واشنطن تكبح السنيورة: لستم من أولويّاتنا

من يتابع أداء رئيس كتلة المستقبل، فؤاد السنيورة، خلال الاجتماعات التي يرأسها لزملائه، يلحظ قدرة هذا الرجل على ضبط نفسه وضبط من حوله. أبرز الأمثلة على ذلك حصل أمس، حيث خاض السنيورة نقاشات حادة مع عدد من نواب المستقبل على خلفية الموقف من أحداث سوريا؛ إذ طالب عدد من المستقبليين بإصدار موقف واضح من الأزمة في سوريا ودعم شعبها واستنكار ممارسات النظام. وُوجه السنيورة بالكثير من الحجج السياسية والإنسانية، وحتى الطائفية لدعم الشعب في سوريا وعدم السكوت عما يتعرّض له السوريون في بلدهم.

لكن رئيس الكتلة اعترض على هذا النقاش، وأعاد وضعه في نصابه، مشيراً إلى أنّ دعم الشعب السوري يكون في منحه الحرية الكاملة في التعبير عن نفسه وحده ودون أي مساعدة. وكان السنيورة قاسياً في كبح المواقف الاعتراضية التي سجّلت من حوله، فكان أنّ خرج البيان الأسبوعي للمستقبل محافظاً على صيغته السابقة بعدم التدخل في الشؤون السورية.
يتحدث كثيرون ممن يعرفون السنيورة عن موهبة الكتمان التي يتمتّع بها هذا الرجل، أو بمعنى آخر عن باطنيّته الشديدة، وهو ما يظهر من خلال أسلوبه في الكلام والنقاش في الجلسات التي يحضرها أكثر من شخصين. ويمكن اختصار الشخصية الحوارية للسنيورة بكونه يتعاطى مع مناقشيه «كأنّ ثمة في أي جلسة آلة تسجيل شغّالة». فليس غريباً أنه لم يوقع نفسه في مستنقع ويكيليكس كما فعل من هم أكبر منه أو أصغر.
ومن يجلس مع السنيورة أكثر من مرتين أسبوعياً، يدرك أنّ الأخير بات يعلم تماماً متى يبوح بأفكاره وينشرها ومتى يكبتها. فمثلاً، خلال رحلته الطويلة مطلع هذا الشهر إلى نيويورك وواشنطن، ومن بعدهما إلى باريس، عرف السنيورة في أي مجلس يتحدث عن الأزمة في سوريا وفي أي قاعة يتناول ملف الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي أو السلاح النووي الإيراني. وفي الجولة التي قام بها كابتن المستقبل على المسؤولين الأميركيين، سمع السنيورة ـــــ على ما أفاد أحد المطلعين عن كثب على أجواء جولته ـــــ كلاماً حرفياً عن أنّ الإدارة الأميركية «لا تنوي التدخل مباشرة في الأزمة السورية»، وأنّ «لبنان ليس مدرجاً ضمن لائحة الأولويات الأميركية في المنطقة»، فكان أن بسّط رجلُنا هذه الخلاصات، وحملها معه إلى بيروت حيث هو مضطر إلى مناقشة كثيرين من المتشددين المستقبليين. ففي لقاءات مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي هاورد بارمن، وفي آخر مع عضو الكونغرس ستيف شابوت، استمع إلى الموقف الأميركي بشأن سوريا القائل بأنّ «نظاماً ضعيفاً فيها أفضل وأضمن بألف مرّة من سقوط حزب البعث». لكن السنيورة حمل معه إلى واشنطن أيضاً الأفكار المتشددة غير الداعية إلى مداراة دمشق ودفعها إلى التطوّر التدريجي، فانتقد بحضور المسؤولين الأميركيين، بارمن وشابوت وغيرهما، القراءة والأداء الأميركيين اللذين يفترضان أنّ إضعاف النظام السوري سيؤدي إلى شق الحلف بين دمشق وطهران، وبالتالي القضاء على محور الشرّ. ونقل أحد المطّلعين على أجواء لقاءات السنيورة في واشنطن، قول القائد المستقبلي إنّ «سوريا تشعل النيران ثم تنتظر الغرب ليطلب منها إطفاء النيران، فتحقق مكاسبها». ويضيف المتحدث أنّ السنيورة لم يتردد في الإشارة إلى استيائه من عدم التأييد الأميركي لما قدّمه، ومن القلق الذي أعرب عنه في حال نجاح دمشق في تجاوز محنتها.
ما لم يؤكده أحد بعد هو ما إذا كان السنيورة قد التقى كلاً من عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في معهد جونز هوبكينز، بول وولفويتز، ورئيس دائرة العلوم السياسية فيه، فؤاد عجمي، باعتبار أنّ رئيس كتلة المستقبل ألقى محاضرة في هذا المعهد. مع العلم بأنّ لقاء السنيورة بوولفويتز وعجمي، في حال حصوله، يحمل الكثير من الدلالات؛ لأن هذين الرجلين معروفان في انتماءاتهما الأبعد من اليمين ودعمهما الكامل لإسرائيل ضد العرب. ويستبعد أحد المحيطين بالسنيورة قيامه بهذا اللقاء، مشيراً إلى أنّ اجتماعاً كهذا كان سيظهر في الإعلام الأميركي، «وخصوصاً أنّ الأميركيين لا يعانون عقدة الاجتماعات السياسية السرية، ولا يهابون طرح هذه المواضيع في الإعلام».
بعيداً عن هذا اللقاء غير المؤكد، كان لافتاً اجتماع السنيورة، بوصفه رئيس كتلة نيابية، بمجموعة من المسؤولين في البيت الأبيض منهم المساعد الخاص للرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دنيس روس، ومسؤول الأمن القومي دان شابيرو، ومدير مكتب إيران في البيت الأبيض بونيت تالورا، والمدير الجديد للشرق الأوسط ستيف سايمن، واجتماع آخر في وزارة الخارجية مع نائب الوزيرة، جيمس ستاينبرغ.
في هذه اللقاءات شبه الرسمية، من المستغرب أن يتناول رئيس كتلة نيابية لبنانية الملف الإيراني مع المسؤول عنه في الإدارة الأميركية! لكن السنيورة في هذه الاجتماعات المعلنة لم يتأخر في التشديد على مجموعة من القضايا السياسية الهامة لدى فريقه، وهي تسليح الجيش اللبناني. فدعا مضيفيه إلى «الإقلاع عن الحجة القائلة إن السلاح قد يذهب إلى حزب الله، باعتبار أنّ الحزب لا يحتاج إلى سلاح الجيش اللبناني، بل الجيش بحاجة إلى السلاح لكي يثبت وجوده ويكون قوة السلطة الشرعية التي تعمل لبسط سلطتها على الأراضي اللبنانية»، إضافة إلى حديثه المستفيض عن الثورات العربية و«الربيع العربي».
كل ما حمله السنيورة معه إلى بيروت يتلخّص بالآتي: إنه أوان ضبط النفس، فليس من قرار غربي بإسقاط خصمنا في سوريا.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي