موازنة 2012 خلال أسبوع

«أين أصبح مشروع موازنة عام 2012؟» ربما السؤال لا يأتي في سياق منطقي حالياً، فعلامات الاستفهام والتعجب تلازم عبارة: «أين جلسات الحكومة؟!» إلا أن فترة النقاهة الحكومية لم تلازم مسار المهلة الدستورية لإقرار الموازنة. فقد مضى على هذا الاستحقاق حوالى 4 أشهر ونصف الشهر (آخر موعد لإقرار الموازنة في مجلس الوزراء في تشرين الأول من كل عام) ولا يزال أعضاء السلطة التنفيذية يتباحثون في البنود والبدائل والصيغ لتقديم مسوّدة نهائية لمشروع موازنة 2012 على طاولة مجلس الوزراء. العجن الكلامي لا يزال قائماً.

أوراق تعد، وأوراق مضادة ترد. كل له نظرته الخاصة في تحديد كيفية إنفاق الأموال العامة. الاقتراحات التعديلية المتنافرة لم تقتصر على مكونات الحكومة المتصارعة، لا بل دخلت إلى عناصر المكون الواحد، فإذا بوزيرين من الكتلة ذاتها يرفعان ورقتين مختلفين إلى مجلس الوزراء، واحدة باسم تكتل التغيير والإصلاح طرحها وزير العمل شربل نحاس، وأخرى باسم وزير السياحة فادي عبود بصفته الشخصية، لتضاف إلى «كدسة» الأوراق هذه ورقة أعدّها «الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي (راجع ملخص هذه الورقة المنشور في «الأخبار» في العدد ١٦١٩ الخميس ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢، أو عبر الرابط http://www.al-akhbar.com/node/33608)، هي الأخرى لا تزال قيد البحث، وبخلاف التعميمات الإعلامية، لم يحصل حتى اللحظة الاتفاق على بنود هذه الرؤية التي يصفها فريق ميقاتي بالمقاربة «الجديدة». وفي معركة الأوراق، بدأت تلوح قضية أخرى. فقد كان لافتاً ما صرّح به وزير المال محمد الصفدي أمس، بأن «وزارة المال هي من دون سواها صاحبة المسؤولية والصلاحية والقرار في تقديم مشروع الموازنة الى مجلس الوزراء». ويأتي هذا التصريح بعد إعلان الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة رؤية ميقاتي وطرحه المتعلق بموازنة عام 2012. يوضح الصفدي لـ«الأخبار»: «لا أريد اعتبار تصريحي مرتبطاً بإعلان ورقة الرئيس ميقاتي، لكن وسائل الإعلام ضاعت في الجهة الصالحة لبحث هذا الموضوع. أردت التذكير بأن وزارة المال هي المسؤولة عن الموازنة». يضيف «رئيس الحكومة مشكور على مقاربته، وله الحق في المساهمة، ونحن لن نعرض الموازنة قبل طرحها معه، ولكن تبقى المسؤولية الأساسية تقع على عاتق وزارة المال». يشرح الصفدي أنه في آخر جلسة لمجلس الوزراء تطرقت إلى الموازنة، أعلن للوزراء أنه سيرسل الموازنة بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع متضمنة التعديلات، وخصوصاً في ما يتعلق بالإنفاق الإضافي المترتب على تصحيح الأجور. ويلفت الى أن المسوّدة الأولى تضمنت الكثير من الاهداف المهمة، إلا أنه لم يجر النظر إلا الى الضرائب، وجرى التغاضي عن هذه الاهداف. يؤكد الصفدي أن وزارة المال ستعلن عن انتهاء إعداد مشروع الموازنة خلال أسبوع في حد أقصى. فقد جرى تحديد الافكار والارقام، وكلها أصبحت واضحة، وقد جرى الأخذ بعدد من الاقتراحات القابلة للتطبيق من معظم الاوراق المقدمة، لافتاً الى أنه سيجري التركيز على عدم زيادة العجز، في مقابل فرض ضرائب تطال بنحو أساسي ذوي الدخل المرتفع.
أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أشارت الى أن الورقة التي أعدها ميقاتي، والتي من المفترض أن تأخذ في الاعتبار كل الاقتراحات المطروحة من قبل الوزراء والكتل الوزارية، لم تصل بعد الى مرحلة التوافق، إذ لا تزال قيد البحث على نطاق ضيق. وتوضح أن النقاشات لا تزال ضمن الفريق الاقتصادي لميقاتي بالتنسيق مع الصفدي. وتشرح أن اللقاء الذي حصل مع وزير العمل شربل نحاس جاء لأخذ رأيه في بعض جوانب الورقة. الأوساط فضّلت عدم الإجابة عن سؤال بشأن توسع الفريق في لقاءاته إلى وزراء آخرين، لافتة الى أن ورقة ميقاتي موضوعة على جدول أعمال مجلس الوزراء، وقد اطّلع عليها الجميع وتنتظر انعقاد أولى جلسات الحكومة لعرضها، على أن يحدد مجلس الوزراء مجتمعاً موقفه منها. ماذا عن هذه الجلسات؟ وإلى متى سيدوم تعطيلها؟ تشرح هذه الأوساط أن النقاشات لا تزال في إطار المراوحة، على أمل أن تُحلّ الأمور العالقة لتعود الحكومة الى الالتئام.
وزير مقرّب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يؤكد أنه يجب الاتفاق على منهجية الموازنة وآليات إعدادها، لأن سبب الخلاف على إقرارها غير واضح حتى اليوم، فيما يجب أن يسير الجميع وفق معايير واضحة ومنهجية معروفة تؤمن إقرار الموازنة. ورغم أن الوزير يرى أن هناك إمكانية لتحقيق خرق ما على مستوى إقرار الموازنة، إلا أنه لا يعطي موعداً لذلك في القريب العاجل، «لأن الخلافات حول مرسوم واحد مستعصية الحل، فكيف حول إقرار موازنة كاملة؟».
وزير التنمية الإدارية محمد فنيش يشرح أن الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة سبق أن اجتمع معه، وقد عقد اجتماع مشترك مع وزير العمل شربل نحاس، وجرى طرح عدد من البنود الخلافية، وحصل نقاش، وعُرضت الاقتراحات، ولكن حتى الآن لم تفض الاجتماعات هذه الى توافق، وخصوصاً البند الذي عرضه وزير الاقتصاد نقولا نحاس في الاجتماع (وهو بند في ورقة ميقاتي) والمتعلق بأن تضع الحكومة مشروع قانون استثنائي يجيز لمجلس النواب إقرار موازنة 2012 قبل إجراء قطع الحسابات القانونية على الموازنات السابقة، على أن يتضمن فترة محددة لإتمام كل العمليات القانونية المتعلقة بموازنات الأعوام السابقة، أي أن تجري الموافقة بتحفّظ حتى يصدر ديوان المحاسبة رأيه في ما يتعلق بقطع حساب الموازنات السابقة، على أن يعرض مجدداً على مجلس النواب للتصديق النهائي. ولفت إلى أنه جرى طرح فكرة أن يقر مجلس النواب موازنة عام 2012 ولكن لا يتم نشرها في الجريدة الرسمية قبل إيجاد حل لقطع الحسابات، ولم يلق الاقتراح هذا توافقاً عليه. أما عن موقف كتلة الوفاء للمقاومة من ورقة ميقاتي، فقد شدد فنيش على أن الحزب لم يبلغه حتى الآن التوجه، إذ إن هذا الموضوع سيُطرح على صعيد الحزب، ومن ثم يُعلن موقف واضح منه.
يعلّق أحد الوزراء بسخرية: «الفترة المرتقبة لإنهاء قراءة الأوراق والاقتراحات المقدمة قد تحتاج الى نهاية عام 2013، أما الاتفاق على بنود الموازنة فقد يمتد حتى نهاية 2016، ومن المؤكد أن موازنة 2012 سيجري إقرارها قبل منتصف عام 2020»... هذا «التفاؤل» نابع من الخلافات المتجددة داخل الحكومة، وعدم قدرة مكوّناتها على الاتفاق على معظم المشاريع المطروحة... فهل ستتحقق هذه الرؤية؟



1500 مليار ليرة

هي قيمة النفقات الإضافية التي سترد في المسودة الثانية لمشروع موازنة 2012، بحسب الصفدي، وهي قيمة الزيادة التي ستطاول الأجور في القطاع العام، ويلفت الى أن هذه الزيادة ستمنع تضمين الموازنة أي استثمارات إضافية



لا موازنة قبل الحسابات

يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة، إبراهيم كنعان، أنه لا يمكن إقرار الموازنة قبل إجراء قطع حساب الأعوام بين 2006 و2009. ويشرح أن هذا موجب دستوري لا يمكن التنازل عنه ولا القيام بإصلاح إلا عبره. ويشدد على أن موقف تكتل التغيير والإصلاح واضح في هذا الإطار، إن كان من ناحية التمسك بالدستور أو اعتماد آليات شفافة في عمليات الإنفاق، وإلا «رح يبقى الملقّ فالت». ويرى كنعان أن موقف التكتل يرتبط بصلب العمل النيابي والوزاري. ويضيف «بدلاً من إعلان المقاربات والأوراق، فليعملوا على دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، لمناقشة مشروع موازنة 2012 تميهداً لإقرارها.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي