الموازنة... تجميد منعاً لانفجار الحكومة
Strong>استحقاقات الحكومة الحالية كثيرة جداً. لكن هناك أولويات مختلفة عند الأطراف المشكلة لها، مع ميل مبالغ فيه لدى فريق رئيس الحكومة سعد الحريري إلى تحقيق ما يصفونه بـ«الإنجازات الاقتصادية» الواضحة، والمقصود هنا الوصول إلى خطوات لا تتضمن زيادة على الدين العام
هل يؤجل بتّ مشروع الموازنة العامة إلى وقت لاحق، أم يصار إلى وضعه على نار حامية مع ما يحيط به من أخطار قد تقود إلى انفجار يصيب الحكومة بضرر كبير إن لم يؤد إلى فرطها؟
السؤال مرده إلى استعجال رئيس الحكومة سعد الحريري بتّ مشروع الموازنة. وهو يعتقد أن بالإمكان إنجاز الأمر إذا عقدت تسويات مع بارزين أو نافذين في الحكومة. وحتى اللحظة يبدو أنه مطمئن إلى موافقة حلفائه في 14 آذار، إضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأضاف إليهم موافقة مبدئية لرئيس المجلس نبيه بري الذي يبرر عدم خوض معركة تعديل السياسة الضريبية بـ«أنه يجب مساعدة سعد الحريري على النجاح»، وخصوصاً أن الحريري لجأ أخيراً إلى التلويح بأنه إذا شعر بتفريغ حكومته من العمل المنتج ـــــ كما يتصوره هو ـــــ فمن الأفضل له ترك الحكومة باكراً، وعدم تحمل مسؤولية أي فشل لاحق.
وإذا كان الحريري متمسكاً إلى أبعد الحدود بعناوين السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية التي اتبعت في عهد والده الراحل، فهو الآن يظهر استعداداً للعودة إلى منطق المساومات والمقايضات. وفي هذا المجال، كان الحريري صريحاً مع حزب الله بقوله لهم: تركنا لكم موضوع المقاومة، فاتركونا نعمل في الداخل! ثم ما لبث أن سرب عرضاً على شكل صفقة بإعلانه أنه مستعد لتأجيل الانتخابات البلدية مقابل إمرار مشروعه للموازنة العامة.
وبالعودة إلى ملف الموازنة، فإن المشاورات لم تنته بعد إلى قرار حاسم، برغم الاجتماعات العديدة التي عقدت بعيداً عن الإعلام بين رئيس الحكومة وبعض قيادات المعارضة، بحضور الفريق الاقتصادي من الجانبين، حيث ركز فريق الحريري على كيفية مواجهة زيادة هامة بالنفقات، وأنه لا بد من توفير مصدر مالي لسد هذه الزيادة، إما من خلال الاستدانة، وإما باللجوء إلى ضرائب جديدة، أبرزها رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة.
لكن فريق المعارضة، الذي قدر سعي الحريري إلى سد هذه النفقات بدون اللجوء إلى الاستدانة، كان له رؤية أخرى، وذلك بعد سلسلة استشارات ودراسات أعدها أهم الخبراء الاقتصاديين في لبنان، وهي رؤية تقوم على توفير ما يلزم لسد هذه النفقات، لكن من موارد أخرى غير جيوب المواطنين العاديين، وبطريقة لا تؤدي إلى سحق ما بقي من طبقة وسطى في لبنان، ومن هنا عرضت ورقة تضمنت عدة أفكار، من أبرزها:
أرقام الحريري
حسب الأرقام التي عرضتها وزيرة المال ريا الحسن أمام ممثلي المعارضة، فإن مشروع موازنة عام 2010 سيتضمن زيادة في مجمل النفقات تبلغ نحو 3000 مليار ليرة، منها 500 مليار ليرة زيادة على خدمة الدين العام، و800 مليار ليرة لتسديد متأخرات وإقفال حسابات عدد من الصناديق، و350 مليار ليرة للهيئة العليا للإغاثة، و416 مليار ليرة لمجلس الإنماء والإعمار، و280 مليار ليرة للاستثمار في الكهرباء، و220 مليار ليرة لصيانة الطرق والأبنية، و120 مليار ليرة للمهجرين... والباقي موزّع على الوزارات، بما فيها الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد والبطاقة الصحّية والزراعة والتربية (بسبب الاضطرار إلى تغذية صناديق المدارس في حال إلغاء رسوم التسجيل في المدارس الرسمية).
لقد رفض معظم الأطراف هذه الإجراءات، فطالب البعض بفرض ضريبة على الربح العقاري، وإخضاع ربح الفوائد لمعدّلات ضريبة أرباح الشركات نفسها (إذا رفضت المصارف خفض الفوائد على الدين القائم والجديد)، وطُرح إمكان فرض ضريبة على الأرض كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الموقف الأشد صلابة جاء من أحد الأطراف، الذي رأى أنه ليس هناك أي مبرر لاتخاذ إجراءات ضريبية قبل التوافق على أهداف السياسة النقدية وأدواتها، وبالتالي تحديد أهداف السياسات المالية في ظل حكومة وحدة وطنية تمثّل فرصة نادرة لإرساء مثل هذا التوافق.
ماذا يعني ذلك؟
إن وجود فائض ضخم في حساب الخزينة يمنح هذه الحكومة مجالاً واسعاً لإعطاء الوقت الكافي للحوار في الخيارات، وبالتالي للوصول إلى تصحيحات جدّية تسمح بزيادة أنواع من الإيرادات بهدف معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، لا جباية المزيد من الأموال السهلة، لكن المؤذية.
فالإنفاق الإضافي المقترح يتوزّع عملياً بين استثمارات مجدية ونفقات لمرّة واحدة (متأخرات وتحويلات ومساهمات مختلفة) ونفقات جارية، وبالتالي فإن الاستدانة لتمويل الاستثمارات المجدية ليست أمراً عيباً، ولا سيما أن المطروح في مقابلها تعديلات في بنية التعرفات، كما هي الحال في الكهرباء والمياه والنقل العام، أي إن كلفة هذه الاستدانة ستُموَّل من خلال بيع الخدمات ورفع أسعارها، وبالتالي لا يجوز تحميل المستهلكين هذه الكلفة مرتين: مرّة بفرض الضرائب ومرّة برفع الأسعار، ولا سيما أن بعض الخدمات لا يستوي وضعها سريعاً، إذ سيبقى المستهلك لفترة طويلة يسدد أكلاف البدائل المتاحة عبر اشتراكات المولّدات الخاصة أو عبر شراء المياه للشرب والخدمة والري أو عبر استخدام السيارات الخاصة وتسديد رسوم البنزين ورسوم الميكانيك وغير ذلك.
أمّا النفقات لمرّة واحدة، فهي لمرّة واحدة، بمعنى أنها غير متكررة، وبالتالي لا تجوز زيادة ضرائب الاستهلاك لتمويلها، إذ يمكن إصدار سندات خزينة خاصة بفائدة قريبة من الصفر لتمويلها... ويبقى الإنفاق الجاري، فهو يفرض إعادة هيكلة النفقات، باعتبار أن الموازنة تحتوي على بنود كثيرة وكبيرة لإنفاق لا يتسم بأي أهمية أو أولوية، وإذا شُطب بعض هذه البنود، فإن الوفر سيتجاوز كثيراً قيمة الزيادة في هذا النوع من الإنفاق.
وفي كل الأحوال، يجدر بالحكومة أن تمارس دورها كسلطة تنفيذية، وبالتالي أن تسائل السلطة النقدية عن أعمالها، فهل نحن بحاجة إلى كل هذه التدفقات من الودائع؟ الوقائع تفيد بأننا لسنا بحاجة إليها، وبالتالي يمكن التوافق مع حاكمية مصرف لبنان والمصارف المحلية على إجراء خفض ملموس على الفوائد، بما في ذلك فوائد الدين القائم، ما يحقق وفراً كبيراً جداً.
كذلك فإن وجود فائض في السيولة لدى المصارف يسمح بالحصول على تمويلات بأكلاف منخفضة، فالمصارف تمتلك مصلحة في ذلك، وبالتالي لا يمكن تغطية الإنفاق الاستثماري المقترح في المشروع فقط، بل زيادة إلى الضعف لبناء شبكات نقل حديثة تعالج المشكلات القائمة وتحديث البنى التحتية وظروف معيشة السكان.
المفارقة أن مساعد وزيرة المال أقرّ في إحدى جلسات النقاش بأن الموازنة ستحقق فائضاً أولياً بقيمة 1000 مليار ليرة إذا استُثني الإنفاق الاستثماري المجدي وسُددت المتأخرات، وذلك من دون أي إجراء من الإجراءات السابقة.
إن هذه الأفكار يمكن أن تجعل من الرئيس سعد الحريري بطلاً إصلاحياً بدلاً من أن يتحوّل إلى فؤاد السنيورة الآخر بفعل استسهال فرض الضرائب غير المباشرة على الناس، وكل الإجراءات الممكنة في هذا الإطار لن تزيد الدين العام بأكثر مما تزيده عمليات امتصاص السيولة.
(الأخبار)
جنبلاط: لم يناقشنا أحد بالموازنة
ثائر غندور
رغم أن الجوّ السياسي يتّجه إلى التصعيد على خطّ الموازنة، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، حافظ على جو التهدئة، وقال لـ«الأخبار» إنه يرى ضرورة لإقرار الموازنة قريباً من أجل تسيير الأمور في البلد، إذ لا يجوز أن تستمر حالة الجمود. لكن جنبلاط أشار إلى أن الرئيس سعد الحريري وعده بإرسال مشروع واضح ليدرسه الحزب، وقد كلّف الوزير غازي العريضي متابعته، «لكن لم يصلنا شيء حتى الآن».
وينفي جنبلاط أن يكون قد دخل على خط المفاوضات بين الرئيس نبيه بري والحريري، مشيراً إلى أن بري مهتمّ في الوقت الحالي بدراسات وصلته تُؤكّد وجود الغاز في منطقة جنوب لبنان والشاطئ المقابل لها، وبدراسة تُشير إلى وجود نقطة في البحر فيها مياه حلوة، وهناك إمكان لاستثمارها.
في المقابل، فإن الجو السياسي يُشير إلى إمكان حصول تصعيد يُهدّد الهدوء الشكلي لحكومة الوحدة الوطنيّة التي لم تُنتج شيئاً، سوى صرف شهر من مجالس العزاء على ضحايا الطائرة الإثيوبيّة (وهو شهر لم يصدر خلاله أي قرار في ما يخصّ الطائرة)، وصرف شهر على مناقشات هدفها الفعلي «تأجيل الانتخابات البلديّة»، بحسب ما قال أحد وزراء الحكومة متهكّماً.
وتشير المعلومات السياسيّة إلى أن الرئيس سعد الحريري وفريقه باتا يطرحان مقايضة على حزب الله تقول الآتي: «مرّروا الموازنة كما نريدها فنُؤجّل لكم الانتخابات البلديّة». وهذا ما أثار حزب الله، لأن طرح مثل هذه المقايضة يظهره كأنه الطرف الوحيد الذي يرغب في تأجيل الانتخابات البلديّة.
ويؤكّد أحد الوزراء أن حزب الله استمزج رأي بعض القوى لمعرفة ما إذا ما كانت توافق على التأجيل، لكن أحد نوّاب الحزب، يقول إن السبب الوحيد للتأجيل هو الانتهاء من الإصلاحات المطلوبة لإجراء الانتخابات بهدوء.
وفي هذا الإطار، يُشير أحد الوزراء إلى أن جميع القوى السياسيّة ترغب في تأجيل الانتخابات ما عدا ثلاثاً: رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان والقوات اللبنانيّة، اللذان يجدان أن الانتخابات ستجعلهما يفوزان ولو ببلديّة واحدة، فيما هما اليوم غير موجودين في أي بلديّة، وسليمان لا يريد أن يُقال إن في عهده تأجّلت الانتخابات البلديّة. أمّا الطرف الثالث فهو الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي تُعدّ نتائج الانتخابات عنده شبه منتهية، وخصوصاً أن العلاقة مع منافسَيه الوحيدَين (الحزب الديموقراطي اللبناني وتيّار التوحيد) في أفضل أوقاتها. في المقابل، فإن جميع القوى ومنها تيّار المستقبل لا تُريد ضمناً إجراء الانتخابات، ولكل سببه.
عمليّة المقايضة التي يطلبها الحريري هي القبول بزيادة الضريبة على القيمة المضافة. ويتحدّث أحد الوزراء الذين يلتقون الحريري، عن أن الرجل يُريد أن يُحقّق «إنجازاً مالياً». ويُريد أن يُظهّر صورته في الداخل والخارج كسعد رفيق الحريري الذي يستطيع أن يُحقق الإنجازات الاقتصاديّة. ويُقارن الحريري نفسه مع أبيه، فيقول: «أبي حقّق إنجازاً في الاقتصاد، ثم في السياسة. أمّا أنا فحقّقت إنجازاً في السياسة في السنوات الخمس الماضية، فأريد تحقيق إنجاز في الاقتصاد». ويستدرك: «لكنني لا أريد أن أزيد الدين العام، لأنه بعد خمس سنوات على موت والدي، لا يزالون يُعيّرونه بأنه راكم الدين على لبنان».
في أي حال، يبدو من المعطيات السياسيّة أن الحريري يتجه إلى سوء إدارة الحكومة، ما يُدخلها في تعطيل أسوأ مما هي فيه الآن، بعدما فشل في إدارة ملف العلاقة مع سوريا.
هل يؤجل بتّ مشروع الموازنة العامة إلى وقت لاحق، أم يصار إلى وضعه على نار حامية مع ما يحيط به من أخطار قد تقود إلى انفجار يصيب الحكومة بضرر كبير إن لم يؤد إلى فرطها؟
السؤال مرده إلى استعجال رئيس الحكومة سعد الحريري بتّ مشروع الموازنة. وهو يعتقد أن بالإمكان إنجاز الأمر إذا عقدت تسويات مع بارزين أو نافذين في الحكومة. وحتى اللحظة يبدو أنه مطمئن إلى موافقة حلفائه في 14 آذار، إضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأضاف إليهم موافقة مبدئية لرئيس المجلس نبيه بري الذي يبرر عدم خوض معركة تعديل السياسة الضريبية بـ«أنه يجب مساعدة سعد الحريري على النجاح»، وخصوصاً أن الحريري لجأ أخيراً إلى التلويح بأنه إذا شعر بتفريغ حكومته من العمل المنتج ـــــ كما يتصوره هو ـــــ فمن الأفضل له ترك الحكومة باكراً، وعدم تحمل مسؤولية أي فشل لاحق.
وإذا كان الحريري متمسكاً إلى أبعد الحدود بعناوين السياسة الاقتصادية والمالية والنقدية التي اتبعت في عهد والده الراحل، فهو الآن يظهر استعداداً للعودة إلى منطق المساومات والمقايضات. وفي هذا المجال، كان الحريري صريحاً مع حزب الله بقوله لهم: تركنا لكم موضوع المقاومة، فاتركونا نعمل في الداخل! ثم ما لبث أن سرب عرضاً على شكل صفقة بإعلانه أنه مستعد لتأجيل الانتخابات البلدية مقابل إمرار مشروعه للموازنة العامة.
المعارضة مستعدة للانتخابات البلدية غداً وترفض مقايضتها بالتخلي عن نقاش الموازنة
ومع أن حزب الله ومعه بقية قوى المعارضة السابقة، بمن فيهم العماد ميشال عون، أكدوا عدم طرحهم أمر التأجيل، فقد كانت هذه القوى حريصة على إبلاغ الحريري أنها مستعدة لإجراء الانتخابات البلدية غداً، وبالتالي سحب هذا العنوان من التداول، علماً بأنه كان بنداً على جدول أعمال ليلي جمع أمس الرئيس الحريري مع النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، حيث لم تتضح صورة التوافق الإجمالي على بنود عدة، بينها ما هو عالق في ملف التعيينات الإدارية والأمنية والدبلوماسية وغيرها.وبالعودة إلى ملف الموازنة، فإن المشاورات لم تنته بعد إلى قرار حاسم، برغم الاجتماعات العديدة التي عقدت بعيداً عن الإعلام بين رئيس الحكومة وبعض قيادات المعارضة، بحضور الفريق الاقتصادي من الجانبين، حيث ركز فريق الحريري على كيفية مواجهة زيادة هامة بالنفقات، وأنه لا بد من توفير مصدر مالي لسد هذه الزيادة، إما من خلال الاستدانة، وإما باللجوء إلى ضرائب جديدة، أبرزها رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة.
لكن فريق المعارضة، الذي قدر سعي الحريري إلى سد هذه النفقات بدون اللجوء إلى الاستدانة، كان له رؤية أخرى، وذلك بعد سلسلة استشارات ودراسات أعدها أهم الخبراء الاقتصاديين في لبنان، وهي رؤية تقوم على توفير ما يلزم لسد هذه النفقات، لكن من موارد أخرى غير جيوب المواطنين العاديين، وبطريقة لا تؤدي إلى سحق ما بقي من طبقة وسطى في لبنان، ومن هنا عرضت ورقة تضمنت عدة أفكار، من أبرزها:
أرقام الحريري
حسب الأرقام التي عرضتها وزيرة المال ريا الحسن أمام ممثلي المعارضة، فإن مشروع موازنة عام 2010 سيتضمن زيادة في مجمل النفقات تبلغ نحو 3000 مليار ليرة، منها 500 مليار ليرة زيادة على خدمة الدين العام، و800 مليار ليرة لتسديد متأخرات وإقفال حسابات عدد من الصناديق، و350 مليار ليرة للهيئة العليا للإغاثة، و416 مليار ليرة لمجلس الإنماء والإعمار، و280 مليار ليرة للاستثمار في الكهرباء، و220 مليار ليرة لصيانة الطرق والأبنية، و120 مليار ليرة للمهجرين... والباقي موزّع على الوزارات، بما فيها الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد والبطاقة الصحّية والزراعة والتربية (بسبب الاضطرار إلى تغذية صناديق المدارس في حال إلغاء رسوم التسجيل في المدارس الرسمية).
رئيس الحكومة يريد حماية خطط والده ويرفض تعديل السياسة الضريبية وأبوابها
وأبلغت الحسن محاوريها أنها تقترح زيادة الإيرادات بقيمة 2000 مليار ليرة، على أن يُغطى الباقي بالاستدانة (1000 مليار ليرة)، وبالتالي عرضت أفكاراً لزيادة الضريبة على القيمة المضافة واعتماد معدّلات تصاعدية لرسوم تسجيل العقارات وفرض ضريبة على إعادة التقويم الاستثنائية لأصول الشركات وجباية رسوم على إشغالات الأملاك العامّة البحرية... فضلاً عن النمو الطبيعي في الإيرادات الناجم عن تقديرات بتحقيق معدّل نمو اقتصادي بنسبة 4.5% هذا العام.لقد رفض معظم الأطراف هذه الإجراءات، فطالب البعض بفرض ضريبة على الربح العقاري، وإخضاع ربح الفوائد لمعدّلات ضريبة أرباح الشركات نفسها (إذا رفضت المصارف خفض الفوائد على الدين القائم والجديد)، وطُرح إمكان فرض ضريبة على الأرض كما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن الموقف الأشد صلابة جاء من أحد الأطراف، الذي رأى أنه ليس هناك أي مبرر لاتخاذ إجراءات ضريبية قبل التوافق على أهداف السياسة النقدية وأدواتها، وبالتالي تحديد أهداف السياسات المالية في ظل حكومة وحدة وطنية تمثّل فرصة نادرة لإرساء مثل هذا التوافق.
ماذا يعني ذلك؟
إن وجود فائض ضخم في حساب الخزينة يمنح هذه الحكومة مجالاً واسعاً لإعطاء الوقت الكافي للحوار في الخيارات، وبالتالي للوصول إلى تصحيحات جدّية تسمح بزيادة أنواع من الإيرادات بهدف معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، لا جباية المزيد من الأموال السهلة، لكن المؤذية.
فالإنفاق الإضافي المقترح يتوزّع عملياً بين استثمارات مجدية ونفقات لمرّة واحدة (متأخرات وتحويلات ومساهمات مختلفة) ونفقات جارية، وبالتالي فإن الاستدانة لتمويل الاستثمارات المجدية ليست أمراً عيباً، ولا سيما أن المطروح في مقابلها تعديلات في بنية التعرفات، كما هي الحال في الكهرباء والمياه والنقل العام، أي إن كلفة هذه الاستدانة ستُموَّل من خلال بيع الخدمات ورفع أسعارها، وبالتالي لا يجوز تحميل المستهلكين هذه الكلفة مرتين: مرّة بفرض الضرائب ومرّة برفع الأسعار، ولا سيما أن بعض الخدمات لا يستوي وضعها سريعاً، إذ سيبقى المستهلك لفترة طويلة يسدد أكلاف البدائل المتاحة عبر اشتراكات المولّدات الخاصة أو عبر شراء المياه للشرب والخدمة والري أو عبر استخدام السيارات الخاصة وتسديد رسوم البنزين ورسوم الميكانيك وغير ذلك.
أمّا النفقات لمرّة واحدة، فهي لمرّة واحدة، بمعنى أنها غير متكررة، وبالتالي لا تجوز زيادة ضرائب الاستهلاك لتمويلها، إذ يمكن إصدار سندات خزينة خاصة بفائدة قريبة من الصفر لتمويلها... ويبقى الإنفاق الجاري، فهو يفرض إعادة هيكلة النفقات، باعتبار أن الموازنة تحتوي على بنود كثيرة وكبيرة لإنفاق لا يتسم بأي أهمية أو أولوية، وإذا شُطب بعض هذه البنود، فإن الوفر سيتجاوز كثيراً قيمة الزيادة في هذا النوع من الإنفاق.
وفي كل الأحوال، يجدر بالحكومة أن تمارس دورها كسلطة تنفيذية، وبالتالي أن تسائل السلطة النقدية عن أعمالها، فهل نحن بحاجة إلى كل هذه التدفقات من الودائع؟ الوقائع تفيد بأننا لسنا بحاجة إليها، وبالتالي يمكن التوافق مع حاكمية مصرف لبنان والمصارف المحلية على إجراء خفض ملموس على الفوائد، بما في ذلك فوائد الدين القائم، ما يحقق وفراً كبيراً جداً.
كذلك فإن وجود فائض في السيولة لدى المصارف يسمح بالحصول على تمويلات بأكلاف منخفضة، فالمصارف تمتلك مصلحة في ذلك، وبالتالي لا يمكن تغطية الإنفاق الاستثماري المقترح في المشروع فقط، بل زيادة إلى الضعف لبناء شبكات نقل حديثة تعالج المشكلات القائمة وتحديث البنى التحتية وظروف معيشة السكان.
المفارقة أن مساعد وزيرة المال أقرّ في إحدى جلسات النقاش بأن الموازنة ستحقق فائضاً أولياً بقيمة 1000 مليار ليرة إذا استُثني الإنفاق الاستثماري المجدي وسُددت المتأخرات، وذلك من دون أي إجراء من الإجراءات السابقة.
إن هذه الأفكار يمكن أن تجعل من الرئيس سعد الحريري بطلاً إصلاحياً بدلاً من أن يتحوّل إلى فؤاد السنيورة الآخر بفعل استسهال فرض الضرائب غير المباشرة على الناس، وكل الإجراءات الممكنة في هذا الإطار لن تزيد الدين العام بأكثر مما تزيده عمليات امتصاص السيولة.
(الأخبار)
جنبلاط: لم يناقشنا أحد بالموازنة
ثائر غندور
رغم أن الجوّ السياسي يتّجه إلى التصعيد على خطّ الموازنة، فإن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، حافظ على جو التهدئة، وقال لـ«الأخبار» إنه يرى ضرورة لإقرار الموازنة قريباً من أجل تسيير الأمور في البلد، إذ لا يجوز أن تستمر حالة الجمود. لكن جنبلاط أشار إلى أن الرئيس سعد الحريري وعده بإرسال مشروع واضح ليدرسه الحزب، وقد كلّف الوزير غازي العريضي متابعته، «لكن لم يصلنا شيء حتى الآن».
وينفي جنبلاط أن يكون قد دخل على خط المفاوضات بين الرئيس نبيه بري والحريري، مشيراً إلى أن بري مهتمّ في الوقت الحالي بدراسات وصلته تُؤكّد وجود الغاز في منطقة جنوب لبنان والشاطئ المقابل لها، وبدراسة تُشير إلى وجود نقطة في البحر فيها مياه حلوة، وهناك إمكان لاستثمارها.
في المقابل، فإن الجو السياسي يُشير إلى إمكان حصول تصعيد يُهدّد الهدوء الشكلي لحكومة الوحدة الوطنيّة التي لم تُنتج شيئاً، سوى صرف شهر من مجالس العزاء على ضحايا الطائرة الإثيوبيّة (وهو شهر لم يصدر خلاله أي قرار في ما يخصّ الطائرة)، وصرف شهر على مناقشات هدفها الفعلي «تأجيل الانتخابات البلديّة»، بحسب ما قال أحد وزراء الحكومة متهكّماً.
وتشير المعلومات السياسيّة إلى أن الرئيس سعد الحريري وفريقه باتا يطرحان مقايضة على حزب الله تقول الآتي: «مرّروا الموازنة كما نريدها فنُؤجّل لكم الانتخابات البلديّة». وهذا ما أثار حزب الله، لأن طرح مثل هذه المقايضة يظهره كأنه الطرف الوحيد الذي يرغب في تأجيل الانتخابات البلديّة.
ويؤكّد أحد الوزراء أن حزب الله استمزج رأي بعض القوى لمعرفة ما إذا ما كانت توافق على التأجيل، لكن أحد نوّاب الحزب، يقول إن السبب الوحيد للتأجيل هو الانتهاء من الإصلاحات المطلوبة لإجراء الانتخابات بهدوء.
وفي هذا الإطار، يُشير أحد الوزراء إلى أن جميع القوى السياسيّة ترغب في تأجيل الانتخابات ما عدا ثلاثاً: رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان والقوات اللبنانيّة، اللذان يجدان أن الانتخابات ستجعلهما يفوزان ولو ببلديّة واحدة، فيما هما اليوم غير موجودين في أي بلديّة، وسليمان لا يريد أن يُقال إن في عهده تأجّلت الانتخابات البلديّة. أمّا الطرف الثالث فهو الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي تُعدّ نتائج الانتخابات عنده شبه منتهية، وخصوصاً أن العلاقة مع منافسَيه الوحيدَين (الحزب الديموقراطي اللبناني وتيّار التوحيد) في أفضل أوقاتها. في المقابل، فإن جميع القوى ومنها تيّار المستقبل لا تُريد ضمناً إجراء الانتخابات، ولكل سببه.
عمليّة المقايضة التي يطلبها الحريري هي القبول بزيادة الضريبة على القيمة المضافة. ويتحدّث أحد الوزراء الذين يلتقون الحريري، عن أن الرجل يُريد أن يُحقّق «إنجازاً مالياً». ويُريد أن يُظهّر صورته في الداخل والخارج كسعد رفيق الحريري الذي يستطيع أن يُحقق الإنجازات الاقتصاديّة. ويُقارن الحريري نفسه مع أبيه، فيقول: «أبي حقّق إنجازاً في الاقتصاد، ثم في السياسة. أمّا أنا فحقّقت إنجازاً في السياسة في السنوات الخمس الماضية، فأريد تحقيق إنجاز في الاقتصاد». ويستدرك: «لكنني لا أريد أن أزيد الدين العام، لأنه بعد خمس سنوات على موت والدي، لا يزالون يُعيّرونه بأنه راكم الدين على لبنان».
في أي حال، يبدو من المعطيات السياسيّة أن الحريري يتجه إلى سوء إدارة الحكومة، ما يُدخلها في تعطيل أسوأ مما هي فيه الآن، بعدما فشل في إدارة ملف العلاقة مع سوريا.