اليازجي «مستحقّ».. والراعي نجم حفل التنصيب

دمشق | الطريق إلى كنيسة الصليب في القصاع في دمشق خالٍ من السيارات. تشديد أمني غير مسبوق. تفتيش للمارة بين حاجز وآخر. وحدها نقطة تفتيش أمنية على الباب الرئيسي للكنيسة هي السبيل إلى الداخل. أمّا المؤمنون، فباحة الكنيسة ساحتهم، ثم قاعة الصلاة التي امتلأت بهم، وفاض عددهم عن مقاعدها الألف، في حفل تنصيب البطريرك الجديد لأنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي.
مرّ حفل التنصيب بسلام، بمشاركة ممثّلين عن معظم الكنائس والطوائف المسيحية، من بينهم بطريرك الموارنة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قادماً من بيروت في أول زيارة لبطريرك ماروني لدمشق منذ استقلال لبنان وسوريا. وطبعاً، زيارة الراعي نالت حصّة الأسد من الاهتمام الإعلامي والإسقاطات السياسية. كان المشهد في الخارج مهيباً، من دون أن يعترض الحاضرون على الإجراءات الأمنية المشدّدة. إحدى النساء في باحة الكنيسة رفضت الإدلاء بتصريح لفريق عمل إحدى الفضائيات اللبنانية المرافقة للراعي، مكتفية بالقول «أرفض سؤالك الطائفي. أنا سوريّة فقط، وكلّنا سوريون»، ما أثار اهتمام الناس من حولها.
أمام مشهد تنصيب اليازجي، الذي أعطى رسالة واضحة إلى كل ضالّ أن يهتدي، بترديده المثل القائل: «لقد وجدتَ طريق دمشق»، خرج صوت الجمهور بصوت واحد: «مستحق». أكاليل الورد بحد ذاتها تحمل من الجدل ما يكفي ويزيد، فحمل أحدها اسم نائب رئيس الجمهورية السورية فاروق الشرع، وآخر اسم رئيس الحكومة وائل حلقي، بالإضافة إلى أكاليل من رؤساء فروع حزب البعث العربي الاشتراكي. صفّق الجمهور بحرارة أيضاً لوزير الأوقاف السوري محمد عبد الستار السيّد، وعدد من رجال الدين المسلمين.
بعد انتهاء حفل التنصيب، احتشدت قاعة الغداء بالمشاركين، وأشار نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد لـ«الأخبار» إلى أن سبب وجود هذا العدد الهائل من المشاركين، وسط تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة المحيطة بالكنيسة خلال الفترة الماضية، «متعلق بقناعات الناس واندفاعهم الذي يعتبر أكبر من الخوف والإرهاب». وأضاف المقداد إن «المشاركين في هذا الاحتفال الكبير والتاريخي لا يهتمون باختلاقات بعض وسائل الإعلام، أو بالهجمات التي تستهدف الوحدة التي تمثلت سوريا فيها اليوم». وبرأيه، فإن «كل أطياف المجتمع السوري قد شاركت في الاحتفال، بالإضافة إلى مشاركة عدة دول من العالم، بما فيها المشاركة المرحّب بها من قبل البطريرك الراعي».
ولفت نائب وزير الخارجية إلى أن «البطريرك الراعي قدم إلى بلده وشعبه وكنيسته في سوريا»، رافضاً الإجابة عن سؤال حول أي مقابلات رسمية قد يعقدها البطريرك الماروني في سوريا، «لن نتحدث عن هذه الجوانب، إذ إن المناسبة هي حفل التنصيب». وحين يصر السائل على سؤاله، يقول المقداد «لا أعرف معلومات عن أي مقابلات رسمية».
وعبّر الأرشمندريت جورج جيلو، ممثل بطريركية مار الياس للروم الأرثوذكس في دويلعة، لـ«الأخبار»، عن «إحساس المؤمنين بالفرح، رغم التحديات التي عاشها أبناء سوريا مؤخراً».
أمّا الأديبة السورية كوليت خوري، فأصرّت على حضور المناسبة رغم الضمادة التي تلف يدها المكسورة. تعلّق خوري باسمة: «كسرتُها تضامناً مع ما يجري في سوريا من أحداث». وقالت خوري لـ«الأخبار» إن «حماسة الناس اليوم تعود إلى حماسة الشعب السوري لكل المناسبات المجيدة التي تحمل معاني القوة والمجد والخير، رغم كل محاولات تخريب الأمن». وعبّرت عن فرحها بالمعنى الإنساني لزيارة البطريرك الراعي والتي تغلب على الدلالات السياسية والدينية للزيارة، وتابعت بقولها: «زيارة البطريرك الراعي من أهم الأحداث التي حصلت في بلادي منذ 50 سنة وحتى الآن».
من جهته، أكّد المسؤول الإعلامي للجنة التنصيب الدكتور جوزف زيتون أن «الإقبال الشعبي المتوقّع لحضور حفل التنصيب كان يمكن أن يتجاوز الخمسين ألف مؤمن، لكن المنظّمين أرادوا تقليل العدد».
بعد صمت حفل التنصيب، هناك على الطريق بعيداً عن الكنيسة، لا تزال رشقات الرصاص تعلو بين الحين والآخر قادمة من المناطق المتاخمة والقريبة في جوبر وبرزة، والقوى الأمنية المنتشرة على الطرقات تعطي الملاحظات والتوجيهات للناس حول الطرق التي يسلكونها.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي