تلامذة طرابلس: كتبنا احترقت
يعود تلامذة طرابلس إلى الصفوف، اليوم، بعد عطلة قسرية دامت ثمانية أيام، وفي جعبتهم قصص من يوميات الحرب في المدينة رووها لمعلميهم. في الأسبوع الماضي، حضر أحدهم إلى مدرسة القبة الرسمية بلا حقيبته المدرسية. وما إن همّ الناظر بتوبيخه على فعلته هذه، فوجئ بما أخبره إياه التلميذ وهو أنّ بيت ذويه الواقع على خطوط التماس قد احترق بالكامل ولم يسلم لهم أي شيء فيه بما في ذلك «شنطته». عندها اعتذر الناظر من التلميذ وسمح له بدخول الصف، واعداً إياه بمساعدته في إنهاء عامه الدراسي عبر توفير كتب بديلة لتلك المحروقة.
كذلك روت إحدى التلميذات المقيمات في باب التبانة لمعلمتها كيف غادرت المنطقة مع أهلها وقد كانوا بلباس النوم، فتركت كتبها ودفاترها في المنزل، من دون أن تتمكن من مراجعة صفحة واحدة من دروسها طيلة العطلة. تلميذة أخرى أتت إلى صفها في ثانوية تقع في منطقة الزاهرية، من غير أن تنجز فروضها، ولمّا سألتها المعلمة عن السبب أجابتها بأن ضيوفاً حضروا إلى بيت أهلها. استغربت المعلمة الإجابة وسألتها مرة ثانية: «لِم لَم تتركيهم وشأنهم وتدخلي غرفتك لإنجاز المطلوب منك؟». لكن التلميذة وقفت مشدوهة ولم تجب، فكررت المعلمة السؤال، عندها ردت التلميذة وقد احمرّ وجهها خجلاً: «لا يوجد في بيتنا سوى غرفتين، ونحن في البيت 8 أولاد مع أمي وأبي!».
لا يكتفي بعض المعلمين في مدارس تقع ضمن دائرة مناطق الاشتباكات مثل باب التبانة أو في جوارها مثل الزاهرية، بنقل هذه القصص بل يتحدثون عن المعاناة الاجتماعية والنفسية لبعض طلابهم نتيجة ما حصل معهم في 16 جولة من الاشتباكات. ويستعد هؤلاء لمواجهة الحالات النفسية التي سيصادفونها ابتداءً من اليوم مع عودة التلامذة إلى صفوفهم. يقول أحدهم: «ستكون المصاعب كبيرة، فهناك منازل احترقت وأخرى نزح منها أهلها من دون أن يعودوا إليها حتى الآن، ومنهم من سقط لهم عزيز خلال الاشتباكات». يسأل: «كيف سينكبّ التلامذة على دروسهم وسط كل هذه الأجواء؟».
إلى ذلك، يعاني تلامذة المناطق الساخنة في طرابلس نفسياً من تداعيات الاشتباكات «أكثر مما يتخيّل المرء»، وفق بعض المعلمين الذين يعلمون في مدارس في هذه المناطق، وبفارق كبير عن التلامذة المقيمين في المناطق البعيدة عن محاور القتال في المدينة، أو الذين يسكنون في أطرافها. هؤلاء لم يختبروا مثل هذه التجربة القاسية، وهم إما ذهبوا إلى البحر أو صعدوا إلى الجبل مع ذويهم.
هكذا، أعطى توقف إطلاق النار ودخول الجيش اللبناني مناطق الاشتباكات في طرابلس ابتداءً من فجر أمس، الضوء الأخضر لعودة طلاب المدارس والجامعات الخاصة والرسمية في المدينة إلى صفوفهم.
فقد أبلغ مديرو المدارس الرسمية والخاصة في عاصمة الشمال طلابهم بالعودة إلى مقاعد الدراسة لإنهاء الأيام الأخيرة من العام الدراسي وتعويض ما فاتهم، عبر اتصالات هاتفية أو بواسطة رسائل نصيّة كانت تصل تباعاً إلى الطلاب وذويهم منذ مساء أول من أمس الأحد.
وتحدّثت رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلا حاماتي لـ«الأخبار» عن التدابير المتخذة من أجل تعويض طلاب طرابلس، نظراً للوضع الاستثنائي الذي عاشته المدينة طيلة الأسبوع الماضي بسبب الاشتباكات. وشرحت «سنواصل تطبيق الإجراء الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم العالي بعيد الإضراب المفتوح لهيئة التنسيق النقابية، وهو التدريس لمدة 6 أيام في الأسبوع، وإضافة ساعة تعليم إلى الدوام».
وأشارت حاماتي إلى أن «هذه الإجراءات تلقى تجاوباً من مديري المدارس، إذ تعاطوا معها كل بحسب خصوصية مدرسته»، لافتة إلى أن «بعض المديرين أوقفوا العمل باليوم السادس والساعة الإضافية، بعدما وجدوا أن لا ضرورة لذلك، وتحديداً في المدارس التي تقع خارج طرابلس».
لكن ماذا عن الوضع النفسي للطلاب الناتج من توقفهم عن متابعة دراستهم بسبب الاشتباكات؟ وهل من تدابير تساعدهم في تجاوز ما تعرّضوا له أخيراً؟ أكدت حاماتي أننا «لن نوفر أي جهد في سبيل مساعدة الطلاب، وكل ما نسعى إليه هو أن ينتهي العام الدراسي على خير، والمهم الآن أن يستقر الوضع الأمني في طرابلس»، مشيرة في هذا المجال إلى أن «كل المدارس الرسمية في طرابلس تأثرت، سواء الواقعة في مناطق الاشتباكات أو البعيدة عنها، لأن طلاب هذه المدارس هم من كل مناطق المدينة».