كاميرات المراقبة: سبق و«مهنية» يفتقدها التلفزيون السوري

يجهل بعض مراسلي القنوات السورية ماهية التقرير الميداني أو مهام المراسل الحربي. يكتفون بحمل معداتهم والهرع إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري. هناك، يتحفوننا بتقارير هزيلة تعتمد على جمل إنشائية حدّ الابتذال، كأن يقول المراسل إنّ «الجيش وصل إلى هنا كي يدوس على رقاب العصابات الجبانة» أو «دعستهم أقدام الجيش السوري». ثم لا يتوانى المراسل عن الظهور طيلة فترة التقرير أمام الكاميرا طمعاً بالنجومية المفقودة، وتذكيراً ببطولته وشجاعته كونه بادر إلى الدخول إلى تلك المناطق الخطرة.

وفي مفارقة نادرة من نوعها، سجّلت كاميرات المراقبة المثبتة على أبواب بعض المباني الحكومية في سوريا مهنية عالية مقارنة بتلك التقارير، إذ حقّقت السبق الذي يحلم به أي صحافي أو مراسل ميداني، بدلاً من رصدها للسرقات أو التجاوزات المهنية لموظفي المبنى. في صباح 19 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، تمكّنت كاميرات المراقبة المثبتة على مدخل مبنى القصر البلدي (المحافظة) في حلب من تسجيل دقيق للحظة سقوط قذائف صاروخية عند باب المبنى، وقد أدت إلى مقتل أربعة مواطنين من بينهم موظفة تعمل في الدائرة الحكومية ذاتها. وقد شاءت المصادفة أن تكون الكاميرا موجهة تماماً نحو المكان الصحيح، فرصدت ما سبق الحادث بمشهدية توازي مستوى الأفلام الوثائقية. تظهر في الشريط مجموعة من المدنيين يتجهون بشكل طبيعي نحو باب المبنى، ثم يخطر في بال إحدى السيدات أن تسرع في المشي قليلاً فتنجو من القذيفة، بينما يجلس ثلاثة مواطنين على الرصيف ربما لانتظار بدء الدوام الرسمي وتسيير أشغالهم. وما هي إلا لحظات حتى تسقط القذيفة فتردي المواطنين الثلاثة ومعهم سيدة كانت قريبة، فيما يسقط آخرون على الارض، وسرعان ما ينهض هارباً كل من يستطع النهوض، ليطغى على المشهد سواد موشح بمنظر الدماء وتعم الفوضى والهلع أرجاء المكان. ورغم أنّه كان يكفي التلفزيون السوري عرض ما سجلته كاميرا المراقبة، من دون إضافات سوى إحصائية للضحايا مع بعض المعلومات الأخرى، إلا أنّه اختار كالعادة الاستعراض بترك الفرصة لمراسله في حلب شادي حلوة كي يتحف مشاهديه بأن «الصورة الطبيعية جردتها قذائف الحرية من طبيعتها» ويجري بعدها لقاء مع أحد المدراء، فيكرر كليشهات الإعلام الرسمي ذاتها ثم سيدة مصابة لم تستطع التخلص من رعبها والإدلاء بجملة مفيدة أمام الكاميرا. وختم المراسل تقريره بالقول:«المرتزقة بعد إعلانهم للنفير، لم يسلم من إرهابهم لا الصغير ولا الكبير».
عندما تشاء المصادفات بأن توثق كاميرات المراقبة لحظات خطيرة مثل تلك، ربما يتوجب على فريق المحطات السورية الرسمية ترك الصورة وحدها تتكلم لأنّها الأبلغ وأكثر تأثيراً من الجمل الجاهزة للمراسل.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي