strong>حذّر من «ضربات استباقية» تستهدف استعادة بعض من «قدرتها الردعية»محمد بدير
تستعد السلطات الإسرائيلية لملاحقة العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة قانونياً وتقديمه إلى المحاكمة بسبب الزيارة التي يقوم بها، ووفداً من فلسطينيي 48، إلى سوريا، حيث التقى عدداً من المسؤولين السوريين في مقدمتهم نائب الرئيس فاروق الشرع، وسط عاصفة انتقادات تجتاح الدولة العبرية مطالبة بنزع الحصانة البرلمانية عنه واعتباره «خائناً».
فقد قرر المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، فتح تحقيق جنائي مع بشارة، الذي يرأس حزب التجمع الديموقراطي، واثنين من أعضاء كتلة التجمّع في الكنيست، هما جمال زحالقة وواصل طه، بتهمة زيارتهم «بلداً عدواً» وتجاوزهم بذلك القانون الإسرائيلي الذي ينص على وجوب الحصول على إذن مسبّق من وزير الداخلية قبل سفر أعضاء كنيست إلى أراض معادية.
وجاءت خطوة مزوز استجابة لطلب من وزير الداخلية الإسرائيلي، روني بار أون، الذي أكد على "استنفاد كل الإجراءات القانونية بحق أعضاء الكنيست الثلاثة، من أجل وقف هذه الظاهرة المخجلة". ورأى بار أون، المقرب من رئيس الحكومة إيهود أولمرت، أن عدم استحصال أعضاء الكنيست الحاليين في الوفد على إذنه المسبّق يعني ارتكابهم لمخالفة قانونية، مشدداً على "ضرورة محاكمتهم كي تتوقف الزيارات التي لا تحظى بتصريح مسبّق".
وتوجه مزوز إلى رئيس شعبة التحقيقات والمعلومات في الشرطة الإسرائيلية، اللواء يوحنان دانينو، بطلب مباشرة التحقيق في القضية. وتصل العقوبة التي ينص عليها "قانون مكافحة التسلل"، الذي عُدل قبل خمسة أعوام لينص على حظر سفر أعضاء كنيست إلى "بلد معاد" من دون تصريح مسبّق من وزير الداخلية، إلى ثلاث سنوات سجن، علماً أن التعديل أُقر في حينه في أعقاب زيارة بشارة إلى سوريا عام 2001، وبعدما أبطلت المحكمة الإسرائيلية لائحتي اتهام قُدّمتا ضد بشارة بسبب تنظيمه حملات تضم عائلات من فلسطينيي الداخل لزيارة أقربائهم اللاجئين في سوريا، وبسبب كلمة له ألقاها في دمشق أيد فيها المقاومة وحقها في دحر الاحتلال.
وقد أثارت زيارة الوفد الذي يضم، إلى الدكتور بشارة، عضوي الكنيست الحاليين، واصل طه وجمال زحالقة، والسابقين، محمد ميعاري ومحمد كنعان، ردود فعل ساخطة في الأوساط الإعلامية والسياسية اليهودية في إسرائيل. وفيما قال عضو الكنيست عن حزب كاديما، عتنيئيل شنيلر، إنه سيتوجه إلى المستشار القانوني للحكومي، بطلب توقيف بشارة مع عودته إلى إسرائيل ورفع حصانته البرلمانية تمهيداً لتقديمه إلى المحاكمة بتهمة دعم العدو خلال الحرب، دعا رئيس حزب المفدال اليميني، زفولون أورليف، إلى المصادقة على مقترح مشروع قانون تقدم به يقضي بسحب عضوية الكنيست من أي نائب يتعاطف أو يؤيد دولة معادية أو منظمة «إرهابية». وطلب أورليف من رئيس لجنة الدستور في الكنيست عقد اجتماع فوري للجنة لبحث مشروع القانون.
وكان ناشط يميني من مستوطنة غوش قطيف سابقاً، يدعى آفي فرحان، تقدّم يوم الجمعة الماضي، بشكوى لدى الشرطة ضد الوفد الزائر لسوريا، وطالب باعتقال أعضائه فور عودتهم إلى البلاد، والتحقيق معهم بهدف التأكد من أنهم لم ينقلوا معلومات سرية إلى دمشق.
وتولت صحيفة «معاريف» إثارة القضية إعلامياً في قالب لم يخلُ من التحريض، فخصصت لها "مانشيت" الصفحة الأولى في عددها الصادر أمس. وتحت عنوان "هل يؤدي سفر عضو كنيست إلى دولة معادية إلى محاكمة للمرة الأولى؟" رأت الصحيفة أن النائب عزمي بشارة "ينجح كل سنة في إثارة الاستفزاز عندما يجتاز الحدود ويصل إلى سوريا". أضافت "لقد فعل بشارة ذلك الأسبوع الماضي عندما هبط في دمشق، لكن هذه المرة عقب تعديل قانوني من شأنه أن يجعل ثمن هذه الزيارة هو التحقيق الجنائي والمحاكمة المحتملة". كما أوردت الصحيفة، في عناوين فرعية ذات صلة، عبارات من قبيل: "عضو كنيست إسرائيلي يدعو سوريا إلى مواصلة النضال" و"المساعدة التي قدمها الأسد إلى نصر الله لم تخلّف أثراً لدى أعضاء الكنيست من التجمع الوطني".
ونشرت الصحيفة رأيين حول زيارة الوفد إلى سوريا: الأول، مؤيد بقلم عضو الكنيست العربي السابق عصام مخول، الذي رأى أن المناخ العام في إسرائيل يحاول أن يسقط الشرعية عن أي موقف يناهض الحرب البائسة على لبنان؛ والثاني لعضو الكنيست عن حزب "كاديما" عتنيئيل شنيلر اتهم فيه أعضاء الوفد بأنهم "خونة أنذال لدولتهم...مكانهم ليس الكنيست، بل السجن أو سوريا".
وبعيداً من أجواء التحريض الإسرائيليي التي ترافق زيارة الوفد، واصل الأخير نشاطه في دمشق، فالتقى أمس، نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. وعبّر بشارة، لمضيفه، عن "تقدير الشعب الفلسطيني لسوريا" التي تتعرض إلى "حملة افتراءات وضغوط بسبب مواقفها القومية المشرفة ورفضها لمنطق الإملاءات والرضوخ لمشيئة القوى الخارجية التي لا تضمر أي خير للمنطقة".
وذكرت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن الجانبين "بحثا المستجدات في المنطقة وخصوصاً تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان والأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، مشيرة إلى أن "الشرع استمع إلى تقويم شامل وشرح موضوعي لتداعيات الأحداث الأخيرة وانعكاساتها بعيدة المدى". أضافت "سانا" أن "وجهات النظر كانت متفقة على أن التطورات في المنطقة لا تسير وفق رغبات ونيّات أميركا وإسرائيل وأن السلام العادل والشامل الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي وحده الكفيل بتحقيق أمن واستقرار المنطقة".
وجدّد الشرع، بحسب «سانا»، التأكيد على "دعم سوريا لنضال الشعب الفلسطيني في الاستقلال وإقامة دولته على ترابه الوطني"، مشيراً إلى "أهمية تعزيز وحدة الصف الفلسطيني ونبذ الخلافات وإجهاض محاولات الإيقاع بأبناء الوطن الواحد".
وكان بشارة حذّر أول من أمس من قيام إسرائيل «بشن ضربات استباقية في أكثر من مكان لتجاوز أزمتها الداخلية ومحاولة استعادة بعض من قدرتها الردعية". ورأى بشارة، خلال لقائه الأمين القطري المساعد لحزب البعث، محمد سعيد بختيان، أن "سوريا هي الحاجز الممانع الأخير أمام الهجمة (الأميركية والإسرائيلية)"، مشدداً على أن سبب هذه الهجمة هو الموقف السوري الثابت غير القابل للتحول أو التغيير.
وأكد بختيان أن "سوريا تدعم الخيارات الفلسطينية وهي على استعداد دائم لتقديم ما يُطلب منها...(في سبيل) استعادة حقوق (الشعب الفلسطيني) كاملة وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقله وعاصمتها القدس الشريف". كما التقى الوفد مساء الجمعة الناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الشتات ماهر الطاهر.