عندما يستطلع سفراء الانتخابات: ماذا عن اليوم التالي؟


تجمّعت لدى مسؤولين رسميين انطباعات عن اهتمام متزايد بدأ يعبّر عنه سفراء غربيون وشرقيون، أكثروا في الأسابيع الأخيرة من التردّد عليهم للاستفسار عن مصير قانون الانتخاب، ومن ثمّ الانتخابات النيابية هذا الصيف. كان الانطباع الأكثر إثارة لانتباه المسؤولين، إحجام السفراء العرب عن تحرّك مماثل واستطلاع المواقف، قد يُعزى في أحسن الأحوال إلى مقاربتهم الانتخابات ـ شأن ما يجري في بلدانهم ـ على أنها إجراء ثانوي. لا يزورون المسؤولين إلا قليلاً، ولا يسألون عن الاستحقاق، ويبدون خلافاً لنظرائهم الغربيين والشرقيين في المقلب الآخر ممّا يجري في لبنان.
ليس بين السفراء المستطلعين مَن يتحمّس للدخول طرفاً في الانتخابات، ولا تكرار تجربة السفيرين الأميركي جيفري فلتمان والفرنسي برنار إيميه عندما أشرفا على إدارة انتخابات 2005 بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وعملا على ترجيح كفة قوى 14 آذار بغية الحصول على غالبية نيابية تضع السلطة والحكم بين يديها. لم يكتفِ فيلتمان وإيميه بالإصرار على إجراء الانتخابات، بل تمسّكا بحصولها في موعدها ورفضا تأجيلها بضعة أيام فسحاً في المجال أمام جهد بذله مجلس النواب لتعديل قانون 2000، وتقاسما تأليف لوائح المعارضة حينذاك وتوزيع المقاعد على أطرافها.
ليس بينهم أيضاً مَن يتحمّس لتجربة مشابهة رافقت انتخابات 2009 نقلت الإشراف عليها إلى أيدي عربية هذه المرة، هم السعوديون والسوريون. بدا واضحاً في ذلك الحين أن الغالبية النيابية آيلة إلى قوى 14 آذار توطئة لثلاثة استحقاقات متلازمة تفاهمت الرياض ودمشق عليها سلفاً ــ أو كادت ــ بغية تكريس الاستقرار الداخلي في لبنان وتقاسم نفوذهما فيه: وصول سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، تأليف حكومة وحدة وطنية على صورة حكومة ما بعد اتفاق الدوحة تضع الثلث المعطل عند الأقلية، ذهاب الحريري إلى سوريا فوراً لتكريس مصالحة تنزع عنها اتهاماته إياها باغتيال والده الرئيس سعد الحريري.
على أبواب انتخابات 2013 أصبح الخارج في مكان والداخل في مكان آخر: الأميركيون والفرنسيون والسعوديون منشغلون بالحرب السورية، وسوريا منشغلة بحربها. لا الحسم فيها وشيك، ولا الإخلال بتوازن القوى الداخلي الحالي في لبنان متاح. بذلك أضحى على السفراء الاكتفاء بدور مستطلعين.
وبحسب انطباعات المسؤولين الرسميين من لقاءاتهم بهم، فإن سفراء الاتحاد الأوروبي وممثل الأمين العام للأمم المتحدة هم الأكثر إظهاراً للاهتمام بانتخابات 2013، يليهم سفراء روسيا والصين وتركيا وإيران، ويحرصون على عقد لقاءات دورية. لا يقصرون اجتماعاتهم على الخوض في الاستحقاق، بيد أنهم يسهبون في طرح التساؤلات وطلب الاستيضاحات ويلمّحون إلى خشيتهم من أن يدفع الخلاف على القانون وإهدار الوقت في التفاصيل إلى تأجيل الانتخابات.
بضعة اجتماعات في الأيام الأخيرة أبرَزَ فيها السفراء ملاحظات منها:
1 ـــ بتهكم لم يكتموه وهم يراقبون الجدل الدائر حول مشاريع القوانين واقتراحات القوانين والأفكار المتبادلة، سألوا: لا نفهم حقاً ماذا يجري. اشرحوا لنا. إلا أنهم يقرنون استيضاحهم الغموض الذي يحيط بالمناقشات الدائرة في مجلس النواب من دون آمال حقيقية بالتوصّل إلى اتفاق على قانون جديد للانتخاب، بالقول إن أي حجة لا تبرر تأجيل الانتخابات، ولا يمكنهم الموافقة على أي ذريعة بذلك.
2 ـــ يعتقد السفراء المستطلعون بأن الانتخابات ـــ لا قانون الانتخاب ـــ هي الهدف. لا يقللون من أهميته، لكنهم يحرصون على تأكيد إجراء انتخابات شفافة تؤول إلى تأليف حكومة تمثيلية، توفر الاستقرار.
3 ـــ يميل بعض السفراء إلى ما يسمّونه المسار المدني في الانتخابات كما في قانون الانتخاب، ويبدون نفورهم من الاستفزازات والجدل المذهبي، إلا أنهم يستدركون بالقول إنهم يتفهّمون التركيبة الطائفية للبنان، ويخلصون إلى الرغبة في رؤية قانون يراعيها بحد أدنى.
4 ـــ يرفضون التخيير بين إجراء الانتخابات أو الاستقرار، ويطرحون معادلة معاكسة تطلب الانتخابات والاستقرار معاً.
5 ـــ يعكس السفراء فضولاً في الاطلاع على مداولات مجلس النواب قبل أن يشيروا، من خلال ما يصل إلى مسامعهم، إلى إغراق غير مبرّر له في جوانب تقنية معقدة، وأخرى تفصيلية وطويلة تضاعف من العقبات في طريق إقرار قانون جديد. قال بعضهم للمسؤولين الرسميين إنهم باتوا أمام مناقشات محيّرة.
6 ـــ طرح السفير الفرنسي باتريس باولي وسفراء آخرون في الاتحاد الأوروبي في اجتماعاتهم بالمسؤولين الرسميين إمكان اقتراح أفكار قليلة تساعد الأفرقاء اللبنانيين على التوصّل إلى قواسم مشتركة، من دون أن يوحي مسعاهم التدخل في مناقشات مجلس النواب، ولا انحياز إلى وجهة نظر دون أخرى. لم يعمّر الاقتراح طويلاً، ولم يعدُ كونه استمزاج رأي المسؤولين في خطوة كهذه تخرج الأطراف من مأزق المواقف والشروط المتصلّبة.
7 ـــ التقى معظم السفراء على التساؤل عن «اليوم الذي يلي» إجراء الانتخابات، في تخوّف مبكر من احتمال تعثّر تأليف حكومة جديدة. أدرجوا تساؤلهم في سياق اهتمامهم باستمرار الاستقرار الداخلي، سواء في مرحلة ما قبل انتخابات 2013 أو مرحلة ما بعدها. لم يشهد جميعهم أزمة تأليف حكومة ما بعد اتفاق الدوحة عام 2008 وقاربت شهرين، وأزمة تأليف حكومة ما بعد انتخابات 2009 و استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر، وأخيراً أزمة تأليف الحكومة الحالية قرابة خمسة أشهر ولم تكن قد سبقتها انتخابات نيابية. إلا أنهم ألحّوا على قياس واحد هو الاستقرار.
8 ـــ وفق المواقف المعلنة في مجلس النواب، عوّل السفراء المستطلعون أمام محدّثيهم المسؤولين الرسميين على ما يعدّونه « نيّات» الأفرقاء في التوصّل إلى اتفاق على قانون الانتخاب. لم يلمسوا مؤشراتها الحسّية بعد، ولا كذلك منذ الآن نيّات مماثلة في المسار الذي سيسلكه تأليف حكومة ما بعد الانتخابات: ائتلافية، أو حكومة يتزعّمها فريق واحد، أو حكومة مقنّعة.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي