اليوميّ؟ ألم ترتوِ بعد؟ ألن تنام قبل أن تصير قاتلاً بيديك العاريتين، بعدما صرتَ قاتلاً بالحبر منذ زمن طويل؟
أيُّ سياراتٍ تقود؟
يكتب ابراهيم ضدّ خصومه السياسيين في لحظة سقوط مشروع جريدة «الأخبار». هذا بعدما اغتال الوقت جوزف سماحة، وأجهز هو على من تبقّوا. طرد خالد صاغية بالاستقالة. لم يُطِق قلم فداء عيتاني. هجّج ثائر غندور ونادر فوز ورشا أبو زكي وبيسان طي وغيرهم. استقال كلّ الفريق الذي شكّله جوزف سماحة، رحمه الله.
الثورة السوريّة عرّت ابراهيم ومشروعه. بات وحيداً يجمّع الصحافيين من هنا وهناك، علّه يجد من بينهم من ينسى سوريا الشعب ويصلّي معه على حائط مبكى الأسد. انفخت دفّ الممانعة وتفرّق عشّاق «الأخبار». وحده ابراهيم صار مديراً ورئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة، والرجل الواحد في الخطّ الأماميّ متمترساً خلف الشبّيحة.
يكتب ابراهيم قائلاً: «ألا يتحسّس هؤلاء رقابهم وهم يخرجون يومياً من منازلهم النجسة؟». ماذا يقصد بالنجاسة؟ حلّل وناقش أيّها الفقيه المفوّه، أخبرنا أين تصلّي لتؤمّنا أيّها الإمام. من أين تعرّفت على مفردة «الطهارة» و«النجاسة»؟ أين سمعتها؟ متى صرتَ تفتي وتحرّم؟
ألم تنتبه يا ابراهيم أنّ جريدة «الأخبار» هي أكثر من شتم آل الأمين، حازماً ورامياً وعلياً ومحمداً ورجال دين وعلماء دين وشهداء وأمواتاً؟ هل هي صدفة أن تكون جريدة ابراهيم الأمين شتّامة آل الأمين؟ أليس في الأمر أبعد من السياسة وأقرب من الحقد الضيّق والعقد غير المبرّرة وإن كانت المفهومة أحياناً، لمن يدركون مرارات ابراهيم الخاصة وأوهامه؟ أليس هذا ما تكشفه حقيقة التناول السلبي لأفراد من عائلة واحدة على طول ما يقرب من عمر الصحيفة، بحيث ما إن يضع واحدنا اسمه على محرك البحث حتى تقفز مقالات شتمه في «الأخبار»، قبل أن يُدرج المحرك مقالاته! لا بأس علينا طبعاً، فالأمر مدعاة ضحك، ولكنه بالنسبة إلى ابراهيم مقلق وسبب لزيارة طبيب نفسي.
ينشر ابراهيم الويكيليكس الشيعيّ مُمَنتَجاً في لحظة «الحرس الثوري الإيراني في لبنان». يكتب، مجدَّداً ومكرِّراً، عن الذاكرة قبل 5 أو 6 سنوات ليدير رؤوسنا عن الحاضر. هو الإعلام يخترع أحداثاً ليغطّي على أخرى.
من يقرأ مقالتك يتذكّر غوبلز. كيف يمكن أن ينحدر الكاتب، وإن كان كاتب تقارير استخباراتية، إلى رتبة جلاد ومنفّذ أحكام إعدام؟ ما لك وما للرّقاب؟
صار ابراهيم، بعدما انتفخت أوداج نرجسيّته، يحقّق ويحكم وينفّذ الحكم.
ويريد أن يكتب لوائح القتل التي لم يتسنّ لزملائه ترتيبها قبل مجيء المخلّص ميلاد كفوري.
من يقرأ جريدتك يكاد يُخدع إلى أيّ مدى لديك غيرة حقيقية على المقاومة. أنت الذي أوقفت، فجأة، نشر ويكيليكس حركة «أمل» وأخواتها. من يواجه الولايات المتحدة الأميركية، كيف له أن يخاف من رئيس حركة «أمل»؟ خوف منعه من إكمال نشر ما كان، حصرياً، بحوزته، عندما وصلت الموسى إلى رقاب حلفاء المقاومة الداخليين الجنوبيين.
«أميركا» هذه دولة صديقة للبنانيين كلّهم، بشهادة المحور الذي تنتمي إليه، الممسك بالسلطة كاملة، حكومة ومجلساً نيابياً. «أميركا» التي موّلت وتموّل مشاريع بملايين الدولارات في بلديات الجنوب التي يمسكها «حزب الله» وحركة «أمل».
ثمّة «متعاملون» كثر مع «أميركا» لا تدعوهم إلى تحسّس رقابهم. بعضهم يدفع المعلوم، وآخرون يهزّون لك العصا. الرئيس نبيه برّي يخيفك. الرئيس نجيب ميقاتي، كيف طارت ويكيليكسياته؟ بكم من الدولارات يصير «المتعامل» وطنياً؟ بكم من الدولارات الأميركية تطير أسماء من لوائح شطب الويكيليكس وتغطّ على الصفحات الأولى؟
لا أظنني أوفيتك حقّك في المكتوب أعلاه.
أرسل محاسباً يطّلع على حساباتي، ودعني أرسل محاسباً يطّلع على حساباتك. قل لي من تجالس هذه الأيام. قل لي أيّ سيارات تقود؟ وكم تتّسع لحمير؟