«انتفاضة» الأسير... وكرة الثلج


قبل نحو عام، كانت النتائج التي يعود بها محرك البحث العالمي «غوغل» حين السؤال عن «أحمد الأسير»، لا تتعدى صورة وحيدة لرجل بلحية طويلة وابتسامة خجولة، يجلس على كرسي بلاستيكي في ما يشبه مناسبة اجتماعية. اليوم، أكثر من ثمانية ملايين نتيجة بين أخبار وصور وفيديوهات تأتيك عند السؤال عن «الشيخ». تغير الكثير في أشهر معدودة.
يدخل الأسير يوماً أحد البيوت في صيدا لأداء واجب العزاء. يجلس بالقرب من رجال يتبادلون أطراف الحديث. يؤكد أحدهم بصوت مسموع أن الشيخ الأسير يتلقى تمويلاً خارجياً. يبادر الشيخ إلى سؤاله عما إذا كان متأكداً من ذلك، وعما إذا كان يعرفه شخصياً. يخبره الرجل أنه قال ذلك للأسير نفسه. يقول له الشيخ «أنا أحمد الأسير».
تعكس رمزية هذه الحادثة بدايات «العلاقة المرئية» بين الأسير والجمهور. اليوم، قد لا تتكرر هذه الحادثة. كل لبنان بات يعرف أحمد الأسير. سابقاً، كان «المريدون» يسألون شيخهم: لماذا لا تخرج إلى الإعلام؟ كان الجواب دوماً «لا أحب ذلك، ولا أجد لنا حاجة فيه». اليوم، اختلف الوضع كلياً. بات الأسير الخبر الأول في لبنان، والأمر مرشح ليستمر.
أسئلة كثيرة عن شخصية بات من الصعب تجاهلها. فعلى الرغم من تأكيده أنه لم ولن يدخل المعترك السياسي أو الديني، إلا أن المترقبين لتحركات الأسير وحركته يكثرون بكثرة مريديه، والكل يسأل «من أين أتانا هذا الرجل، وإلى أين سيذهب بنا، وما الذي يريده من اعتصامه المفتوح، وكيف سينتهي الأمر؟».
«ما قبل الاعتصام لن يكون ما بعده»، هذا ما يؤكده الأسير. ومن يعرفه جيداً يعرف بالفعل ماذا يمكن أن يعني ذلك. «نحن أمام محاولة لقيام لبنان جديد». من التبسيط القول إن ما ينادي به الاعتصام هو تسليم سلاح أحزاب لبنانية على شكل النكات التي يتم تداولها. أو أنها خطوة متهورة لم تحسب جيداً، وأن عنوانها أكبر بكثير من تجمع بعض معتصمين في شارع، ومن هو الأسير نفسه أمام معركة دول ومعادلات إقليمية.
«الانتفاضة» ضد السلاح، كما يحلو للأسير أن يسميها هي في الواقع «ثورة على ما كان قائماً لسنوات باعتباره من المسلّمات التي لا يمكن المساس بها أو مساءلتها كونها أنصاف آلهة». والأسير نجح في جمع المتناقضات ضده. كانت المرة الأولى التي يجلس فيها كل «هؤلاء» موحّدين ضد أمر واحد. حاولوا تطويقه وعزله ولا يزالون، «علماً بأن أحداً من الذين اجتمعوا في بلدية صيدا لم يقصدنا لتقديم النصيحة عن الموضوع الذي نحن بصدده، ما عدا المفتي الشيخ سليم سوسان»، كما يقول الأسير.
وعلى الرغم من كل الضغوط التي تمارس منذ أسبوع حتى اليوم، فالحراك في تزايد لا في نقصان. والاعتصام صامد في مكانه، لم يتزحزح، بل إنه يتمدد، والمفاجآت لا تزال عديدة، وكرات الثلج ستتدخرج في كل المناطق إن لم تحل الإشكالية، كما قال الأسير لمناصريه.
محاولات الضغط على الأسير واعتصامه كثيرة. اقتصادية عبر عدد من التجار الذين جاؤوه يشكون إقفال الطرقات، وسياسية ودينية عبر كلام ومفاوضات وتدخلات من أطراف عدة، أبرزها رئيسا الجمهورية والحكومة عبر وزير الداخلية مروان شربل، الذي يكنّيه الأسير بـ«المحترم». وينقل عنه «أن رئيسي البلاد والحكومة سيكونان حاسمين هذه المرة في وضع موضوع السلاح بنداً أساسياً على طاولة الحوار». يجيب الأسير إنه «لا يشك بمصداقيتهما في ذلك، لكن على حزب الله تقديم مؤشرات جدية حول ذلك، وهو ما لم يحصل حتى الآن. فقد أدركت أن كل الأطراف عجزت عن إلزام من يحمل السلاح بجدية البحث حول استراتيجية دفاعية، هذا كل ما أطلبه».



محطات

ــ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، قرر الأسير أن يترك صفوف «الجماعة الإسلامية» التي انتمى إليها لفترة وجيزة، والانتقال للانخراط في ما يعرف اصطلاحاً بـ«أهل الدعوة والتبليغ».
ـــ أواخر التسيعنيات، طرد من مسجد في منطقة عبرا بسبب ازدياد مريديه، حيث بدأ يتحرك وحيداً تقريباً، ليؤسس في أحد الأبنية مسجداً، عرف لاحقاً باسم مسجد بلال بن رباح.
ـــ نيسان 2011، لم يعد الشيخ أحمد «قادراً على تحمل المجازر التي ترتكب بحق المظلومين في سوريا، ولم يحرك أحد ساكناً، إلا ما ندر». قرر أن يبادر للقيام بأولى التحركات الاحتجاجية على مستوى لبنان، فكان اعتصام داخل حرم المسجد.
ـــ آذار 2012، ينزل الأسير وأتباعه إلى وسط العاصمة «نصرة للثورة السورية». في هذه اللحظة، تجاوزت الحركة الأسيرية الكثير مما كان يصنّف في خانة المحرّمات. خرج الأسير من عباءة صيدا، ليقف أمام تمثال الشهداء في قلب العاصمة. كانت المرة الأولى التي تطأ فيها قدماه أرض «سوليدير».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي